المشروع العربي.. أين؟!
نشر بجريدة الأهرام الاثنين 6/7/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
لا يختلف أحد من الخبراء والعارفين، على أن العالم العربي محاصر بمشروع إسرائيلي وآخر تركي وثالث إيراني فضلاً عن المشروع الأمريكي، ولا أن المشروع العربي غائم أو غائب تمامًا، ولا أن الوضع القائم يمثل خطرًا حالاً وآخر قادمًا بأعرض على الوطن العربي، يستهدف بلقنته وتفتيته وإجهاضه وتعقيمه.
ولا أحسب أن هناك فقرًا ـمصريًّا أو عربيًّا في تحليل الخطر وظواهره وأدلته، وفي تحليل عناصره حتى الذين لا يميلون إلى نظرية المؤامرة أو التفسير التآمري للتاريخ بل ويرون كالدكتور مصطفى الفقي، أن التسليم بذلك على إطلاقه «جريمة فكرية»، فإنهم يسلمون بأن «المؤامرة» موجودة في المسار الإنساني منذ بدايته، ولم يستطيعوا إنكار احتمال وجود المؤامرة في الواقع الجاري، وأن التفسير الحقيقي للتاريخ يقوم على التسليم بوجود المؤامرة أحيانًا، وتجاهل ذلك «جريمة فكرية» أيضًا.
على أن معظم الخبراء، وهم كثرٌ في مصر وفي العالم العربي، يؤكدون أن هناك الآن مؤامرة كبرى تتلاقى مخططاتها الدائرة ما بين تركيا واسرائيل وإيران والولايات المتحدة، على استهداف العالم العربي بعامة، وأن مصر باعتبارها قاطرة العالم العربي في «دائرة الخطر» كما قال الدكتور محمد السعيد إدريس في مقاله الضافي بأهرام 23 يونيو الجاري، والأستاذ أشرف العشري في نفس العدد عن مغامرات تركيا وأثيوبيا ورسائل الرئيس الحاسمة، فضلاً عما كان قد أبداه الأستاذ القدير عمرو موسى من أن تركيا هي الأكثر خطرًا الآن مع التسليم بتعدد مصادر الخطر.
وصحيح ما أستدل به الدكتور إدريس من تسريبات جارية من دوائر معاوية تكشف التربص بالدور المصري، باعتبار مصر هي «التفاحة الكبرى» المطلوب إسقاطها في غمرة إسقاط أو تساقط العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى، وأن معظم هذه التسريبات أمريكية / إسرائيلية، تؤكد أن الغرور الإسرائيلي لم يتوقف قط رغم اتفاقات السلام عن اعتبار مصر هي «العدو التاريخي»، وأن تصاعد القوة المصرية وتطور قدرات قواتها المسلحة، يثير قلقها وقلق المتربصين لمصادرة الدور المصري، وهو ما تؤكده سوابق التاريخ، وأقربها الإجماع على مصادرة القوة المصرية وإجهاض مشروعها إبان حكم محمد على باشا الكبير.
ففضلاً عن أوهام ومطامع إسرائيل، هناك أحلام الرئيس التركي في إحياء عهد «الخلافة العثمانية»، وامتداد أطماعه بعد سوريا إلى قطر ثم ليبيا، والتناغم اللافت بين كل من إسرائيل وتركيا في دعم أثيوبيا في سد النهضة الذى يهدد -مع غيبة الضوابط- حياة مصر والمصريين، وهناك المشروع الإيراني الذي يستهدف بسط الشيعية الفارسية ويهدد المصالح العربية في الخليج العربي، ويتداخل بقوة في كل من سوريا ولبنان، ولا يكف عن محاولة الانتشار في غيرها.
ولا أحسب أن هناك ما يمكن إضافته إلى التحليلات الجارية من الخبراء في رصد المشروعات الإسرائيلية والأمريكية والتركية والإيرانية، وفى استكناه ما يجرى وأدلته.
ولا أحسب أيضًا أننا بحاجة إلى تأكيد الدور المصري أو استكشاف عناصره أو وسائله أو الحض على الاصطفاف المصري ففيما عدا التأكيد والتحفيز، فإن مصر واعية لما يجري، قائمة بالفعل بدورها، وتتحرك في أدائه بوعي وعمق استراتيجي، وتتخذ الواجب من الإجراءات بميزان دقيق، سواء في إنماء اقتصادها، أو تسليح جيشها ورفع كفاءته القتالية، أم مواجهة الموقف الأثيوبي في سد النهضة بما يقتضيه، وليس آخره اللجوء إلى مجلس الأمن للقيام بدوره في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وهى رسالة لها معناها ومحسوبة بعناية، وما خلا ذلك لا يمكن أن يناقش إلاَّ بالغرف المغلقة في شأن أعمال السيادة واستراتيجيتها.
أما ليبيا، فقد كان انتقال رئيس مصر إلى المنطقة الغربية واستعراضه هناك جاهزية القوات المسلحة، وما أطلقه من تحذيرات رافضة لأي مغامرة تمس الأمن القومي المصري والعربي، قد وضَعَ نقاطًا فوق الحروف، ووجه رسالة قوية صدرت القلق إلى القيادة التركية لتعي ما تفعله وما سوف تلقاه!
أعود فأقول، وهذا هو هدف هذا المقال، إن ما نأمله من خبرائنا -وهم كُثر في الاستراتيجية والدبلوماسية والفكر والسياسة- أن يشفعوا تحليلاتهم بتقديم الحلول، والحل الغائب هو كيف يمكن إيقاظ الوعي العربي وبعث وإحياء مشروع عربي يواجه المشاريع الأربعة المعادية التي تحاصر العالم العربي، وظني أن هذه هي في مقدمة المهام التي يجب أن تتوجه إليها العقول وخبرات الأكفاء، كيف يمكن إعادة من خرج أو خرجوا واتجهوا إلى التطبيع أو المسايرة أو اللياذ بالصمت، إعادتهم إلى التبصر والانضمام إلى الركب العربي، وما الذي على هذا الركب أن يفعله تحقيقًا لمشروع عربي متوحد ومدروس يواجه هذه الأخطار الشديدة المحدقة، فالجالس اليوم على مقاعد المشاهدة والفرجة، سيكون عما قريب في حومة المشهد على خشبة المسرح.
أيًّا كانت عناصر القومية، وهي متوافرة وغنية بلا افتعال، فإن المؤكد بيقين أن «وحدة المصير» وهي واضحة جلية، تستوجب بذل قصارى ما في الوسع لصد هذا الخطر الداهم الذي سيصيب الجميع!
ليس من الحكمة، ولا هو من الصواب، أن نواجه الخطر فرادى، فإذا لم تجمعنا الوحدة القومية، فلا بد أن يجمعنا الخطر المشترك، لا عذر لأحد في التقاعس اليوم عن التلاقي لوضع «مشروع عربي» محدد وفاعل لمواجهة وصد المخططات التي تستهدف تعقيم العرب وبلقنة الأقطار العربية سياسيًا واجتماعيًا طائفيًا ومذهبيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
ما هو متاح الآن اختيارًا وتخطيطًا؛ سوف يكون غدًا ضرورة عصية على الاختيار والترتيب!