المحامى الأشهر إبراهيم الهلباوي (10)

نشر بجريدة الأهرام الاثنين 11/10/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية

ما سوف نراه فى مرافعة الأستاذ إبراهيم الهلباوى , ليس مجرد دفاع عن متهم , بل كان محاكمة لنظام بأكمله .. لم يكن الهلباوى يدافع فقط عن « حفنى محمود » أو عن « جريدة السياسية » لسان حال حزب الأحرار الدستوريين , وإنما كانت مرافعته التى امتدت أيامًا محاكمة لنظام اسماعيل صدقى ومن معه ومن تبعه !
وقف الهلباوى مناديًا فى القاعة المقدسة ؛ بأنهم وقد تخلصوا من دستور سنة 1930 , فإنه يجب أن يُعاد للبلاد دستورها .. دستور 1923 .
كان الإنجليز يزعمون فى أحداث عام 1919 , أن أولاد الذوات هم فقط الغاضبون . بيد أن الحقيقة أن الأمة بجميع طبقاتها وفئاتها كانت هى الثائرة . تساءلوا ماذا فعل عمال العنابر الذى يتقاضى الواحد منهم أجرًا ثلاثة قروش ؟
والجواب أن هذه الطبقة ــ عمال العنابر ــ فعلت فى ثورة 1919 ما لم تفعله أى طبقة أخرى من طبقات الأمة . هؤلاء الذين قُتلوا بالرصاص , لم يكونوا واحدًا أو اثنين , بل كانوا بالعشرات والمئات .
ويستشهد الهلباوى بما سمعه من الدكتور على باشا إبراهيم , من أنه ورد إليه جثث وجرحى فوق الأربعمائة قتيل فى معركة العنابر !
وعن قضية الخطابات المزورة , وقف الهلباوى شامخًا يقول إن تسعين بالمائة من القضايا التى ترافع فيها فى السنوات الأربع الأخيرة , كانت نابعة من بلايا نظام صدقى ومن معه . لقد سمّوا ما فرضوه بأنه دستور , بينما هو ضد الدستور . وسمّوا حزبهم حزب الشعب وهو ضد الشعب .
وفى إشارة لقضية القنابل يضيف إن نظام صدقى اتهم « إبراهيم الفلاح » بأنه كان ذاهبًا بقنابل إلى بيت علام باشا وغيره . حققوا معه , واتخذوه « شاهد ملك » .. يثبت الاتهام وينجو من العقاب , ولكن شاهد الملك أخذ يعترف بالألاعيب التى دُبّرت ومُورست , ومن ثم حُكم على « شاهد ملك » بالسجن خمس عشرة سنة لأنه لم يشهد بالمطلوب , ومع ذلك فإن الحكومة السنية تعود بعد فتره لتعطيه مكافأة .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وينتقل الهلباوى إلى ما عُرف بقضية « البدارى » , فأبدى أن الحكم الصادر فيها عُرض على محكمة النقض , ومع أن المحكمة وجدته من الناحية القانونية صحيح , إلاَّ أن عبد العزيز باشا فهمى ــ رئيس محكمة النقض ــ شعر بواجبه الإنسانى ــ شعر بأن القانون يجب أن يُعيد العدل , وأنه من ثم لا يمكن أن يكون قاضيًا وهذه الجرائم تُرتكب , فدوّن فى حكمه ما لمسه من فضائح مخزية , وزاد فذهب إلى على باشا ماهر وزير الحقانية , فثار ماهر ثورة عارمة ، وصمم على التحقيق كيما يوقع بالموظفين الجزاءات التى يستحقونها , ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه أن يحذو حذوهم , وكان من آثار ذلك تنحية أحمد باشا فهمى حسين عن منصبه كمدير لأمن أسيوط .
ويضيف المحامى الأشهر , إنه يتخذ موقفًا من على باشا ماهر منذ سنة 1930 , ولكنه لا يتمالك نفسه اليوم من أن يسجل له أمام المحكمة هذه الصحيفة الناصعة , لأنه وقف هذا الموقف المشرف .
لقد سفكوا الدماء , وهدموا الحرية , وأخيرًا وجدوا أن الصحافة هى التى تكشف عوراتهم للناس . فماذا هم فاعلون لحفنى بك محمود وأمثاله ؟ سنّوا قانونُا يشهد بأنه لم يسمع بمثله قط , حتى فى الأمم البربرية , ومن فرط خروجه على المألوف ــ فى تكبيل الصحافة والصحفيين ــ لم يستطيعوا أن يشفعوه بمذكرة تفسيرية ( إيضاحية ) … ومن عجائب ما قرروا هذا القانون أن الصحفى إذا حُكم عليه , ولو بخمسة قروش غرامة , وتكررت , فإنه لا يجوز مطلقًا أن يكون رئيسًا للتحرير !
هيكل راح , وعبد القادر حمزة راح , وعباس العقاد راح , وتوفيق دياب راح !!
وهذا ــ وأشار إلى حفنى محمود ــ لو حُكم عليه اليوم بخمسة صاغ لا يجوز أن يكون رئيسًا للتحرير !!
ويتساءل المحامى الأشهر ساخرًا : لا أعرف ما إذا كان هذا القانون لا يزال قائمًا , أم أن توفيق نسيم باشا ألغاه ؟ إن حفنى محمود يؤكد أنه قائم ولم يُلغ بعد !
كيف يرضى وزير الحقانية الحالى ببقاء هذا القانون البربرى ؟!
إن معناه أن هيكل باشا يمكن أن يكون وزيرًا بل ورئيسًا للوزراء , ولكن لا يمكنه أن يكون رئيسًا لتحرير جريدة . هذا مدهش , بل هو فضيحة أخرى من فضائح العهد البائس !
وينتقل إبراهيم الهلباوى إلى نقابة المحامين وما أصابها أيام إسماعيل صدقى وحلفائه . فإذا كان ما فعله بالنقابة قد أحزن شباب المحامين , فإنه أحزنه أكثر كثيرًا . فقد عمل من أجل إنشائها سبع أو ثمانى سنوات , ولم يكن معه أحد من هؤلاء إلاَّ مرقص فهمى الذى جاء اليوم ثائرًا على الدستور وعلى البرلمان . إن كل النقابات لها نقابة .. حتى الحوذيين
وماسحى الأحذية , فكيف يُطاح بنقابة المحامين , غريب أن يصل الاستخفاف والمهانة بالشعب إلى هذه الدرجة !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى