القول الفصل في أزمة قانون الإيجار القديم

كتب: أشرف الزهوي

بات لزامًا على مجلس النواب القيام بتعديل قانون الإيجار القديم، بعد إصدار المحكمة الدستورية حكمها الذي قضت فيه بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون 136 لسنة 1981، المتعلقتين بعدم جواز زيادة القيمة الإيجارية وتقدير قيمة الأرض المتعلقة بالوحدات الخاضعة لنص المادة الأولى من القانون.

أهابت المحكمة بالمشرع المصري التدخل بخصوص عدم دستورية الفقرتين الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون 136 لسنة 1981، وقد أثار التعديل لهاتين الفقرتين جدلًا حادًا واختلافًا كبيرًا بين الملاك والمستأجرين.

في ضوء ذلك، فإن المصلحة العليا للوطن تفرض علينا تطبيق قاعدة “الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف”، إذا افترضنا أن هذا التعديل التشريعي قد ينال بالضرر من أحد الطرفين، المالك أو المستأجر.

علينا أولًا أن ننظر إلى الحقائق مجردة بعيدًا عن الملاك والمستأجرين، بحيث نقارن بين قيام المشرع بتعديل القانون بما يتفق وحكم المحكمة الدستورية، وبين إرجاء أي تعديل تشريعي خلال هذا الفصل لمجلس النواب.

أولًا: في حالة إرجاء مجلس النواب للفصل في النصوص التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها، فإن ذلك سوف يمنح للملاك الحق في اللجوء للقضاء بطلب تعديل القيمة الإيجارية بما يتناسب مع القيم الإيجارية السائدة، وهو ما سوف يتسبب في رفع آلاف القضايا من جانب الملاك أمام المحاكم لطلب تقدير الأجرة الحقيقية مقارنة بالأجرة السائدة لحالات المثل. وتلك القضايا تتطلب ندب خبير للتقدير بعد إجراء المعاينة، مما سيتسبب في إطالة أمد النزاع، بالإضافة إلى مرحلة الاستئناف، وهو ما سيؤدي إلى التداعيات الآتية:

إرباك المحاكم بأعداد كبيرة من القضايا ستحتاج لفترة طويلة، كان بمقدورنا تفاديها إذا تدخل المشرع لإصدار القانون مباشرة في أقل من شهرين.

تكدس مكاتب الخبراء بآلاف القضايا التي تحتاج إلى إجراءات المعاينة والتقدير للقيمة الإيجارية المناسبة، وهو ما يستغرق الكثير من الوقت والجهد، ويُكبد الملاك المصاريف والرسوم وقيمة أمانة الخبراء والأتعاب… إلخ.

خلال نظر تلك القضايا أمام المحاكم، قد تزداد حالات الاحتقان بين الملاك والمستأجرين بعد أن انعقدت الخصومة بينهما، والتي لا مناص منها، والتي سيتم من خلالها تقدير القيمة الإيجارية الأقرب للواقع منذ تاريخ رفع الدعوى.

سيتم احتساب زيادات الأجرة اعتبارًا من تاريخ رفع الدعوى، مما سيؤدي إلى تراكم مبالغ الأجرة التي ستقدّرها المحكمة في ضوء تقارير الخبراء على عاتق المستأجرين، بالإضافة إلى الرسوم القضائية.

قد يؤدي ذلك الأمر إلى امتناع المستأجرين عن القيام بالترميمات التأجيرية، وإحجام الملاك عن الترميمات الضرورية، بما ينال بالضرر من الثروة العقارية في مصر، إزاء عناد الطرفين.

خلال فترة التقاضي لا يمكن تقدير الضريبة العقارية المناسبة، مما سيؤدي إلى إرجاء تحصيلها لحين الفصل نهائيًا في المنازعات التي نشبت بين الملاك والمستأجرين، وسيرتبط سداد الضريبة بتحصيل المبالغ المستحقة للمالك من المستأجر الذي سيجد نفسه مضطرًا إلى سداد مبالغ طائلة تم تأجيل سدادها، وهو لا طاقة له بها.

