القانون والمنطق

 

بقلم: الأستاذ/ أسامة الجوجري

لما كان علم القانون كأحد علوم المنطق يرتبط ارتباطا وثيقا بإحكام قواعد العقل الرشيد على سلوكيات الفرد والمجموع، بل إن غالبية القواعد القانونية هي استنباط واستقراء صريح لقواعد عامة تحكمها معطيات ونتائج تتفق مع العقل فتعتبر في هذه الحالة آمرة وفي الأخرى تكون قواعد ناهية.

إن فلسفة القاعدة القانونية لا تتعارض أبدا مع قواعد المنطق، فالفرد أولا كجزء من المجتمع ملزم بقواعد عامة تلزمه كأحد أفراد المجموع ومن ناحية أخرى إذا ما طبق الفرد قواعد المنطق العادية على سلوكياته فحينئذ يتبين له الصواب من السلوك الخاطئ.

إن كثيراً من الأشخاص بل من العوام إن لم يكن من الأميين يتفق سلوكهم العادي في حياتهم اليومية مع قواعد المنطق ومن ثم مع القاعدة القانونية من خلال إعمال العقل وانزال أحكامه البسيطة على تصرفاتهم وهي الفطرة الأولى للإنسان وأصل الأشياء وهي التي تجعل الجاهل بالقاعدة القانونية يشعر إذا ما خالف القاعدة القانونية دون علمه بالقانون فإنه يعلم أنه ارتكب خطأ ولذا فليس بالضروري أن يتوفر العلم الكافي بكل القواعد القانونية فالمبدأ وإن كان أنه لا يعذر أحد بجهله بالقانون فذلك لأن القاعدة القانونية تفترض العلم بها أساس ذلك هو الحرص علي اتباع السلوك القويم لمجموع الأفراد فهو لا يعيش لذاته وإنما في جماعة تحكمها قواعد عامة مجردة للدولة كاصطلاح لهذه الجماعة أو هذا المجموع.

ومثال ذلك المخالف للقانون الذي يجرم البناء على الأراضي الزراعية أو البناء بطريقة عشوائية خارج التنظيم القانوني فهو قد خالف القاعدة القانونية وذلك دون أن يستلزم العلم الكافي بكل ما جاء بالقانون المنظم لمثل هذه المخالفات فإن العقل السليم في هذه الحالة يجعلنا نسلم بفلسفة هذا القانون وهو أن السماح للأفراد بالبناء على الأراضي الزراعية هو زحف غير مشروع وإبادة للرقعة الزراعية وكذلك الحال فيما إذا ما قام كل فرد بالبناء بطريق عشوائية دون اتباع القواعد بما فيها  الأمور التنظيمية من طرق وشوارع وارتفاعات وترك مسافات قانونية.

لذلك كان لابد من القانون الذي ينظم ذلك كله وتطبيق ذلك هو تطبيق لقواعد المنطق السليم، وإن الرجل العادي، أقصد رب الأسرة الحريص يزن فعله وتصرفه على قواعد العقل لإتيانه من عدمه وبذلك هو يطبق قواعد المنطق ومن ثم قواعد القانون دون علم أو قصد لذلك كله.

كل ما سبق يجعلنا نسلم بأن تطبيق القاعدة القانونية ما هو إلا تطبيق لقواعد المنطق ومن ثم إعمالا لما يستوجبه ويفرضه العقل وهكذا يكون القانون هو مرآة للعقل والمنطق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى