العملات المشفرة بين التجريم والحقيقة الواقعة

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى

    تقوم العملات المشفرة على فكرة استبدال القيمة، فالمال هو مقياس القيمة وقد نشأت العملات الرقمية لتحاول جذب الانتباه من النقود كمقياس للقيمة، فبعد قيام شركة تسلا بقبول الدفع بعملة البيتكوين الرقمية انتشرت فكرة النقود الالكترونية بشكل كبير وتبعت شركة تسلا عدة شركات أخرى عملاقة قبلت الدفع بالعملات المشفرة لقاء منتجاتها.

    العملات الرقمية لا تراها العين ولا تلمسها اليد وهي تطور في عالم المدفوعات عبر الانترنت، فاعملات الرقمية هي عبارة عن أرقام ورموز تجدها عبر شاشة الكمبيوتر أو الموبايل ويكون لكل عملة رمز أو إشارة خاصة بها، وتكون متاحة بشكل رقمي فقط وليس لها وجود مادي مثلا الأوراق النقدية أو النقود المعدنية، ويعود تاريخ إنشاؤها إلى سنة 1990 عند بدء العمل بتكنولوجيا المعلومات حتى جاء عام 2009 ليكون الفيصل في تداول تلك العملات بنشأة أول عملة رقمية قوية وهي عملة البيتكوين من قبل مجهول أطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو واستمر ظهور العملات المشفرة بعد ذلك، ومع الارتفاع الرهيب في اسعار تلك العملات أصبحت مطمعاً للكثير من المتداولين للربح السريع، وتقوم تلك العملات على عمليات التحقق من عمليات تداول العملات المشفرة –البلوك تشين- وسلسة الكتل هي التي تقوم على أساسها معظم العملات المشفرة.

    تؤثر تلك العملات في الاقتصاد القومى بشكل كبير فهي قيمة غير حقيقية تقوم على التداول ومن ثم يؤدى التكاثر المريب في التداول عليها إلى التأثير السلبي على اقتصاديات السوق والانتاج مما يؤدى إلى انهيار الاستثمار في الدول النامية لكون رؤوس الأموال تهرب من الاستثمار الحقيقي والفعلي إلى الاستثمار في العملات الرقمية وعلى ذلك قامت العديد من الدول بتجريم التعامل بالعملات المشفرة.

    وفي مصر جاء قانون البنك المركزي الحالى والصادر سنة 2020 محرماً التداول في العملات المشفرة، فورد في نص في نص المادة (206) من قانون البنك المركزي رقم 194 لسنة 2020 ما نصه أن” يحظر إصدار العملات المشفرة أو النقود الالكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها بدون الحصول على ترخيص من مجلس الإدارة طبقاً للقواعد والإجراءات التي يحددها.”

    قام المشرع المصري بتجريم تعاملات العملات المشفرة بموجب قانون البنك المركزي المصري الجديد الصادر في سنة 2020 بموجب نص المادة 206 وعلى الرغم من هذا التجريم إلا أن النص جاء قاصراً، ذلك لأننا أصبحنا أمام قصور تشريعي واضح رغم التجريم الصريح الوارد في هذا النص فالنص حرم تداول وإصدار العملات المشفرة أو الاتجار فيها في مصر وجرم جميع أساليب التداول عليها ولكنه لم يفطن لكون بعض التشريعات لم تجرم تعاملات العملات المشفرة وهو الأمر الذي أظهر مع تطبيق النص قصوراً واضحاً فلو افترضنا أن زيد قام بالتداول والتنقيب عن عملة مثل البيتكوين مثلاً بمصر فهو إجراء محرم ويكون ناتج هذا العمل مخالفاً للقانون ومن ثم يحكم على زيد بالحبس والغرامة وكذلك مصادرة الأموال المتحصلة من جراء تلك الجريمة، ولكن إذ قام زيد بالتعامل على عملة البيتكوين في لندن أو الاكوادور وهى دول لا تجرم التعامل بالعملات المشفرة ومن ثم ربح مبلغاً مالياً وتم تحويله لحسابه بمصر هنا يمكن العجز التشريعي فالتداول وهو الفعل المجرم لم يتم في مصر ولكن تم في دولة لا تحرم تعاملات العملات الرقيمة وتجيزها ومن ثم فقد جاء بمصدر مشروع لتلك الأموال المحصلة من تداول البيتكوين وعليه لا يجوز في مصر مساءلته قانوناً عن هذا الفعل مراعاة لإقليمية القانون الجنائي ومن ثم يكون المال مشروع ولا نملك مصادرته ولكن المشرع المصري نسي طرح هذه الفكرة وعليه جاء النص قاصراً.

    فالنص على حالته الحالية لا يجرم الفعل خارج مصر احتراماً لمبدأ إقليمية القانون الجنائي وهو كما عرفه الأستاذ الدكتور/ محمود نجيب حسني سريان أحكام قانون العقوبات المصري على كافة الجرائم التي ترتكب على إقليم الدولة المصرية سواء أكان الجانى أو المجنى عليه فيها وطنياً أو أجنبياً وسواء أكانت الجريمة قد هددت مصالح الدولة صاحبة السيادة على الإقليم أو هددت مصالح دولة أجنبية ولهذا المبدأ شقان الأول إيجابي ويعني خضوع الجرائم التي ترتكب في إقليم دولة معينة لقانونها، والشق السلبي هو عدم تطبيق قانون الدولة على الجرائم التي ترتكب خارج اقليمها ولو كان مرتكبوها أو المجنى عليهم فيها من مواطنى الدولة، وقد شرعت المادة الأولي من قانون العقوبات المصري هذا المبدأ.

    ونرى أنه لا مجال لمحاسبة المتداولين على عملات البيتكوين خارج مصر وهو قصور واضح مع مراعاة أن التداول خارج مصر يجب أن يتم تجريمه في إطار احترام مبدأ إقليمية القانون الجنائي، وعلى ذلك فلو قام المشرع بتجريم جميع تداولات العملات المشفرة وناتجها كمصدر للأموال فلا تطاول في ذلك لمبدأ إقليمية القانون الجنائي لكون مصر دولة ذات سيادة تملك الحق في تحديد المصادر المشروعة وغير المشروعة للأموال التي تدخل أو تخرج منها ومن ثم يجرم المشرع الفعل كاملاً مع احترام مبدأ اقليمية القانون الجنائي.

   وإنطلاقا من ذات المبدأ يكون للدولة المصرية الحق في الرقابة على تعاملات العملات الأجنبية ورقابة عمليات التحويل من وإلى الدولة حفاظاً على اقتصادها القومي ولمحاربة عمليات غسيل الأموال، ومن ثم فلو أُضيف للنص الحالى نصاً مفاده أن محتصلات تداول العملات المشفرة خارج مصر لا تعد مصادر مشروعة للنقد الأجنبي وتكون التحويلات التي تتم بناء عليها مجرمة ويحاسب فاعلها بذات عقوبة التداول في العملات الرقيمة يستوي النص ونكون قد أحطنا بكل جوانبه وكذلك حافظنا على مبدأ إقليمية القانون الجنائي بما حواه قانون العقوبات.

   وفي الأخير العملات الرقمية تؤثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد القومي ويجب التصدى لها بكل حزم حتى تنهض الدولة في إطار الاستثمار الفعلى والحقيقي والبعد عن الاستثمار في العملات المشفرة والتي لا تعد بحال من الأحوال استثماراً مفيداً ومباشراً يساعد الاقتصاد القومى على النهوض بل على العكس تعد العملات الرقمية من وسائل إضعاف اقتصاديات الدول النامية.

زر الذهاب إلى الأعلى