المصريون القدماء أول من وضعوا علوم القانون والقضاء..وأسسوا أول محكمة في التاريخ بنظام تقاضي منظم
تقرير:أشرف زهران
ليس بالجديد على مصر القديمة أن تكون رائدة في مجال المحاماة والقضاء فدوما كان الفراعنة رائدون ومتميزون في كافة المجالات فاشتهر المصريون منذ فجر التاريخ بتقديسهم العدالة وسجلوها على جدران معابدهم، وكانوا أول من أسسوا علوم القانون فقال عنها أفلاطون «ما من علم لدينا في القضاء والقانون إلا وقد أخذناه عن مصر»، فأسس المصريون القدماء أول محكمة في التاريخ كما وضعوا شروطا صارمة لمن يتولى منصب القضاء.
الاستقلالية
تروى كتب التاريخ أن النظام القضائى في مصر اعتمد بشكل أساسى على الاستقلالية، فكان لكل إقليم محكمته الخاصة، وتتكون المحكمة من ممثلين لساكنى المدينة، وتضم عادة رئيس عمال وكاتبًا أو كليهما، إلى جانب بعض العمال القدامى، وتقرر المحكمة التهمة الموجهة للشخص، سواء كان رجلا أو امرأة، وكانت عقوبة الإعدام تستوجب الرجوع للوزير باعتباره كبير القضاة.
ويمثل الملك رأس الدولة، فهو الذي يُسن القانون بصفته وريث الإله الخالق، يواصل ما بدأه الأب، ومن لا يمثل لهذه القواعد يعد متمردًا ثائرًا، فالحكم بين الناس من اختصاصات الملك، لكن مع ظهور مبدأ تفويض السلطة نظرا لجسامة المهام الملقاة على عاتق الملك، أنشأ الملك بعض الوظائف بهدف دراسة القانون وتطبيقه، فكان الوزير بعد الملك قاضى القضاة، يعاونه جهاز إدارى شامل.
وبحسب المؤرخين، فإن مصر عرفت في عهد الأسرة الخامسة ست محاكم كان يطلق عليها «المساكن المبجلة»، وكان المشرف على العمل فيها وزيرا، أما جهاز صغار الموظفين فكان يضم أمناء السر وكتاب المحكمة والمحضرين، وكانت أسماء الوظائف «أمين سر» الكلمات السرية في المسكن المبجل»، و»أمين سر الأحكام القضائية».
سمات القضاء الفرعوني
تميز القضاء الفرعونى بعدة سمات أبرزها المجانية، حيث كانت توفره الدولة دون مقابل، وكذا عدم الطبقية، فكان جميع المصريين أمام القانون سواء، وكان الملك هو صاحب السلطة القضائية العليا، لذا كانت الأحكام تصدر باسمه، وقد ساوى قدماء المصريين قانونيًا بين جميع الطبقات الاجتماعية، من الرجال والنساء إلا العبيد، حيث كان لأقل الفلاحين التقدم بالتماس إلى الوزير وحاشيته طلبًا للعدل، كما جعل لكل من الرجال والنساء الحق في امتلاك وبيع الممتلكات، وتنظيم العقود، والحق في الزواج والطلاق، بالإضافة للحق في الميراث وإنشاء محاكم للفض بين المنازعات القانونية.
المرافعات الكتابية والمحاماة
لم يعرف القضاء الفرعونى مبدأ المرافعات الشفوية، لذا كانت جميع إجراءات التقاضى يتم إنجازها كتابة، أيضا لم يكن هناك نظام المحاماة، وكان كل خصم يتولى الدفاع عن نفسه.
أقدم محكمة
أشار المؤرخون إلى أن بقايا أقدم محكمة في التاريخ تقع في منطقة «الهمامية» التابعة لمركز البدارى أقصى جنوب أسيوط، وأرجع المؤرخ المصرى نجيب قنواتى تاريخ إنشائها إلى النصف الأول من عصر الأسرة الخامسة الفرعونية، بينما يقول المؤرخ فلندرز بترى، إنها بنيت في عصر ثانى ملوك الأسرة الرابعة الملك خوفو.
