المحامي تحت التمرين.. الدوائر الحاضنة

المحامي تحت التمرين.. الدوائر الحاضنة

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

في مقاله المنشور بجريدة الوطن يوم الجمعة الموافق السابع من أغسطس 2020م، يقول الأستاذ رجائي عطية، نقيب المحامين: لا يخطئ المتأمل في حياتنا الثقافية والفكرية والأدبية والفنية، وفي حياتنا بعامـة، أنه قد تآكلت واختفت الدوائر «الحاضنة» التي كانت تتلقى وتشمل بالرعاية البراعم الجديدة، أو تتبادل الاهتمام والدعم فيما بين المستويات المتوازية أو المتقاربة حتى إن كانت متنافسة، فلماذا أجدبت الساحة بعامة من هذه الدوائر الحاضنة، ومنها النقد الأدبي الذي كان دوره هو الداعم الفاعل للمواهب الجديدة، والجالب لالتفات واهتمام الناس، وتخصيب وتلقيح أفكار ورؤية الجدد، وتمكين أقدامهم من الرسوخ في الأرض.. أين ذهب الدور الذي كانت تؤديه الجمعيات والجماعات الأدبية والفنية بل والأحزاب السياسية، التي وإن بقيت اسماً، إلاّ أن بوصلتها ومعها دورها قد تاها في الصراعات على الإقطاعيات والمراكز والألقاب والتفاهات.. أين ولت الحميمية التي كانت تحفظ جسـوراً بين الكتاب والأدباء والفنانين، ومهما بدا على الساحة من تعارك أو نزال ومقارعات.. هذا الجو الدافئ هو الذي كفل بقاء واستمرار الدور الفاعل لقمم الزمان الفائت، وهو الذي استقبل تباعاً الأجيال المتتابعة ورعاها وخصبها ومكن لها حتى ضربت بجذورها في الأرض، وارتفعت أفنانها إلى السماء.

ورغم أن هذه العبارات المنسوبة إلى نقيب المحامين قد وردت في مقال بعنوان «بين محفوظ والسباعي»، وتتعلق بموقف حدث بين كل من الأديب الراحل «نجيب محفوظ» والأديب الراحل الكبير «يوسف السباعي»، ويتحدث فيها – كما هو واضح – عن المناخ الثقافي وتواصل الأجيال وبعض صور الإيثار بين الأدباء في النصف الثاني من القرن الماضي، مقارناً بين هذا المناخ وبين البيئة الثقافية الحالية حيث اختفت الحميمية والجو الدافئ واندثرت الدوائر الحاضنة، فإن المعنى ذاته يصدق أيضاً على كافة المجالات والوظائف والمهن في بر مصر المحروسة، ويصدق بوجه خاص على مهنة المحامين، حيث قد يجد المحامي تحت التمرين صعوبة كبيرة في العثور على البيئة المناسبة لاكتساب الخبرات من الأجيال السابقة من كبار المحامين.

وبالاطلاع على النصوص المنظمة للقيد بجداول المحامين تحت التمرين، والتي ورد النص عليها في الفصل الثالث من الباب الأول من قانون المحاماة المصري الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983م، نجد أنها تتضمن بعض آليات التأهيل والتدريب أو «الدوائر الحاضنة» للمحامين تحت التمرين، وهذه الآليات أو الدوائر الحاضنة تتمثل في إلحاق المحامي بأحد مكاتب المحاماة وتنظيم محاضرات للمحامين تحت التدريب.

إلحاق المحامي تحت التمرين بأحد مكاتب المحاماة: وفقاً للمادة الثانية والعشرين الفقرة الأولى من قانون المحاماة المصري، يجعل المشرع من اللازم أن «يلحق المحامي تحت التمرين بمكتب أحد المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف أو محكمة النقض أو للعمل بإحدى الإدارات القانونية في الجهات المرخص لها بذلك طبقاً لأحكام هذا القانون تحت إشراف أحد المحامين المقبولين أمام تلك المحاكم من العاملين بالإدارة القانونية لهذه الجهات.

