المشكلات العملية في اتفاق التحكيم (2)

بقلم الدكتور/ وليد محمد وهبه

المطلب الثانى
أثر بطلان شرط التحكيم على العقد
وقد يثور التساؤل عن أثر بطلان شرط التحكيم على العقد الأصلي الذي أورده قد يفسر عدم تعرض التشريع لبيان هذه الحالة، على خلاف تعرضه لحالة بطلان العقد وعدم تأثير ذلك على شرط التحكيم الذي أورده، بما يعنى إمكان تأثر العقد ببطلان شرط التحكيم الذي اشتمل عليه هذا العقد.
إلا أن ما ينفى هذا التفسير تعرض المشرع في صدر نص المادة 23 إلى التصريح باستقلال لشرط التحكيم واعتباره اتفاقاً مستقلا عن بقية شروط العقد.هو ما يرتب أيضاً عدم تأثر العقد الأصلي بأي عيب يلحق بشرط التحكيم الوارد في هذا العقد.فبطلان شرط التحكيم يعنى أن اتفاق مستقل عن العقد الأصلي قد أبطل، فيبقى هذا العقد قائماً، طالما لم يلحقه عيب.
وقد أقرت مبدأ استقلال شرط التحكيم- لوائح هيئات التحكيم الدائمة، مثل القواعد التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي، التي تقضى المادة القواعد سيعامل باعتباره اتفاق مستقل عن شروط العقد الأخرى. ويجرى المحكمين في حل منازعات التجارة الدولية على إقرار مبدأ استقلال شرط التحكيم ، وتأكيد اختصاص المحكم بتحديد اختصاصه .
ونعرض على سبيل المثال لقضية تناولت هذا الأمر وعرضت للحل بالتحكيم في إطار غرفة التجارة الدولية تتعلق بعقد بين شركة ايطالية وشركة سويسرية تمسكت الشركة الإيطالية المدعى عليها بعدم اختصاص هيئة التحكيم التي انعقدت في زيورخ، واستندت في ذلك إلى سببين أساسين.
السبب الأول:بطلان العقد المبرم بين الشركتين مما يستتبع بطلان شرط التحكيم الذي يشتمل عليه هذا العقد، مما يفقد ادعاء الشركة السويسرية الأساس الذي تستند إليه في ادعائها .
السبب الثاني:إن اختصاص المحكمين يتعارض مع الاختصاص المقصور la competence exclusive على المحاكم الإيطالية، مما يفقد حكم التحكيم قيمته التنفيذية فيما لو صدر.
إلا أن هيئة التحكيم رفضت الدفع بعدم اختصاصها. واستندت في ذلك إلى الفقرة الرابعة من المادة الثامنة من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية، التي تقرر أن بطلان العقد أو انعدامه لا ينفى اختصاص المحكم إذا ارتأى صحة اتفاق التحكيم – طالما لم يوجد اتفاق على غير ذلك .
وقررت أنه حتى في حالة انعدام العقد أو بطلانه، فإن نظام الغرفة يقرر أن المحكم يظل مختصاً لتحديد حقوق كلا الطرفين، وللفصل في ادعاءاتهما وطلباتهما. كما رفضت هيئة التحكيم ما تدعيه الشركة الايطالية من أن قانون الدولة المحتمل تنفيذ حكم التحكيم فيها يمكن أن يؤثر بحال من الأحوال على اختصاصها.
وهو نفس ما قضت به هيئة التحكيم التى انعقدت في باريس في إطار غرفة التجارة الدولية، في نزاع بشأن عقد بين فرنسيين وشركة فرنسية ادعت بطلان اتفاق التحكيم نتيجة لبطلان عقد العمل الذي تضمن شروط التحكيم .
ولم تتعرض المعاهدات الدولية صراحة لمبدأ استقلال شروط التحكيم، وإن كان البعض منها قد فتح الباب لإمكانية الأخذ بالمبدأ ، مثل اتفاقية جنيف الأوربية للتحكيم التجاري الدولى لسنة 1961، واتفاقية واشنطن لسنة 1965 .
فاتفاقية جنيف وفقا للفقرة الثالثة من المادة الخامسة منها تعهد للمحكم بسلطة تحديد اختصاصه، ووجود أو صحة اتفاق التحكيم، أو العقد الذي يعتبر اتفاق التحكيم جزءا منه. واتفاقية واشنطن أيضاً، تنص الفقرة الأولى من المادة 41 منها على أن ” هيئة التحكيم هي التي تحدد اختصاصاتها” أي أن كلا الاتفاقيتين تأخذ بمبدأ الاختصاص بالاختصاص ويقصد بهذا المبدأ أن المحكم يختص بتحديد اختصاصه فهو الذي يقرر ما إذا كان هناك اتفاق التحكيم أم لا فهو لن يختص إلا بناء على وجود اتفاق تحكيم صحيح . وإذا كان البعض يرى عدم ارتباط مبدأ الاختصاص بالاختصاص ومبدأ استقلال شرط التحكيم.
إلا أن الواقع أن المحكم لن يقرر بحال من الأحوال عدم صحة شرط التحكيم كنتيجة لعيب لحق بالاتفاق الأصلي الذي أورد الشرط . فتقرير مبدأ الاختصاص بالاختصاص يعنى ترك تقدير مدى الأخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم للمحكم، ولا شك أنه سيكون أكثر ميلا للأخذ بمبدأ الاستقلال مما يستتبع اختصاصه بالفصل في النزاع .ولقد نص المشرع المصري على الأخذ بمبدأ الاختصاص بالاختصاص في الفقرة الأولى من المادة 22 من التشريع .
ولم تتعرض اتفاقية نيويورك لسنة 1958 لمبدأ استقلال شرط التحكيم. وكان البعض قد حاول تقرير الأخذ بالمبدأ في مصر قبل صدور قانون التحكيم الحالي على أساس انطباق القواعد التي أوردتها اتفاقية نيويورك لعام 1958 في ” مجال تقنين مبدأ الاستقلالية ونتائجه في شأن التحكميات المتصلة بمعاملات دولية” وذلك لانضمام مصر لهذه المعاهدة.
والحقيقة أن اتفاقية نيويورك لم تتعرض لمبدأ الاستقلال فى شرط اتفاق التحكيم، ويرجع هذا إلى أنها معاهدة ” للاعتراف بأحكام التحكم الأجنبية وتنفيذها “.وإذا كانت قد تعرضت في مادتها الثانية لاتفاق التحكيم، وإلزام الدول الأعضاء بالاعتراف به، ومنع محاكمها من نظر المنازعات التي اتفق الأطراف على حلها بالتحكيم، فإنها لم تشر أي إشارة إلى أن ذلك يمكن أن يتحقق في حالة بطلان الاتفاق الأصلي فيما بين الأطراف.
وهو ما عاد هذا الرأي للإقرار به بالقول ” بأن المادة 2 من اتفاقية نيويورك وإن لم تكن قد عرضت صراحة لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم، ومختلف نتائجه القانونية إلا أنها قد أعطته قوة لم تكن له من قبل”.
مما يدل على أن الدافع إلى الادعاء بنص الاتفاقية على المبدأ ينبع من الرغبة في التمسك بتطبيقه في مصر، وهو الأمر الذي لم يعد في حاجة إلى تبرير قانوني بعد نص المشرع صراحة عليه في المادة 23 من قانون التحكيم المصري التي سبق ذكرها. ويذهب البعض إلى اعتبار أن مبدأ استقلال شرط التحكيم من القواعد الموضوعية للقانون الدولي .

زر الذهاب إلى الأعلى