القيود التي ترد على تحريك الدعوى الجنائية

بقلم/ يوسف أمين حمدان

 

الأصل في التشريع الجنائي المصري(الإجرائى)، أن النيابة العامة هي الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، وهي الجهة الوحيدة المختصة بمباشرة الدعوى الجنائية، بوصفها نائبة عن المجتمع، حيث تملك وحدها تحريك الدعاوى الجنائية أو عدم تحريكها.

وفقا لنص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية، حيث تنص المادة على أنه: (تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها إلا فى الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا فى الأحوال المبينة في القانون).

ولكن وفقا لقاعدة أن لكل أصل استثناءات أو قيود ترد على الأصل، ويرد على هذا الأصل قيود ترفع يد النيابة العامة عن النظر في الدعوى، لا يحق لها تحريك الدعوى الجنائية بصفة آلية أو تلقائية بل يجب موافقة شخص محدد أو جهة معينة، وقد روعي فيها سبب طبيعتها أو لصفة المتهم بارتكابها، والقيود التى ترد على تحريك الدعوى الجنائية ثلاثة وهي: (الشكوى، الطلب، الإذن)، فينصب مقالنا هذا على القيد الأول وهو الشكوى:

تعد الشكوى هى القيد الأول في تحريك الدعوى الجنائية بواسطة النيابة العامة وفقا لنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية، حيث تنص المادة على أنه (لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائى في الجرائم المنصوص عليها في المواد (185، 274، 277، 279، 292، 293، 303، 306، 307، 308) من قانون العقوبات، وكذلك فى الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون، ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على غير ذلك).

وقد عرف البعض الشكوى بأنها: “إجراء يعبر به المجني عليه أو وكيله الخاص فى جرائم معينة عن إرادته في تحريك الدعوى الجنائية إلى السلطات العامة عن جريمة معينة وقعت عليه، وذلك بهدف تحريك الدعوى الجنائية عليه ومعاقبته”. أستاذ دكتور “جميل عبدالباقى”.

كما عرفها الأستاذ الدكتور “عمرو الوقاد”: بأن يتقدم المجني عليه في جرائم محددة إلى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائى بإخطار؛ لاتخاذ الإجراءات القانونية الجنائية ضد مرتكب الجريمة وذلك لأن النيابة العامة هى الجهة التى تملك تحريك الدعوى الجنائية كما أن مأمور الضبط القضائى هو السلطة التى تقوم بالمرحلة التحضيرية لتحريك الدعوى الجنائية وهى مرحلة جمع الاستدلالات”.

ويتبين من هذين التعريفين ووفقا لنص المادة الثالثة أن تقدم الشكوى إلى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائى، وتختلف الشكوى عن البلاغ، الذي هو مجرد إخطار السلطات العامة متمثلة في النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي بوقوع الجرائم المذكورة وفقا لنص المادة الثالثة و التى سوف نسردها، وقبل أن نسردها، ينبغى علينا أن نوضح سؤالا ألا وهو من الذى عليه أن يتقدم بالشكوى؟!

تقدم الشكوى من المجني عليه وحده أو وكيله الخاص، فلا يجوز تقديمها من المضرور من الجريمة إذا لم يكن هو المجني عليه، أما المضرور ليس له الحق سوء الادعاء المدني والمطالبة بالتعويض عن الجريمة بوصفها عملا غير مشروع، فله أن يتدخل فى الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية.

-الجرائم التي تتطلب أو يتوقف تحريكها على الشكوى:

حددتها المادة الثالثة فى فقرتها الأولى

إجراءات جنائية على سبيل الحصر وهى:-

1) جريمة سب موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو بخدمة عامة بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة (مادة 185 عقوبات).

2) جريمة زنا الزوجة (274 عقوبات).

3) جريمة زنا الزوجة في منزل الزوجية (277 عقوبات).

4) جريمة ارتكاب أمر مخل بالحياء مع إمرأة ولو في غير علانية (279 عقوبات).