وإذا تعذر على المحامي تحت التمرين أن يجد مكتب للتمرين فيه يتولى مجلس النقابة الفرعية إلحاقه بأحد مكاتب المحامين، وهكذا، يقرر المشرع التزاماً على عاتق مجلس النقابة الفرعية بأن يلحق المحامي تحت التمرين بأحد مكاتب المحامين، وذلك في الحالة التي يتعذر فيها على المحامي نفسه أن يجد مكتباً للتمرين فيه.

وحتى يتسنى إيجاد مكتب لكل محامي تحت التمرين، توجب المادة التاسعة والعشرون الفقرة الأولى من القانون «على كل محام من المقبولين أمام محكمة النقض أو من المقبولين أمام محاكم الاستئناف ممن مضى على قيده بجدولها خمس سنوات على الأقل أن يلحق بمكتبه محامياً تحت التمرين على الأقل».

ومع ذلك، فإن الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين تنص على أن «يجوز لمجلس النقابة الفرعية بناء على طلب المحامي المقبول أمام النقض ومحاكم الاستئناف أن يقرر اعفاءه من قبول أي محام للتمرين بمكتبه إذا رأى من ظروفه ما يبرر ذلك».

وفيما يتعلق بالمقابل المادي الذي يتقاضاه المحامي تحت التمرين، وطبقاً للشطر الثاني من فقرة الأولى من المادة التاسعة والعشرين من القانون، «يقرر له (أي للمحامي تحت التمرين) في السنة الأولى مكافأة لا تقل عن ثلاثين جنيهاً شهرياً وفي السنة الثانية مكافأة لا تقل عن خمسين جنيهاً شهرياً». والواقع أن مقدار المكافأة المنصوص عليه في هذه المادة كان يبدو معقولاً ومقبولاً عند صدور قانون المحاماة لأول مرة في العام 1983م، ولكن إزاء انخفاض قيمة المبلغ المحدد بفعل التضخم، فإن الدعوة واجبة لزيادة مقدار المكافأة في أقرب تعديل تشريعي قادم.

تنظيم محاضرات للمحامين تحت التمرين: طبقاً للمادة الثامنة والعشرين من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسنة 1983م، «تنظم النقابات الفرعية للمحامين في بداية كل سنة قضائية ولمدة ستة شهور محاضرات للمحامين تحت التمرين تتناول الجانب التطبيقي لأعمال المحاماة وذلك طبقاً للمنهج الذي يحدده مجلس النقابة ويدعى لإلقاء المحاضرات قدامى المحامين ورجال القضاء وأساتذة القانون وخبراؤه المتخصصون. وعلى مجلس النقابة أن ينشئ معهداً لتدريب المحامين تحت التمرين».

ولمساعدة النقابة الفرعية على الاضطلاع بهذا الدور، تنص المادة الستون من قانون المحاماة، معدلة بالقانون رقم 197 لسنة 2008م، على أن «يشترط أن يتضمن عقد أو نظام تأسيس أي شركة من الشركات التي يشترط القانون أن يكون لها مراقب حسابات، تعيين مستشار قانوني من المحامين المقبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف على الأقل. ولا يجوز قيد هذه الشركات في السجل التجاري أو تجديد قيدها قبل التحقق من استيفاء ذلك عن طريق إيداع صورة من التوكيل الصادر للمحامي من ممثلها القانوني معتمداً من نقابة المحامين الفرعية التي يتبعها المحامي. ويجب على المحامي خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ التوكيل إيداع صورة منه بالنقابة العامة أو النقابة الفرعية وسداد مبلغ خمسين جنيهاً مصرياً سنوياً عن كل وكالة من هذه الشركات لصالح صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية تخصص لدعم المحامين الشبان وتدريبهم ورعايتهم، ويسري على هذا المبلغ أحكام الاشتراك المنصوص عليها في المادتين (169) و(170) من هذا القانون، ولا يجوز الإعفاء منه، ويسرى هذا الحكم على الشركات المذكورة القائمة عند العمل بأحكام هذا القانون وذلك عند تجديد قيدها بالسجل التجاري».

إنشاء أكاديمية المحاماة والدراسات القانونية: بموجب القانون رقم 147 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983م، تم إضافة باب جديد إلى قانون المحاماة، وهو الباب السابع، ويحمل عنوان «أكاديمية المحاماة والدراسات القانونية».

ووفقاً للمادة (230) مستحدثة من القانون، «تُنشأ أكاديمية تسمى (أكاديمية المحاماة والدراسات القانونية)، تتبع نقابة المحامين، وتكون لها شخصية اعتبارية وتتمتع بالاستقلال الفني والإداري والمالي، وتتولى تطوير الدراسات المتعلقة بمهنة المحاماة، وتدريب المحامين والارتقاء بمهاراتهم ومنحهم شهادات مهنية. ومع عدم الإخلال بحكم المادة (13) من هذا القانون، لا يجوز القيد بالجدول العام لأول مرة إلا بعد اجتياز الدراسة بهذه الأكاديمية وحصول طالب القيد على شهادة إتمام الدراسة بها، على أن تبدأ الدراسة اعتباراً من يناير 2021».

ورغم أن المادة سالفة الذكر تقرر صراحة عدم جواز القيد بالجدول العام لأول مرة إلا بعد اجتياز الدراسة بالأكاديمية وحصول طالب القيد على شهادة إتمام الدراسة بها، فإن المشرع قد كرر النص على ذات الحكم في المادة الثالثة عشرة مكرراً الفقرة الأولى، مضافة بموجب القانون رقم 147 لسنة 2019م، بنصها على أن «لا يجوز القيد في نقابة المحامين إلا بعد الحصول على الشهادة المنصوص عليها بالمادة (230) من هذا القانون، واجتياز اختبار تحريري تضعه على مستوى قومي لجنة يشكلها مجلس النقابة العامة لهذا الغرض، على أن تضم في عضويتها عناصر لها الخبرة الكافية، ويجب أن يشترك في وضع الاختبار كبار رجال المحاماة والقضاة وأساتذة القانون، على أن يتم إجراؤه خارج مقر النقابة مرتين سنوياً، بما يكفل تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وذلك كله وفقاً للقواعد التي يضعها مجلس النقابة العامة». و

تجدر الإشارة إلى أن تطبيق هذا الاختبار يبدأ اعتباراً من مطلع يناير عام 2021م، ويُعفى من أداء الاختبار المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة كل من شغل وظيفة أستاذ في القانون بإحدى الجامعات المصرية، أو درجة مستشار بإحدى الجهات أو الهيئات القضائية، أو رتبة عقيد في القضاء العسكري أو في جهاز الشرطة (الفقرتان الثانية والثالثة من المادة الثالثة عشرة مكرراً من قانون المحاماة، مضافة بالقانون رقم 147 لسنة 2019م).

يبقى أخيراً اقتراح بأن يكون لدى كل نقابة فرعية إحصائية أو سجلاً يبين عدد المحامين تحت التمرين في كل مكتب محاماة، وأن تقوم كل نقابة فرعية بعمل استبيان للمحامين تحت التمرين يتم فيه استجلاء رأيهم بشأن الصعوبات التي قد يجدها المحامي تحت التمرين، وما هي اقتراحاتهم وتصوراتهم بشأن آليات عملهم وبحيث يتسنى إشراكهم في إعداد المنهجية الأمثل لإعدادهم وتطوير أدائهم. كذلك، نرى من الملائم تكريم مكاتب المحاماة الأكثر أداء لمسؤولياتها المجتمعية تجاه المحامين تحت التمرين، وبحيث يتم هذا التكريم بشكل سنوي، ويكون رأي المحامين تحت التمرين أنفسهم أحد العناصر التي يتم الاعتماد عليها في تحديد مكاتب المحاماة المشمولة بالتكريم، والله من وراء القصد.

زر الذهاب إلى الأعلى