النبوة المحمدية

من تراب الطريق (1253)

بقلم/ الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب

نشر بجريدة المال الخميس 3/2/2022

أراد الله سبحانه وتعالى للنبوة المحمدية أن تكون نبوة هداية للعقل والوجدان والضمير، لا هى بالسحر، ولا هى بالكهانة، ولا هى بالعرافة والتنجيم واستطلاع الغيب. آيتها الكبرى إلى الناس القرآن المجيد الذى لا يَبْلى ولا تنقضى عجائبه، ولا يُصَاَدر ولا يُقَارع كما صودرت وقورعت عنادًا آياتُ الصدق التى أتى بها السابقون من الأنبياء والمرسلين، ولا ينطمر ولا يُنْسى بمضى الزمن كما انطمرت تلك الحجج السابقة. كل يوم يمضى يزداد القرآن الكريم جلاءً ونورًا وفهمًا لدى المؤمنين، وهداية للعالمين.

اتخذ القرآن المجيد من العقل والتفكير فريضة، واستدعى فى آياته وخواتمها ما يقرع العقل والفهم والتأمل والتفكير.. أفلا تعقلون؟ أفلا يبصرون؟ أفلا يتذكرون؟ أفلا ينظرون؟ لعلكم تعقلون؟ أفلا يتدبرون؟ لعلهم يفقهون؟ لعلهم يتذكرون؟ إنما يتذكر أولو الألباب! إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار. فَصَّلَ سبحانه الآيات لقوم يتذكرون، ولقوم يتفكرون، ولقوم يعقلون، ولمن يتدبرون ولا يضعون على القلوب أقفالها!

دعا سبحانه إلى العقل والتفكير والتأمل فى خلق الله، فقال عز وجل:

«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (آل عمران 190 ـ 191).

والنبى المصطفى أُرسل عليه الصلاة والسلام ليعلم الكتاب والحكمة، ويعلم الناس ما لم يكونوا يعلمون.

سبحانه وتعالى القائل فى كتابه العزيز:

«كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ» (البقرة 151).

لذلك كانت النبوة المحمدية نبوة هداية تخاطب العقل والفهم والوجدان والضمير. أرسله ربه سبحانه وتعالى بالهدى ودين الحق، وقال عز وجل:

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (التوبة 33).

وأمر سبحانه وتعالى نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام فقال له: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل 125). صدق الله العظيم

 

الدعوة والبشارة والنذير

 

تميزت نبوة رسول القرآن عليه الصلاة والسلام، بأنها نبوة هداية ورحمة، وعُرِفَ الرسول فيما عُرِفَ به بالهادى البشير، وبالرحمة المهداة. أُرسل إلى الناس جميعًا شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

وفى ذلك يقول له الله تعالى فيما تنزل من الذكر الحكيم:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا». (الأحزاب 45 ـ 47).

فى هذه الآيات الكريمة الثلاث، جمع القرآن الحكيم جوهر ولب النبوة الإسلامية وسبيلها إلى الدعوة والهداية. زبدتها هداية وإرشاد، ووسيلتها البشارة والنذير، وغايتها الدعوة إلى الله بإذنه، ينهض عليها من جعله الحق سبحانه وتعالى سراجًا منيرًا، وأمَره بأن يبشر المؤمنين بأن لهم من الله تعالى فضلًا كبيرًا.

نهض محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذه الرسالة، مزودًا من الله تعالى بوحيه ومدده وعونه، مكلفًا منه بأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد فعل. وبأن يكون للإنسانية سراجًا منيرًا، وقد كان. وبأن يبشر الذين آمنوا بما لهم من فضل كبير من الله تعالى رب العالمين، ومالك يوم الدين.

عن هذه البشارة، يقول عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام:

«وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة 25). صدق الله العظيم

زر الذهاب إلى الأعلى