المحاماة فن رفيع
كتب: عبد الله زكريا داود
المحاماة فن رفيع، ومن اتخذها مهنة فقد فشل؛ ولو أصاب فيها مجدًا ومالا، وصيتًا زائعًا.
وهي إن كانت صناعة، أو مهنة كما يسميها العوام من أهلها، والجاهلون من جمهرة الناس؛ المتأثرون بأخلاق وسلوك بعض المحامين؛ فهي لا تستحق أن يمارسها ذو كرامة أو ذو علم، أو ذو دين وخلق؛ فإنها إن كانت كذلك فقد سارت بصاحبها إلى اعتناق الجريمة، ومصاحبة الباطل، وإن ذلك نفسه لجريمة!.
أما إن كانت فنًا؛ فإنها وسيلة لإسعاد الخلق، وإلى رفع مستوى المجتمع، وتدعيم بناءه، وتمكين قوائمه، وليس أوضح في التفرقة بين المحامي الفنان، وبين المحامي الصانع، صاحب المهنة، من مفرق طريقين:
فأما المحامي الصانع: يؤثر المال والشهرة، ويقبل عليهما منهومًا لا يشبع، لا يهتم بالحق والعدل؛ ولكنه يعمل متعاميًا عن المثل العليا في سبيل جمع المال!.
فهو لا يعيش لعمله، وإنما يعيش من أجل ما يدره عليه هذا العمل، وهو بعد ذلك متسامح، لا يسعد بتوفيقه إلا إن كان جالبًا للمال، ولا يحزن إن فشل؛ إلا أن يكون أساه على ما فقد من مال.
فهو يسعد بنجاح قضيته مهما كان رأيه فيها، ومهما كان ضرر صاحب الحق من هذا النجاح، وما دام قد نال أجره، وهو إن خسرها: سعى إلى إقناع صاحب الدعوى باستئنافها، وأصاب مغنمًا جديدًا من الأجر؛ فإن خسر الاستئناف؛ اقنع موكله بالطعن بالنقض، أو إعادة الدعوى في صورة أخرى؛ حتى تكون الدعوى بقرة حلوبًا.
فعلاقة المحامي الصانع بالناس علاقة مادية، الغاية منها: اكتساب أكبر نصيب من المال، سواء كان السبيل، إشقاء الناس، أو تحطيمهم، أو أكل لحومهم أحياء؛ فإنه يسلك كل طريق لكي ينال أجرًا، ولو كان في ذلك ضياع حق موكله، أو حق خصمه، أو كان في ذلك خراب بيوت، وفقدان حقوق؛ إنه يضحي بالآخرين من أجل كسبه.
وأما المحامي الفنان: فهو الذي يقف دائمًا بجانب الحق والعدل، ويستفيد بشرط، إن تعارضت مثله العليا مع المال، داس بقدميه المال، مؤثرًا الرضا بالقليل، قانعًا بما يسقيه جرعة ماء، ويطعمه لقمة خبز عن أن يذل للمال؛ فتضيع إنسانيته، وتتهدم مروءته وفضائله، فهو لا يهدف للمال كغاية، ولكنه يعتبره دائمًا ثانويًا يستعمله؛ لكي يعيش وينتج، إن جاء فمرحبًا به عبدًا يؤمر ليطيع، ومطية تُركب لتسير، وإن غاب وتعسر؛ فسحقًا له.
فهو يعمل من أجل المظلومين والبائسين، ويكون مواسيًا لهم، مداويًا لجروحهم، ناصحًا، ولو كان ذلك على حساب كسبه؛ فإنه يؤثر الذين يعمل لهم بالسلامة، ويضحي مغانمه من أجل إسعادهم، فهو يؤثر الرضا بالقليل، قانعًا بما يسقيه جرعة ماء، ويطعمه لقمة خبز عن أن يذل للمال فتضيع إنسانيته، وتتهدم مروءته وفضائله.
لذلك فالمحاماة فن، وفن رفيع، وإنها إن تكن صناعة أو مهنة، فبئس ما امتهن المحامي، ويا بؤس حاله، وضيعة أيامه، ولياليه.
منقول بتصرف من كتاب المحاماة فن رفيع، للأستاذ محمد شوكت التوني.