المحاماة أدب
بقلم الأستاذ رجائي عطية
الأدب والمحاماة قرينان لا يفترقان ، المحاماة أدب ، والأدب محاماة ، وحفل تاريخ المحاماة بعمالقة فى الأدب ، الأستاذ أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل ، وسعد زغلول ، ومصطفى كامل ، ومحمد فريد ، وعبد العزيز فهمى ، ومكرم عبيد ، والدكتور محمد حسين هيكل ، وقاسم أمين ، وتوفيق الحكيم ، ومصطفى مرعى ، ويحيى حقي، وفكري أباظة ، ومحمد التابعي ، ومحمد عبد الله محمد ، ومحمد مندور ، وإحسان عبد القدوس ، وأحمد حسين ، وعبد الرحمن الرافعي ، وفتحى رضوان ، وموسى صبري ، وعزيز خانكي ، وجميل خانكي ، ومحمد علي علوبة ، وأمين الجميل ، وغيرهم كثير من حبات العقد الفريد الذي اجتمع فيه الأدب والمحاماة.
لم يكن صدفة أن تعانقت الكلمة والمحاماة، فبينهما علاقة حميمة وتأثير متبادل يصل حد الاندماج ، كلاهما يأخذ من الآخر ويصب فيه ، لذلك ظلت المحاماة على صلة دائمة لم تنقطع أبدا بالأدب والفكر والثقافة ، وارتفع إلى قمة الأدب قمم فى المحاماة ، وسطر عمالقة فى المحاماة صفحات رائعة فى الآداب والفكر والثقافة ، حتى بات عسيرا أن ترد أحدهم إلى هذه دون تلك .. عرف الأدب والفكر الدكتور محمد حسين هيكل فى زينب أول رواية مصرية وفى حياة محمد والفاروق عمر ومنزل الوحى وجان جاك روسو وغيرها ، مثلما عرفته ساحات المحاكم محامياً لامعـًا ووزيرًا بارعـًا ورئيسًا شامخًا لمجلس الشيوخ المصرى .. وعرفت الحياة الأدبية توفيق الحكيم الذى كان أول إلهاماته فى عالم الأدب مستوحى من تجربته فى ساحـة القضاء برائعته : يوميات نائب فى الأرياف ، وكتابه : عدالة وفن ، إلى آخر العنقود المؤلفات الأدبية والفكرية الرائعة الذى مثل به الحكيم أحد أضلاع التنوير فى القرن العشرين .. وعرفت الحياة الأدبية يحيى حقى خريج دفعة والدى ذاتها ـ رحمه الله ـ وتوفيق الحكيم سنة 1925 بمدرسة الحقوق الملكية آنذاك ، وعاينت دوره الذى امتزجت فيه رؤيته بالمحاماة وتجربته كمعاون إدارة ، مع تراب مصر ، وعبق تاريخها ، ورحلاته بالخارجية ، وسياحاته فى الفكر والأدب الإنسانى ، ليقدم مزيجا رائعا لأديب مفكر فذ التقت فيه هذه الروافـد فى عطاء متبادل : عشق الكلمة ، خليها على الله ، صح النوم ، قنديل أم هاشم ، دماء وطين ، أم العواجز ، وباقة من أميز ما قدم إلى المكتبة العربية فى القرن العشرين .. قليلون من يعرفون أن الدكتور محمد مندور أستاذ النقد والنقاد ، وصاحب كتاب النقد المنهجى عند العرب وتصانيف نقد الشعر والمسرح والأدب ، خريج حقوق القاهرة دفعة 1930 التى كان أولها المحامى الأشهر والمفكر والأديب والشاعر الفذ الدكتور محمد عبد الله محمد .. لا أحسب أحدا بلغ القمة التى ارتقاها محمد عبد الله محمد فى صمت جليل وتواضع لافت ، وقليلون من اطلعوا على عالم هذا الرجل الذى قدم سوامق الفكر وروائع الأدب والأشعار .. فكما ظلمت رواية : قنديل أم هاشم ، يحيى حقى ، فتغولت على باقى أعماله ، فإن كتاب محمد عبد الله محمد : « فى جرائم النشـر » ، شـد انتباه الجميع فلم يعد أحد يدرك أن لهذا المحامى العالم الأديب ـ إلى جوار جرائم النشر وبسائط علم العقاب ـ كتاب فذ فى « معالم التقريب » ، وأشعار بالغة الإتقان والجزالـة والعمـق قمـت بجمعها له بعد لأىٍ فى ديوانيه « العارف » و« الطريق » .. وقليلون ـ بعد مضى الزمن ! ـ من بقوا يتذكرون كيف اجتمع الأدب والمحاماة فى الأفذاذ إبراهيم الهلباوى وعبد العزيز فهمى وأحمد لطفى السيد أستاذ الجيل وصاحب كتاب أرسطو ورئيس تحرير الجريدة وأول رئيس لمجمع اللغة العربية ، وقاسم أمين صاحب كتابى : تحريرالمرأة والمرأة الجديدة ، ومصطفى مرعى وفكرى أباطة ومحمد التابعى وأحمد حسين والمحامى المؤرخ عبد الرحمن الرافعى وفتحى رضوان وغيرهم من حبات هذا العقد الذين ازدانت بهم صفحات الفكر والأدب مثلما ازدانت صفحات المحاماة !