5) جريمة عدم تسليم الطفل الصغير لمن له الحق فى طلبه بناء على قرار من جهة القضاء صادر بشأن حضانة أو حفظه وكذلك اختطاف الولد ممن له الحق في حضانته أو حفظه إذا حصل من الوالدين(292 عقوبات).

6) جريمة الامتناع عن دفع النفقات الصادر بها حكم قضائي واجب النفاذ(293 عقوبات).

7) جريمة القذف بوجه عام(303 عقوبات).

8) جريمة السب(306 عقوبات).

9) جريمة السب والقذف إذا اُرتكبت بطريق النشر فى الصحف أو المطبوعات(307 عقوبات).

10) جرائم العيب أو الإهانة أو القذف أو السب إذا تضمنت طعنا في الأعراض أو خدشا لسمعة العائلات(308 عقوبات).

11) جريمة السرقة التى تقع بين الأزواج أو بين الأصول والفروع(312 عقوبات).

فهذا عن كون السرقة جنحة فماذا لو كانت جريمة السرقة بين الفروع و الأصول تعد جناية، قال فى ذلك الدكتور عبدالرءوف مهدي: “إذا كانت جريمة السرقة التي وقعت بين الأصول و الفروع أو الأزواج جناية فلا تستلزم الشكوى لرفع الدعوى الجنائية عنها”.

– فماذا عن الوقت الذى تقدم فيه الشكوى؟

فقد نصت المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية فى فقرتها الثانية على أنه (لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة و بمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك).

يتضح من نص المادة أن الشكوى تقدم في خلال مدة ثلاثة أشهر، و المدة ليس من وقوع الجريمة ولكن من يوم علم صاحب الشكوى بالجريمة التى وقعت عليه وبشخص مرتكبها.

– فإذا تعدد المجني عليهم هل يلتزمون جميعا بتقديم الشكوى؟

حيث تنص المادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (إذا تعدد المجني عليهم يكفي أن تقدم الشكوى من أحدهم وإذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد الباقيين).

– فماذا لو كان المجني عليه شخص لم يبلغ خمس عشرة سنة كاملة؟!، أو شخص مصاب بعاهة فمن الذى يقدم الشكوى؟.

لم تفت هذه الإشكالية على المشرع المصري ووضع لها الإجابة في نص المادة الخامسة من قانون الإجراءات الجنائية، حيث تنص على أنه (إذا كان المجني عليه في الجريمة لم يبلغ خمس عشرة سنة كاملة أو كان مصابا بعاهة فى عقله تقدم الشكوى ممن له الوصاية عليه، وإذا كانت الجريمة واقعة على المال تقبل الشكوى من الوصي أو القيم وتتبع فى هاتين الحالتين جميع الأحكام الخاصة بالشكوى).

فماذا إذا تعرضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله؟، أو لم يكن له من يمثله؟!.

فهنا تقوم النيابة العامة مقامه، وهذا ما نصت عليه المادة السادسة من قانون الإجراءات الجنائية حيث تنص المادة على أنه: (إذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله أو لم يكن له من يمثله تقوم النيابة العامة مقامه).

والحق فى الشكوى هو حق شخصي يتعلق بشخص المجني عليه ويترتب على ذلك أن هذا الحق ينقضى بموت المجني عليه، فلا ينتقل إلى الورثة، حيث تنص على ذلك الفقرة الأولى من المادة السابعة على أنه: (ينقضي الحق فى الشكوى بموت المجني عليه).

ونص أيضا المشرع في تلك المادة في فقرتها الثانية في حالة تقديم الشكوى من المجني عليه إلى الجهة المختصة سواء كانت “النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائى” ثم توفاه الله؛ تنتج الدعوى أثرها القانونى، حيث نصت على أنه: (وإذا حدثت الوفاة بعد تقديم الشكوى فلا تؤثر على سير الدعوى).

زر الذهاب إلى الأعلى