القضاة وروح القانون
بقلم: أشرف الزهوي المحامي
حقق القاضي الأمريكي فرانك كابريو مئات الملايين من المشاهدات حول العالم للفيديوهات الخاصة بالمحاكمات التي قضى فيها بمراعاة الجانب الإنساني للمتهم وتطبيق روح القانون ومعناه، وهذا القاضي ينتمي لهؤلاء القضاة الذين يرون أن القانون ليس كائنا جامدا، ولكنه كائنا مرنا يمتلئ بالعواطف والأحاسيس وأنه ليس سيدا وإنما خادم للمجتمع وهو ليس حقيقة مطلقة، فالحقيقة دائما نسبية، وهذه المدرسة التي ينتمي إليها هذا القاضي ترى أنه يجب أن يخضع القانون لمشاعر القاضي وأحاسيسه، فما في الدنيا من شئ إلا وهو خاضع لمشاعر الإنسان وأحاسيسه، والقاضي حين يستخدم القانون لايغيره وإنما يوائم بين مبادئه وروحه وبين القضايا التي يحكم فيها فهو ليس قانونا حسنا وقانونا غير حسن وإنما هو قاضي ماهر مرن وقاض يطبق النصوص القانونية التي تصنع مجتمعا صالحا وليس للعواطف والشجون اي دخل. وإنها وظيفة صارمة تقتضي تطبيق القانون حرفيا. وفي كتاب المحاماة فن رفيع للمرحوم شوكت التوني مثال لهذا القاضي المرن وهو المرحوم / سليم بك ذكي أثناء نظرة لإحدى القضايا التي اتهم فيها موظف متلبسا بسرقة أوراق وأدوات مكتبية من أموال الحكومة وشهد عليه زملاءه جميعا ولم يجحد هو اية واقعه نسبت إليه. نظر هذا القاضي الذكي الظريف القضية وهو متبرم ضيق الصدر بالنيابة وبمحامي المتهم والشهود، ولم يعرف احد مصدر ضيقه وتبرمه حتى انتهى من نظر القضية، فنادي الشهود وأوقفهم صفا… ثم نظر إلى وكيل النيابة ووجه الحديث إليهم جميعا : بذمتكم مين فينا احنا كلنا ياموظفي الحكومة مابياخدشي ورق ونشاف وأقلام رصاص من أموال الدولة؟ ثم نظر إلى المتهم وقال له : روح ياإبني براءة وربنا يعين على الأسباب… واصي النيابة ألا تستأنف.
وفي نفس المكان وبعد سنوات نظرت نفس القضية لمتهم آخر بسرقة كربون وزجاجة حبر وترافع المحامي مرافعة رائعة وصدر الحكم بحبس المتهم شهرا مع النفاذ.
وهناك قضاه لايؤمنون الا بالبراءة حين تتوافر ثم بأقصى العقوبة حين يقتنعون بإدانة المتهم.
وفي مجال القانون، ظهر في العالم مايسمى بالقانون الناعم الذي يتضمن مجموعة من القواعد غير الملزمة، ويمارس نفس وظيفة القانون الجامد في التأثير في سلوك المخاطبين به، لكنه لايضع قيودا على حرية نشاط المخاطبين به أو يعرضهم لجزاء عند مخالفته وهو ماسنفرد له مقال آخر.