«النقض»: الأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ۸۸۳۱ لسنة ۹۱ قضائية، أن الأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير مقبول.

المحكمــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً.

أولاً: بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن/ …………………:

حيث أن المادة 41 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نصت على سقوط الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة، ولما كانت العقوبة المحكوم بها على الطاعن ــــ السجن المؤبد ــــ من العقوبات المقيدة للحرية، ولم يتقدم للتنفيذ حتى يوم الجلسة طبقاً للثابت من الأوراق، فإنه يتعين الحكم بسقوط طعنه.

ثانياً: بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن/ …………………:

حيث إن طعنه استوفى الشكل المقرر قانوناً.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ــــ وهو الحال في الدعوى الماثلة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعي الطاعنين في هذا الشأن يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً وكافياً على توافر نية القتل لدى الطاعن.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم كافيا وسائغاً في التدليل على توافر نية القتل لدى الطاعن، فإن ما يثيره في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأداة المستعملة في الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية للجريمة، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير مقبول.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم يكفى في الكشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حث الطاعن، وقد ساق لإثباته قبله من الأدلة والقرائن ما يكفى لتحققه طبقاً للقانون، فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له. فضلاً عن انه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن ــــ وهي السجن المؤبد ــــ تدخل في حدود العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة، فلا مصلحة له فيما يثيره من قصور الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار.

لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن لم يطلب من المحكمة اتخاذ إجراء بشأن بيان الحالة النفسية، ومن ثم فليس له النعي على المحكمة قعودها عن اتخاذ إجراء لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إليه بعد أن اطمأنت للأدلة القائمة في الدعوى وإلى صورة الواقعة كما استقر في يقينها، ولا يقبل من المتهم أن يطالب المحكمة بالرد على دفاع لم يثر أمامها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس.

لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً بذاته في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصها المحكمة في التدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ويصح من ثم طبقاً للمادة ۳۹ من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية القتل العمد ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الضربات التي أسهمت في الوفاة أو لم يعرف.

فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل. هذا فضلاً عن أنه من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المفيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين على قتل المجني عليه بما يرتب بينهم تضامناً في المسئولية، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهم محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى مؤاخذة الطاعن وآخرين بوصفهم فاعلين أصليين في جريمة القتل العمد التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم، لا يكون قد أخطأ في شيء ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً، فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين الفعل وإصابة المجني عليه والتي أورد تفصيلها من تقرير الطب الشرعي، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله.

فضلاً عن ذلك، أنه لا يبين من مطالعة محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بما يثيره في طعنه من انقطاع رابطة السببية بين الاعتداء على المجنى عليه وحدوث إصابته التي أودت بحياته، فإن المحكمة غير ملزمة بالرد على دفاع لم يطرح أمامها ولا يقبل منه إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة، لأنه يقتضي تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفتها.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن التقرير الطبي الشرعي وصف إصابات المجنى عليه وموضعها خلافاً لما يزعمه الطاعن في أسباب طعنه، وكان من المقرر كذلك أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم ايراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه، فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعى أن هناك تصويراً أخر للحادث يخالف ذلك التصوير الوارد بمذكرة النيابة حسبما حصلها تقرير الصفة التشريحية، ومن ثم فلن تكن المحكمة بحاجة الى أن تورد مؤدى ما جاء بمذكرة النيابة المشار اليها في هذا التقرير، ومن ثم يكون منعى الطاعن على الحكم في هذا الشأن غير سديد.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعويله على تحريات الشرطة رغم عدم جديتها وانعدامها، ينحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في تقدير عناصر الدعوى، مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. ولا يقدح في تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو وسيلته في إجراء ذلك التحري، ولا ينال من ذلك أن الضابط مجري التحريات لم يشهد الواقعة، هذا فضلاً عن أن البين من محضري جلستي المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع بعدم جدية التحريات، فلا يجوز له ــــ من بعد ــــ أن يثير ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان القانون لا يشترط لثبوت جريمة القتل والحكم على مرتكبها وجود شهود رؤية أو قيام أدلة معينة، بل للمحكمة أن تكون اعتقادها بالإدانة في تلك الجريمة من كل ما تطمئن إليه من ظروف الدعوى وقرائنها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل الى جدل موضوعي لا يجوز اثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد أقام قضاءه على أقوال شاهد الإثبات وما استخلصه من أقوال مُجري التحريات وما ثبت بتقرير الصفة التشريحية، ومن ثم فإنه لم يبن حكمه على رأيٍ لسواه، ويضحي ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.

وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجهه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، مرجعه إلى محكمة الموضوع، تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشاهدتهم، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن تناقض الشهود أو اختلافهم في بعض التفصيلات التي يوردها الحكم لا يعيبه، ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشهود وأن تطرح ما عداها، وفي عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحها.

لما كانت المحكمة قد بينت في حكمها وقائع الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤيدة إليها واطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في صورة الواقعة وتشكيك في أقوال الشهود وفي شأن تعويل الحكم في إدانتهم على أقوال شاهد الإثبات الأول بدعوى انتفاء صلته بالواقعة وعدم تواجده على مسرح الحادث، فإن منعى الطاعن في هذ الشأن يكون غير سديد. هذا إلى أن الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن أوجه التناقض بين أقوال شاهد الاثبات الأول وأقوال مجرى التحريات، بل ساق قولاً مرسلاً مجهلاً، فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير مقبول.

لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن من منازعة في مكان الحادث، لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً من الحكم، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله، وهذا إلى أن الطاعن لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق بشأن ما أثاره من منازعة، فليس له من بعد أن ينعي عليها قعودها عن اتخاذ إجراء لم يطلب منها ولم تر هي ثمة حاجة لإجرائه، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سديد.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بتناقض الدليلين القولي والفني واطرحه برد سائغ ويتفق وصحيح القانون، لما هو مقرر من أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملائمة والتوفيق، ومن ثم فإن النعي علي الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الثابت من الرجوع إلى محضري جلستي المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن لم يطلب مناقشة الطبيب الشرعي، فليس له ــــ من بعد ــــ أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب لم يبديه.

وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الصفة التشريحية ورأت التعويل عليه، فإنه لا يقبل من الطاعن النعي بعدم مناقشتها الطبيب الشرعي، طالما أنه لم يطلب إليها مناقشته ولم تر هي من جانبها محلاً لإجراء هذه المناقشة اطمئناناً منها بما أثبته في تقريره. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

فلهـــذه الأسبـــاب

حكمت المحكمة:

أولًا: بسقوط طعن الطاعن الأول .

ثانيًا: بقبول طعن الطاعن الثاني، شكلًا وفى الموضوع برفضه.

زر الذهاب إلى الأعلى