القانون الأصلح للمتهم والجرائم المستمرة
بقلم: احمد عبد الغفار
يعمل بقانون العقوبات كغيره من قواعد القوانين الأخرى منذ لحظه نفاذه وفقاً لما ينص عليه الدستور.
قواعد قانون العقوبات تتمتع بثبات نسبي، فهي لا تتعرض للالغاء او التعديل الا اذا تغيرت فلسفة التجريم او العقاب في المجتمع، وذلك عن طريق وضع قواعد جديدة تعكس الفلسفة الحديثة، وذلك اما بتجريم فعل كان مباحاً، أو برفع جسامة فعل فينقله من كونه جنحة بجعلة جناية، أو بتغيير في العقاب، أو بإباحة فعل كان مجرما.
نطاق قانون العقوبات من حيث الزمان.
في حالة وقوع جريمة، في ظل قاعدة جنائية معينة وقبل ان يغلق باي الدعوى بحكم بات، قد تصدر حينها قاعدة جديدة معايرة للقاعدة الأولى، التي وقعت في ظلها الجريمة، فحينئذ يثار تساؤل عن ما هي القاعدة الجنائية الواجبة التطبيق على المتهم، هل الأولى ام الجديدة؟
بعبارة أخرى هل تسرى القاعدة الجديدة بأثر رجعي على الجرائم التي وقعت قبل العمل بها، ام تظل الجريمة محكومة بالقاعدة التي وقعت في ظلها ويقتصر نطاق القاعدة الجديدة على ما يقع في ظلها من جرائم؟
تحدد المبادئ العامة للقانون وبعض النصوص الدستوريةو قانون العقوبات، القواعد التي تحكم نطاق سريان قانون العقوبات من حيث الزمان.
ويمكن اجمال تلك القواعد في اثنين.
الأولى:عدم رجعية النصوص الجديدة الاشد.
الثانية:رجعية النصوص الجديدة الأصلح للمتهم.
عدم رجعية النصوص الاشد:-
تعني هذه القاعدة ان نصوص قانون العقوبات الاشد من النصوص السابقة عليها، سواء تعلقت بتجريم ام بعقاب – لا تسرى على الماضي- فلا تطبق باثر رجعي وإنما باثر مباشر وفقاً الأصل العام.
فالقاعدة الجديدة التي تجرم فعل كان مباحا وقت اتيانه، ظل الفعل على اباحته وفقا القاعدة القديمة، ولا تسرى القاعدة الجديدة الا على الفعل الذي يقع منذ العمل بها، وكذا اذا اني نص بعقوبة أشد جسامة من العقوبة المقررة في القاعدة القديمة، امتنع تطبيق العقوبة الاشد على من ارتكب جريمة في ظل القاعدة الأولى، و يخضع لها من يرتكب الجريمة منذ لحظة العمل بالقاعدة الجديدة، وعلى هذا النحو يقتصر سريان القاعدة على كل ما يقع في ظلها من جرائم.
لكن نطاق تطبيق القاعدة محل البحث شرطين اساسين:-
الاول:ان يكون النص الجديد أشد من النص القديم الذي وقعت الجريمة في ظله، يتحدد نطاق تطبيق القاعدة، بطبيعة النص الجديد فيلزم ان يكون أشد من سابقه، اي ان يكون من شأن تطبيقه على المتهم وضعه في موضع أسوأ مما كان يضعه فيه النص القديم.
الثاني:الا تكون الجريمة منذ الناحية القانونية واقعة في ظل النص الجديد الاشد.
يلزم لتطبيق هذه القاعدة الا تكون الجريمة من الناحية القانونية مرتكبة في ظل النص الجديد، فإن كانت قد وقعت من الناحية الزمنية بعد العمل بهذا النص، سري عليها الاخير ولا يقال حينئذ ان في سريانه اثراً رجعيا محظورا، فالجريمة التي تقع من الناحية القانونية في ظل القاعدة القديمة تظل محكومة بها ولا تسرى عليها القاعدة الجديدة الاشد بأثر رجعي.
تطبيق هذا الشرط يثير بعض الصعوبات نظراً لطبيعة الجريمة والتردد حول تحديد اللحظة التي تعتبر الجريمة قد وقعت فيها، وبالتالى تحديد موقعها بالنظر الي نطاق سريان كل من القاعدين، و بالطبع فلا صعوبة اذا وقعت الجريمة بكافة عناصرها في ظل اي من القاعدين، فتخضع حينها الجريمة للقاعدة التي تكاملت تلك العناصر في ظلها، كما لو وقعت السرقة وانتهت في ظل القاعدة القديمة، أو حدث الضرب والوفا في ظل قاعدة سارية.
لكن الصعوبة تثور اذا تناثرت مكونات المشروع الإجرامي، فوقع بعض منه في ظل القاعدة القديمة وبعض اخر في ظل القاعدة الجديدة الاشد، ولا مفر في هذا الصدد من التمييز تبعا لطبيعة الجريمة.
ففي الجرائم التي تنفصل فيها لحظة تحقق الفعل عن لحظة تحقق النتيجة الإجرامية، كما لو حدث الضرب بقصد القتل في ظل قاعدة قديمة وتحققت الوفاة بعد أن صدرت قاعدة جديدة أشد، تعاقب على القتل بالإعدام بدلاً من السجن المؤبد.
وفقاً للرأي الراجح يرجع إلى لحظة تحقق النشاط الإجرامي، ففي تلك اللحظة تعد تعد الجريمة قد وقعت حتى ولو تحققت النتيجة في ظل القاعدة الجديدة، وعلى ذلك الفرض تعد جريمة القتل واقعة في ظل القاعدة القديمة ومن ثم لا تسرى عليها القاعدة الجديدة الاشد باثر رجعي.
وفي الجرائم المستمرة، وهي التي تستغرق في تنفيذها فترة زمنية يقع شطر منها في ظل القاعدة الجديدة الاشد، كحمل سلاح بدون ترخيص بدأ في ظل الأولى واستمر في ظل الثانية، حينها تعد الجريمة قد وقعت في ظل القاعدة الجديدة والاشد، وتسري عليها وفقا للقواعد العامة، ولا يقال حينئذ ان في تطبيقها اثراً رجعياً وتسري ذات الملاحظة علي جرائم الاعتياد وهي التي تقوم بعدة أفعال من طبيعة واحدة، يقع بعضها في ظل النص الأول والبعض الاخر في ظل النص الجديد، كجرائم الاعتياد على ممارسة الفسق والفجور.
يتبع بقية الشرح في مقال قادم.
يمكن الرجوع إلى كتاب مبادئ قانون العقوبات المصري القسم العام
للدكتور احمد عوض بلال.