أضعنا على المستأجرين المساحة الكافية من الوقت لتدبير أمورهم وعرض ظروفهم وأحوالهم المالية للاستفادة بدعم الدولة للمستأجرين من محدودي الدخل، وقيام القادرين بإيجاد البدائل، بحيث يتم التحول التدريجي سواء بزيادة الإيجار فقط أو بتوفير أماكن جديدة أو التوجه نحو التمليك.

أما إذا تدخل مجلس النواب بتعديل القانون، فإن ذلك سوف يؤدي إلى التداعيات الآتية:

تأثر المستأجرين بزيادة الأجرة، بما سيضطرهم إلى التعامل مع الأوضاع الجديدة كما هو الحال في الكثير من الأمور الحياتية مثل زيادة فاتورة الكهرباء، وأسعار الدروس الخصوصية، واللحوم… وستكون الأولوية للإيجار حتى ولو بترشيد استهلاك الطاقة أو إلغاء بعض الدروس الخصوصية!

إحجام المستأجرين عن إجراء الترميمات التأجيرية إلا الاضطرارية منها، وهو ما يؤدي إلى إهدار الثروة العقارية، لأن معظم النار من مستصغر الشرر.

أما عن الثمار التي سيجنيها المجتمع من إحداث هذا التعديل التشريعي، فحدّث ولا حرج عن قيمتها وأهميتها، بحسب أن الضرر الأشد يجب أن يُزال بالضرر الأخف. ولكن يجب أن يتضمن التعديل التشريعي هذه النقاط المهمة:

أن يتضمن القانون قوة في إلزام المستأجر بسداد الزيادات الجديدة للأجرة دون مماطلة.

أن يتضمن القانون قوة في إلزام الملاك بإجراء الترميمات الضرورية للحفاظ على ثروتنا العقارية، مما سيرفع من معنويات المستأجر الذي كان يعاني لسنوات طويلة من إهمال المالك للعقار ونظافته وشكله الجمالي.

أن يتضمن القانون قوة في إلزام الطرفين بسداد الضرائب العقارية المستحقة، والتي يتم تخصيص جزء منها لدعم المستأجرين الأكثر احتياجًا، كما أنها سبب لإنعاش الخزانة العامة.

أن يتم تحديد زيادات الأجرة بشكل متدرج، بحيث تتساوى القيم الإيجارية خلال ثلاث سنوات أو خمس على أكثر تقدير مع القيمة الإيجارية السوقية لحالات المثل.

ونُذكّر هنا أننا في تلك الحالة لن نجبر المستأجر على ترك مسكنه، لأن العلاقة الإيجارية ستخضع بذلك إلى ظروف العرض والطلب، ولن يُغرى المستأجر بالاستمرار أو البقاء في ذات الوحدة السكنية بعد إيجاد أكثر من بديل بذات القيمة الإيجارية.

في ضوء ما سبق، فإننا نؤكد – وبحق – أنه يجب على مجلس النواب أن يتصدى بالتعديل لقانون الإيجارات القديمة بإحداث زيادات حقيقية للقيمة الإيجارية، بحيث تصل إلى القيمة الإيجارية السوقية خلال ثلاث سنوات أو خمس بحد أقصى، وأن يتم النظر إلى العقارات حسب تاريخ إنشائها، بحيث نصل في نهاية المطاف إلى الربط بين القيمة السوقية للإيجارات السائدة وبين تحريك قيمة الإيجارات القديمة تدريجيًا لإحداث العدالة المنشودة.

وأخيرًا، علينا أن نحذر من “المسكّنات” في حلحلة الأزمة الحالية، والمقصود هو زيادة القيم الإيجارية من خلال دراسات متخصصة، للتحول خلال فترة زمنية ليصبح التوازن قائمًا، بعيدًا عن القول بـ”طرد المستأجرين”، وهي العبارة التي يُصدرها البعض للتخويف وإثارة المزيد من البلبلة والشقاق بين المالك والمستأجر.

ولا نغفل عن ضرورة تنظيم قانون رادع لإيجاد فكرة واقعية لاتحاد الملاك والمستأجرين، يتم تحصيل قيمتها من المالك والمستأجر عن طريق الضرائب العقارية، للحفاظ على الثروة العقارية، لنرتقي بالثقافة العقارية، ثم الدخول إلى عالم الثورة الرقمية العقارية التي سيكون لها قيمتها الرائعة في تنظيم وتحديث وضبط الظروف المجتمعية.

زر الذهاب إلى الأعلى