أنواع المحاكم
أولها محاكم الإقليم، وهى بمثابة محكمة أول درجة، حيث كانت أحكامها قابلة للاستئناف، وتتكون من قضاة معظمهم من الكهنة خريجى مدارس تختص بالتشريع، بالإضافة إلى بعض الأعيان الذين لديهم معلومات دينية، وهؤلاء القضاة كانت تصرف لهم مرتبات ثابته من خزينة الملك، وتختص تلك المحاكم في الفصل في المنازعات جنائية كانت أو مدنية. ولتلك محكمة إدارة لحفظ الأحكام والقوانين، وإدارة أخرى لقلم الكتاب يشرف عليهم رئيس المحكمة، وأحكامها غير نهائية، وكانت جميع الإجراءات التي تتخذ أمام تلك المحكمة كتابية.
المحكمة العليا
المقصود بها محكمة الاستئناف، وكان مقرها العاصمة، وتتكون من عدد من القضاة، وكانت الأحكام تصدر باسم الملك، وأطلق عليها فيما بعد محكمة الستة.
المحكمة الإدارية
وتختص بفض المنازعات الإدارية وقضاتها من كبار الموظفين، ويرأسها حاكم الإقليم، وكان للملك سلطة تعيين القضاة، وهو المرجع الأخير لهم، ولكنهم كانوا يقسمون بعدم طاعته إلا فيما يطابق العدل، ومن حقهم أن يخالفوه فيما دون ذلك، فكان للقضاة منزلة عظيمة لدى عوام المصريين تصل لحد التقديس.
التقاضى المصرى عرف أيضا نظام النيابات، فكان هناك ما يشبه النيابة العامة الآن، مهمتها أن تحقق في الجرائم التي تقع، وكانت تجمع في يدها سلطة التحقيق والاتهام.
المحاكم العسكرية
كتب التاريخ سجلت أن مصر الفرعونية عرفت المحاكم العسكرية، والتي كانت تختص بمحاكمة العسكريين المشتغلين في خدمة الجيش سواء أكان النزاع متعلقا بأمور الجيش أم متعلقا بحياتهم الشخصية، وكذلك إذا كان طرفا النزاع عسكريين أو عسكري ومدني، مثلما روت أوراق البردى أن محكمة عسكرية نظرت في نزاع بين رجل عسكري وآخر مدنى حول ملكية منزل.
وعلى الرغم من أن العنصر الغالب في تشكيل تلك المحكمة من العسكريين إلا أن المحكمة قضت لصالح المدنيين في كثير من القضايا، الأمر الذي يعكس بوضوح تام عدم التحيز ومدى تقديس الفراعنة لقيمة العدالة.
محكمة الآخرة
امتدت فكرة المحكمة عند الفراعنة من الدنيا لتشمل محكمة الآخرة، التي تخيلها القدماء المصريون على هيئة قاعة محاكمة تسمى باسم قاعة التحقيق، ويوجد بها «أوزوريس» جالسًا على العرش، وخلفه شقيقتاه إيزيس ونفيتس و14 نائبًا، وفى وسط القاعة يوجد ميزان كبير وبجانبه وحش لحمايته، كما يوجد في القاعة أيضًا الإلهان تحوت وأنوبيس، وباقى الآلهة، وفيها يدافع الميت عن نفسه 36 مرة لأنه يخشى ألا يصدقوه فيعيد إقراره الدال على براءته متوجهًا نحو الـ 42 إلها، ثم يوضع قلبه في كفة الميزان، وفى الكفة الأخرى تمثال صغير للإلهة ماعت، وإذا ثبت أن هذا الرجل بريىء كان له الحق في الحياة والسعادة في العالم الآخر، أما إذا كان مخطئًا فإنه يدمر بواسطة الملتهمة، وهو وحش خرافى مزيج من التمساح وأسد وفرس البحر.
ومع عصور الاضمحلال وتحويل الأقاليم إلى إمارات، أصبح «الأمير» هو الذي يمثل الإقليم، ويدير الأحكام باسمه وليس باسم الملك، وتحولت إجراءات التقاضى إلى ممارسات كهنوتية داخل المعابد، يباشرها الأمراء.