اللافتات والصفات
اللافتات والصفات
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 14/11/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
كثيرًا ما ننسى أن الملابس وسيلة رئيسية للتعبير بين الآدميين ـ عما يهمهم في حياتهم الشخصية والاجتماعية .. فهي تعبر عن الصغر والكبر والذكورة والأنوثة والشباب والشيخوخة والمرض والصحة والسفر والإقامة والليل والنهار والجد والتبذل والشتاء والصيف والحرب والسلام والحزن والفرح .. وتعبر عن الحالات النفسية صادقة ومفتعلة ، وتعبر عن الدين والقومية والجنس ، وعن الفن والمهنة والحرفة ، وعن الحضر والريف .
وفي كثير من الأحوال تؤكد الملابس معناها بأقوى من توكيد الأقوال والحركات كملابس الملوك والحكام الرسمية والملابس الخاصة بالكهنة والقسس والمشايخ والرهبان ، وملابس الجنود والبحرية والطيران والشرطة ، وملابس أصحاب الحرف والمهن وأرباب الفنون في أعمالهم ، وملابس البدو والأفارقة وأهل الهند والصين والتتار والتركمان والقزان ـ وحرص أولئك على الظهور بملابسهم تلك في غير مكانهم وأمام الملأ فيه استمساك شديد بدلالتها على هويتهم وعلى حالهم وما ينتظر منهم .
والتفات الإنسان إلى استعمال دلالة الملابس الخاصة ـ قديم أسبق من كل حضارة .. وربما كان أسبق من لغة الكلام نفسها في صورها المعروفة .
ووكادة دلالة الملابس وثباتها وقدرتها على الإقناع وعلى تماسك واجتذاب الأتباع ـ أمر معروف في كل الأزمان وبين كل الجماعات .. وهو شيء قديم في الأديان الموجودة والمنقضية .. وقد بلغ في الديانة الكاثوليكية درجة عالية من النظام من قرون .. فهي قد اتخذت أطرزة وألوانا ثابتة لملابس معينة لكل وقت من أوقات السنة الدينية وكل نوع من أنواع العبادات والمراسم وكل مرتبة من مراتب الكهنوت .. كما أن لكل فرقة أو أخوة كاثوليكية ملابس تميزها لا يتغير طرازها الذى يحمل لعيون تابعيها وعيون الناس تمسكها بتاريخها وطريقتها .
ودلالة الملابس المعينة مشهودة أيضًا في البلاد الإسلامية .. فما يقوله الشيخ المعمم ـ له من القيمة عند الناس أضعاف قيمته إن صدر من غيره ، ويكاد لا يطلق لقب الشيخ إلاَّ على المعممين المرتدين للزي الذي جرى العرف على ارتداء المشايخ له .
وقد عولت على الملابس الخاصة ـ النظم الفاشية والنازية وما لف لفهما من الأيديولوجيات السياسية ، وقد لوحظ هذا بشدة في فاشية موسولينى ونازية هتلر ، مثلما لوحظ فيمن لف لفهما .
ثم إن الأناقة قرينة عند الناس على أن صاحبتها أو صاحبها من طبقة خاصة لا من العوام أو السوقة .. وهى في نظر السواد قرينة تعنى توافر الكرامة الاجتماعية في عين من يراها .. خاصة بالنسبة للإناث .. فقد تجوع الفتاة من أجل ثوب أنيق لحرصها على شراء هذه الكرامة أولا وقبل أي شيء آخر !
إن هذه الملابس مجرد لافتات تشير إلى الصفة العامة التي تشهد بها الملابس على الشخص ، وهى لافتات قد لا تَصْدُق ، وقد تدارى الباطن ، لذلك قد تكون حقيقة الشخص مكذبة لشهادة ملابسه .. إما لأنه انتحل الملابس دون أن يكون له حق في ارتدائها ، وإما لأنه وإن لم ينتحلها يخفي خلفها ـ خلف الملابس ـ نقائص ومخازى فيه ـ تجعله غير أهل لارتدائها .. وهذا وذاك كثيرًا ما يحدثان لأن حياة المجتمعات الجارية سريعة الحركة تعتمد أحكامها في الغالب ـ على الظاهر البادي .. هذا الظاهر الذي كثيرًا ما يخدع عن حقيقة الباطن وجوهر الشخصية . ذلك أن القليلين بل النادرين هم من يتوقفون ليتثبتوا قبل أن يحكموا على الشخص أو قبل أن يعطوه ثقتهم أو قبل أن يختاروا .. فالفرص دائمًا متاحة للأسف ـ للنصّابين والفاسدين في استغلال الأناقة أو استغلال دلالة ارتداء الملابس الخاصة بفئة معينة من الناس . تضيق دائرته وتتسع حسب ازدياد أو نقص هيبة المجتمع في نظر المنتمين له والموجودين في إقليمه وظله !