المسكوت عنه في جرائم القتل العمد
كتب: الروبي جمعه محمود المحامي بالنقض
مخرج المكتوم والمستور من مكنون الصدور، إلى منظوم السطور، فتكون عزيمة ضد المدارة، وطريقٱ ممهدٱ للقضاة فيكون حكمهم في نصابة الصحيح، فقال تعالي:” وإذ قتلتم نفسٱ فدرأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون”، “72 سورة البقرة”، وليس هنا من طريق أنفع من العلم لحسم التنازع والاختلاف والاهتداء إلى طريق الفلاح والصلاح .
ولما كانت المعرفة الإنسانية متجددة كتجدد الليل والنهار،لا تحدها الأفكار العتيقة ولا تصدها الأسوار ولا تمنعها السدود، فكم من نظريات ولدت علي أمل التأبيد فزالت وحلت محلها أخرى دال عليها ما دال علي سابقتها من سنن التبديل والتغيير، وكان لزامًا علينا ونحن نلامس تخوم الواقع القضائي والفقهي، أن نكتب تصورنا عم نراه أليق بالعدالة واقرب للإنصاف،
ربما يكون هذا الكتاب نواة لمكتبة لا أزعم إنني أول من وضع لبنة فيها فقد سبقني إلى ذلك كثر ممن أسهموا في صياغة واقعنا القضائي، وأسهموا في تفعيل مكتسبات العلم الحديث في النظريات النفسانية عن جريمة القتل العمد، وما استحدث من أدوات ووسائل شكلت منظومة علم النفس الجنائي المعاصر.
ومما لا ريب فيه أننا نحتاج إلى تفعيل العملي منها في منظومتنا القضائية التي يخشي عليها من الجمود الملجئ لتكريس القديم و الاحتفاء بالموروث مهما كان الموروث مهم طالما انه لا يقدم حلولا منصفة لواقع الجريمة الذي لا ينفك يتطور بسرعة مذهلة متأثرًا بالجديد شأنه شأن أية ظاهرة اجتماعية.
كما لا يخشي علي البحث الجامعي في كليات الحقوق من شيء أبلغ ممن نخشى منه علي القضاء؛ فالجمود رزيلة تزينها العادة المطردة التي ترفض التغيير ولو كان إلى الأفضل وتمقت التحديث ولو كان ضروري.
ربما أدى هذا ومعه أسباب أخريات إلى الاضطراب الذي يسود المشهد العام القضائي والفقهي في جرائم القتل العمد، وهو ما أسس بدوره إلى الحيرة بشأن الجرائم التي تدخل في توصيف الطفرات الشاذة التي أشبعت ساحات المحاكم وصفحات الحوادث بضجيجها المزعج ووقعها المؤلم الذي اقض مضجع الضمائر المتيقظة و القلوب الواعية وأعياها في سبيل فهم هذه النوعية الغريبة من جرائم القتل العمد.
فضلا عن إعادة تصنيفها وضبطها من خلال دراسة إحصائية واعية توصلا إلى طرق معالجتها والوقوف علي العوامل التي تؤدي إلى توافر ظروفها وتوالي ضرباتها، وهذا يصب بدوره في وقاية السلم داخل النظام الاجتماعي باعتباره الغاية السامية التي ما وضعت التشريعات ولا كتبت المؤلفات، ولا بنيت المحاكم إلا لتحقيقها.
إذا هي دعوة إلى مراجعة ما لدينا من فكر مسيطر و صياغة واقع جديد يمكن المجتمع من تنقية أدرانه ليس من خلال سياسة عقابية عقيمة تعتمد العقاب رغم تفاوت الطفرات وتنوعها و تشابكها مع الواقع المعقد أصلا، ولكن هل نجد آذانًا صاغية، أم سنظل نرتع في وهاد الحروف الهاوية والمباني المتهاوية فلا يعمر لنا بنيان ولا يستقر لنا نظام ولا نفلت من وهج وهجير الأوهام، هذا طريقنا الذي نتحسس فيه الخطي نحو بناء حائط قوي، وسياج منيع تتراجع أمامه السخائم والفواجع التي لا تنفك تطالعنا بين الفينة والأخرى