المقدرة ما هي وكيف تتوافر أو تنحسر؟!
من تراب الطريق (1248)
نشر بجريدة المال الأربعاء 26/1/2022
ــ
بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
القدرة يُعَرِّفها المرحوم الدكتور شكرى محمد عياد ، بأنها « Capacity » ، ويقال عنها أحيانًا إنها الطاقة ، أو الوسع ، هذه القدرة هى قوام تحرك الآدمى فى الحياة .. وفى دوائر المجتمع الذى يعيش فيه وروابطه والعلوم الاجتماعية التى تنشأ حوله ، وميادين الاقتصاد وعواملها ، والسياسة وأحكامها وظروفها واعتباراتها ، وحين يتداخل الاقتصاد والسياسة معًا ، وهو الغالب السائد فى معظم الأحوال ، يسمى « الاقتصاد السياسى » . ولعل القارئ يتذكر أن الكلية التى أنشئت بجامعة القاهرة فى النصف الثانى من القرن الماضى ، وجمعت موادها بين الاقتصاد والقانون والسياسة , سُميت : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .
ولقياس القدرة لدى بلد من البلدان ، فإن حسابها يقوم على الناتج القومى فى القطر ، مقسومًا على عدد سكانه .
ويذكر لنا الدكتور شكرى عياد فى كتابه « نحن والغرب » ـ كتاب الهلال ـ سبتمبر 1960 ، نقلاً عن دراسة للمــؤرخ الأمريكـى « وليم بولك » فى كتابه : « السلاح المراوغ . الشرق الأوسط فى القرن العشرين » ـ أنه أجرى مقارنة فى هذا الشأن بين مصر وإسرائيل ، وأن هذه المقارنة تظهر تناقضًا لافتًا للنظر ، فالناتج القومى فى كل من مصر وإسرائيل ـ زمن صدور الكتاب فى منتصف القرن الماضى ، عبارة عن 14 ألف مليون دولار فى مصر ، 12ألف مليون دولار فى إسرائيل ، إلاّ أن متوسط ما يخص الفرد فى مصر ـ وقت أن كان عددها أربعين مليونًا وقت صدور كتاب « بولك » ـ بلغ حوالى أربعين مليون نسمة ، وبالقسمة يبين أن نصيب الفرد فى مصر لا يتجاوز 350 دولارًا , فى حين أن تعداد إسرائيل ، ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة ، آنذاك ، وبقسمة الناتج القومى على عدد السكان ، يكون نصيب الفرد فى إسرائيل 3370 دولار .
هذا كان الحال فى منتصف القرن الماضى ، وليس أمامى بيانات شافية عن الوقت الراهن .
ويضيف « بولك » أن ذلك يقابل تناقضًا جغرافيًّا مماثلاً ، فمصر تبلغ مساحتها حوالى 386 ألف ميل مربع ، لا تملك من الأرض الزراعية ـ آنذاك ـ سوى ما يقارب عشرة آلاف ميل مربع ، فى حين أن إسرائيل تبلغ مساحتها حوالى ثمانية آلاف ميل مربع ، وهى أقل بكثير جدًّا من مساحة مصر ، إلاّ أن المساحة المزروعة فى إسرائيل تبلغ ـ آنذاك ـ ثمانية آلاف ميل مربع ، تستغل نحو ستين فى المائة من هذه المساحة فى الزراعة .
ولم أقتنع بكل المبررات التى طرحت لتبرير قياس المؤرخ الأمريكى بهذه الطريقة لإجراء هذه المقارنة ، كما لم تقنعنى المعايير التى يأخذ بها سيادته لإجراء الموازنة فيما يتعلق بالقدرة .
بل إنى لا أغالى إذا قلت إن السيد المؤرخ الأمريكى مغرض , وفى أحسن الفروض غير موفق , فيما أخذ به فقياس القدرة بين مصر وإسرائيل ، فهذا القياس لا يجرى ولا يجوز أن يجرى بمتوسط دخل الفرد ، ولا بنسبة الأراضى المزروعة فى كل منهما بالقياس إلى المساحة الجغرافية الكلية لكل منهما .. يعرف كل دارس للاقتصاد وللجغرافيا الاقتصادية , أن الأراضى الخالية من الزراعة ليست صفرًا , فهى لا تعدم مصادر أخرى كثيرة للثروة موجود فى باطنها !.
دون فلسفات ، فإن القياس الواجب هنا بين دول وأمم ، لا يبنى على دخل الفرد ، ولا نسبة مساحة المزروع للمساحة الكلية .
المقارنة التى أراها أن قوة مصر تتمثل فى مساحة مقدارها 386 ألف ميل مربع ، مليئة ـ فضلاً عن الزراعة ـ بالعديد من عناصر الثروة المعدنية والحجرية ، والبترولية ، والغازية .. ومجموع هذه القدرات المصرية ، التى أعتقد جازمًا أنها أكثر من ذلك كثيرًا الآن ، تزيد زيادة هائلة عن القدرة الإسرائيلية ، والمحصورة فى « ( آلاف ميل مربع » لقاء 386 ألف ميل مربع ـ هى مساحة مصر .ـ وشتان بين الرقمين فى قياس مجمل الثروة ، ومجمل القوة . فميزان القدرة يميل ميلا هائلا لصالح مصر .
كذلك فيما يتعلق بدخل الفرد ، فالعبرة فى قياس « قدرة » الدول ؛ هى بمجمل الناتج القومى ، لا بدخل الفرد بل , إن القياس الفردى المجرد لا يعبر عن الواقع , فهذا القياس نسبى , يدخل فى تقديره قدرة الفرد من هذا المجتمع أو ذاك على التحمل والتعامل الواقعى مع دخله , فمن الأشخاص من يتحمل ولا يشكو أو يتأثر من تواضع أو قلة دخله , ومنهم من إعتاد الترف والبهرجة ولا يكفيه ما يأخذ أيًا كان ، والأهم أن قدرات الدول ، تحتسب بمجموع الناتج القومى ، ومجمل الناتج القومى لمصر أكبر بكثير من مجمل الناتج القومى لإسرائيل ، هذا رغم ما تتلقاه إسرائيل من إعانات غربية ، فضلًا عن التعويضات الألمانية التى أخذتها زمنًا ، ويتضاءل بهذه القياسات الصحيحة نصيب الداخل الإسرائيلى فى الناتج القومى .
خلاصة المقارنة التى أفهمها ، بعيدًا عن التقعر والتفلسف ، أن « مقدرة » مصر أرجح بكثير جدًّا من « مقدرة » إسرائيل !
فماذا إذا قيست « مقدرة » باقى الأقطار العربية !!
حين نفهم حاصل هذه الموازنة ، ندرك أن لا شىء على الإطلاق يجبر الأمة العربية أن تحنى هامايتها أمام السياسة الإسرامريكية ، التى تمارس ازدواج المعايير ، وتلعب بمصائر الشعوب والأوطان !
الدول تشتد وتقوى بالهمة والعزم , لا بالتخاذل أو التخذيل !