«النقض»: إذا تجاوز النقد حد إبداء الرأي ووصل للتشهير وجب العقاب عليه

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 37392 لسنة 73 القضائية، أن النقد المباح هو إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به، أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه، وكانت العبارات التى تضمنها المقال الذى نشرته الجريدة التى يرأس الطاعن تحريرها شائنة، ومن شأنها لو صحت استيجاب عقاب المدعى بالحق المدني، واحتقاره عند أهل وطنه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة أن ما نشر إنما هو من قبيل النقد المباح يكون فى غير محله.

المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.

لما كان ذلك , وكان مفاد نص المادتين 215، 216 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة الجزئية تحكم فى كل فعل يعد بمقتضى القانون مخالفة أو جنحة عدا الجنح التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد، وتحكم محكمة الجنايات فى كل فعل يعد بمقتضى القانون جناية وفى الجنح التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر عدا الجنح المضرة بأفراد الناس.

لما كان ذلك، وكان البين من أوراق الطعن أن المدعى بالحقوق المدنية بصفته عضو مجلس شعب أقام دعوى الجنحة المباشرة ضد المتهم الطاعن موضوع الطعن الماثل أمام محكمة الجنايات متهمًا إياه بامتناعه عن نشر تصحيح ما أورده خطأ من وقائع قذف وسب فى حقه بالصحيفة التى يرأس تحريرها خلال الميعاد القانونى وهى الجريمة المعاقب عليها بالمادتين 24، 28 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة ولائحته التنفيذية، وقد قام دفاع الطاعن على أن الحكم المطعون فيه قد صدر من محكمة غير مختصة ولائيًا بنظر الدعوى. لما كان ذلك، و كان من المقرر قانونًا أن الجرائم عمومًا تقع باقتراف فاعلها سلوك إجرامى وقد يكون هذا السلوك إيجابيًا أى إتيان الفعل أو السلوك الإجرامى.

وقد يكون سلبيًا أى بالامتناع عن مباشرة ذلك السلوك والإحجام عنه والأخير لا يتصور إلا بالنسبة لعمل إيجابى كان الممتنع ملزمًا قانونًا بالقيام به فهو صورة للسلوك الإنسانى وسبب للعدوان الذى نال مصلحة أو حقًا جديرًا بحماية القانون فإذا خالف سلوك الممتنع ما توقعه الشارع فنال العدوان الحق فلا شك أن سبب هذا العدوان هو ذلك السلوك و إذ كانت جريمة الامتناع عن نشر تصحيح ما ورد ذكره خطأ من وقائع قذف وسب فى حق المدعى المدنى بصفته المار بيانها موضوع الطعن الراهن هى بلا شك من الجرائم ذات السلوك السلبى أى التى تقع بالامتناع عن القيام بعمل قانونى كان الطاعن ملزمًا بإتيانه (وهو نشر تصحيح الوقائع الواردة بطريق الخطأ).

وهى من الجرائم التى تدور فى فلك الجريمة الأصل وهى واقعة القذف والسب فى حق المدعى المدنى بصفته بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر فهى فرع من الأصل الذى عقد المشرع الاختصاص بالفصل فيه لمحكمة الجنايات لحكمة تغياها حاصلها توفير ضمانات أكثر للخصوم فيها لما تتطلبه طبيعة هذه الجرائم دون أن يخرجها عن إطارها كونها جنحة يجوز الادعاء المباشر فيها أمام محكمة الجنايات.

و من ثم فإن قواعد التفسير الصحيح للقانون تستوجب بحسب اللزوم العقلى أن يتبع الفرع الأصل الذى يدور فى فلكه باعتباره من الجنح التى تقع بطريق النشر على غير الأفراد والتى تختص بالحكم فيها محكمة الجنايات دون محكمة الجنح والقول بغير ذلك يؤدى إلى المغايرة فى الحكم فى ذات المسألة الواحدة بغير مبرر وهو ما يتنزه عنه الشارع ويخرج عن مقصده فلا يتصور أن ينعقد الاختصاص لمحكمة الجنايات فى الجنح التى تقع بواسطة الصحف.

أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد ويترك فى الوقت ذاته الاختصاص لمحكمة الجنح بالنسبة لجريمة الامتناع عن نشر تصحيح الوقائع المنشورة خطأ موضوع الطعن الراهن رغم وحدة المسألة ورغم أن ضمان العدالة أمام محكمة الجنايات أكثر توافرًا. لما كان ذلك , وكانت الوقائع المنشورة والتى نسب المدعى المدنى للطاعن بصفته أنها تتضمن قذفا وسبًا فى حقه وامتنع الطاعن عن نشر تصحيح ما ورد ذكره منها بالصحيفة التى يرأس تحريرها إنما تتعلق بصفته عضوًا بمجلس الشعب حسبما أثبته الحكم المطعون فيه فى مدوناته و ليست موجهة إليه بصفته من آحاد الناس ومن ثم فإن الاختصاص بنظر الدعوى ينعقد لمحكمة الجنايات.

وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه النعى عليه فى هذا الشأن غير سديد. هذا إلى أنه من المبادئ العامة المتفق عليها أن المصلحة أساس الدعوى أو الطعن فإذا انعدمت فلا تقبل الدعوى أو الطعن باعتبار أن الدعوى أو الطعن فى هذه الحالة يكون مسألة نظرية بحتة لا يؤبه بها وكان لا مصلحة للطاعن فى أن يحاكم أمام محكمة الجنح بدلاً من محكمة الجنايات التى جرت المحاكمة أمامها والمختصة بنظر الدعوى حيث تتوافر فى محاكماتها من الضمانات ما لا يتوافر أمام محكمة الجنح ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فى النعى على الحكم بهذا الوجه.

وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين حقيقة الواقعة من جماع الأدلة المطروحة وهى ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى فإذا كان الجانى قد احتاط ولم يذكر إسم المجنى عليه صراحة فى العبارات المنشورة.

فإن لمحكمة الموضوع أن تتعرف على شخص من وجهت إليه من واقع العبارات ذاتها وظروف الواقعة والملابسات التى اكتنفتها, ولما كانت مدونات الحكم المطعون فيه تفيد أن المحكمة قد استخلصت أن المدعى بالحقوق المدنية هو المقصود بعبارات المقال المنشور وكانت العبارات التى أوردها الحكم تسوغ النتيجة التى رتبها الحكم عليها فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً فى تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.

لما كان ذلك, وكان من المقرر أن استظهار القصد الجنائى فى جريمتى القذف والسب علنًا من اختصاص محكمة الموضوع تستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها دون معقب عليها مادام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج فإن الحكم إذ استخلص قصد التشهير علنًا بالمدعى بالحقوق المدنية يكون قد دلل على سوء نية الطاعن وتوافر ركن العلانية بما يسوغ الاستدلال عليه وتنحسر عنه دعوى القصور فى التسبيب فى هذا الشأن.

لما كان ذلك , وكانت حرية الصحفى هى جزء من حرية الفرد العادى ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص , وكان القانون لا يتطلب فى جريمة القذف قصدًا خاصًا بل يكتفى بتوافر القصد العام الذى يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف أو احتقاره ولا يؤثر هذا القصد أن يكون القاذف حسن النية أى معتقدًا صحة ما رمى به المجنى عليه من وقائع القذف , ولما كان الثابت من العبارات التى حصلها الحكم نقلاً عن صحيفة ……. أنه قصد بها النيل من المدعى بالحقوق المدنية فإن الحكم المطعون فيه يكون قد تضمن بيان القصد الجنائى على وجهه الصحيح ويكون النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن النقد المباح هو إبداء الرأى فى أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه , وكانت العبارات التى تضمنها المقال الذى نشرته الجريدة التى يرأس الطاعن تحريرها شائنة ومن شأنها لو صحت استيجاب عقاب المدعى بالحق المدنى واحتقاره عند أهل وطنه فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة أن ما نشر إنما هو من قبيل النقد المباح يكون فى غير محله.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصى أسباب إعفاء المتهم من العقاب فى حكمها ما لم يدفع به أمامها وإذ كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بحقه فى الإعفاء من العقوبة فليس له من بعد أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع المبدى من الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية قبله لقيامه بنشر تصحيح المقال المنشور محل الواقعة المطروحة قبل تحريك الدعوى الجنائية قبله بما مفاده أن الطاعن لم يقدم ما يثبت قيامه بذلك الإجراء وطبقًا للقواعد المقررة وكان الطاعن لا يمارى فى صحة ما خلص إليه الحكم فى هذا الشأن فإن ما انتهى إليه الحكم من رفض هذا الدفع يكون قد اقترن بالصواب.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لعدم الحصول على إذن من نقابة الصحفيين التى ينتمى إليها الطاعن والمدعى بالحق المدنى قبل تحريك الدعوى واطرحه على سند من أنه لا تأثير لذلك على صحة الإجراءات القانونية ولا يصمها بالبطلان وكانت هذه المخالفة بفرض صحتها وحصولها لا تستتبع تجريد العمل الإجرائى الذى قام به المدعى بالحقوق المدنية من حيث آثاره القانونية إذ لا تعدو أن تكون من قبيل الإجراءات التنظيمية التى لا يترتب على مخالفتها بطلان ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله.

لما كان ذلك، وكان الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان فى صورة الواقعة المطروحة يضحى دفعًا قانونيًا ظاهر البطلان بعيدًا عن محجة الصواب ومن ثم فلا تثريب على الحكم إن هو التفت عنه و لم يرد عليه. لما كان ما تقدم , فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مفصحًا عن عدم قبوله موضوعًا مع مصادرة الكفالة.

«النقض» توضح أثر وقوع الإتلاف على مال مملوك للمتهم

زر الذهاب إلى الأعلى