العمالة الأجنبية بين التنظيم القانوني وتهديد فرص العمالة المصرية

بقلم د. أحمد عبد الله محكم ومحام بالنقض

العمالة الأجنبية بين التنظيم القانوني وتهديد فرص العمالة المصرية

في ظل قانون العمل الجديد رقم (14) لسنة 2025

 

جاءت نصوص قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 في عدد منها مثيرة للتساؤلات، ومن ضمن تلك النصوص جاء نص المادة الأولى من مواد إصدار القانون الذي يحدد نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص ليثير تساؤلاً، نجد من الأهمية استعراضه، وتناوله بالبحث، لما له من أثر على توظيف العمالة المصرية، و كذلك لما له من أثر على نسب البطالة أيضا بين العمالة المصرية، والتساؤل هو مدى خضوع العامل الأجنبي لأحكام قانون العمل الجديد، فهل يخضع العامل الأجنبي لأحكام قانون العمل الجديد ويكون مستحق للحقوق المقررة فيه، ام لا يخضع العامل الأجنبي لأحكام قانون العمل الجديد ومن ثم لا يكون مستحقا لما قرره هذا القانون من حقوق للعاملين الخاضعين لأحكامه، وبالتالي لا يتقيد صاحب العمل عند توظيفه العامل الأجنبي بالحد الأدنى من الخقوق التي يقررها قانون العمل الجديد للخاضعين لأحكامه، وبالتالي يكون للعامل الأجنبي ميزة تنافسية تفضله عن العامل المصري. ذلك أن المادة الأولى من مواد إصدار هذا القانون نصت على أن:

“يعمل بأحكام هذا القانون والقانون المرافق في شأن العمل.

كما تسري أحكامهما فيما لم يرد بشأنه نص خاص في عقود العمل الفردية أو اتفاقيات العمل الجماعية على العاملين الأجانب داخل جمهورية مصر العربية.”

ولا جدال في أن ما جاء به هذا النص على هذا النحو هو حكم مستحدث لم يكن منصوصاً عليه في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 حيث خلا نص المادة (4) من قانون العمل الأخير- وهي التي كانت تحدد نطاق القانون من حيث الأشخاص- من نص مماثل لما جاءت به المادة الأولى من مواد إصدار قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 فيما يتعلق بالعامل الأجنبي على النحو المبين بنص هذه المادة.

وقد نصت المادة (70) من القانون الجديد -التي أوردها المشرع ضمن أحكام الفصل الخامس بتنظيم عمل الأجانب- على أن:

“يخضع عمل الأجانب في جميع منشآت القطاع الخاص، ووحدات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، والهيئات العامة، والإدارة المحلية، والجهاز الإداري للدولة للأحكام الواردة في هذا الفصل وذلك مع مراعاة شرط المعاملة.”

ومفاد نص المادة الأولى من مواد اصدار قانون العمل الجديد ونص المادة (70) من ذات القانون أن العامل الأجنبي لا يخضع لأحكام قانون العمل إلا في حدود ما جاء بالفصل الخامس من الباب الثاني من الكتاب الثاني بشأن تنظيم عمل الأجانب، أما بالنسبة لباقي احكام قانون العمل فلا يخضع لها العامل الأجنبي إلا في حالة خلو عقد العمل الفردي أو اتفاق العمل الجماعي من نص حاكم بين الطرفين. فالأصل وفقا لحكم المادة الأولى من مواد إصدار قانون العمل هو خضوع العامل الأجنبي لأحكام عقود العمل الفردية أو اتفاقيات العمل الجماعية، وفي حال خلوهما من نص، يتم تطبيق أحكام قانون العمل الجديد باعتباره القانون العام.

ويؤيد هذا النظر أن المشرع ذاته عبر عن إرادته صراحة في قانون العمل الجديد أن يجعل أحكام عقد العمل الفردي هي الأصل، وأنه في حال خلو ذلك العقد من نص خاص يتم تطبيق احكام قانون العمل وذلك فيما نص عليه المشرع في المادة (74) من قانون العمل الجديد من أن:

“يلتزم صاحب العمل الذي يعمل لديه الأجنبي بإعادته إلى الدولة التي استقدم منها على نفقة صاحب العمل الخاصة حال انتهاء علاقة العمل، ما لم ينص عقد العمل على خلاف ذلك.”

فوفقاً للنص الأخير لا يطبق حكم المادة (74) إذا كان عقد العمل تضمن نصا على خلاف ذلك الحكم ذلك ما يؤكد أن المشرع أفصح عن إرادته صراحة العمل أن الأصل هو خضوع العامل الأجنبي لأحكام عقود العمل الفردية أو اتفاقيات العمل الجماعية، وفي حال خلوهما من نص خاص، يتم تطبيق أحكام قانون العمل الجديد باعتباره القانون العام، وذلك فيما عدا احكام المواد من (69) حتى (73) الواردة بالفصل الخامس من الباب الثاني من الكتاب الثاني بشأن تنظيم عمل الأجانب حيث لا يجوز لطرفي عقد عمل الأجنبي الاتفاق على ما يخالفها.

وهذا الحكم الجديد يثير التساؤل، هل إذا تضمن عقد العمل الفردي المبرم بين العامل الأجنبي وصاحب العمل نصاً مخالفاً لحكم من أحكام قانون العمل كأن اتفقا طرفي عقد عمل أجنبي على حق هذا العامل في إجازة 10 أيام في السنة، أو أن اتفقا على إستحقاق العامل أجرا يقل عن الحد الأدنى للأجور فهل يكون العقد باطلاً لتضمنه احكام تنتقص من الحقوق المقررة للعاملين في قانون العمل؟

ففي ضوء ما جاء به المشرع في قانون العمل الجديد من حكم مستحدث وفي ضوء وضوح نص المادة الأولى نرى عدم بطلان عقد عمل الأجنبي سواء في حالة الاتفاق على استحقاق العامل الأجنبي لرصيد إجازات يقل عما هو مقرر بأحكام قانون العمل الجديد، أو في حالة الاتفاق على أجر يقل عن الحد الأدنى للاجور، ذلك أن الأصل هو خضوع العامل الأجنبي لاحكام ونصوص عقد العمل الفردي، وعدم خضوعه لاحكام قانون العمل إلا في حالة خلو عقد العمل الفردي من نص خاص.

وهذا الحكم المستحدث وهو استبعاد العامل الأجنبي من الخضوع لأحكام قانون العمل إلا في حدود أحكام الفصل الخامس بتنظيم عمل الأجانب يمنح العمل الأجنبي ميزة تنافسية في مواجهة العامل المصري، ذلك -وعلى سبيل المثال-ان قبول العامل الأجنبي تعيينه بأجر يقل عن الحد الأدنى للأجور، أو قبوله بأي حقوق تقل عن تلك المقررة للعاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل الجديد، يجعل أصحاب الأعمال يفضلون تعيين الأجانب بدلا من تعيين العمالة المصرية، وذلك ما يتعارض مع سياسات الدولة المتعلقة بتشغيل العمالة الوطنية ومواجهة البطالة بينها.

لذا نوصي السلطة التنفيذية أن تتشدد في شروط التصريح للعمالة الأجنبية بالعمل داخل جمهورية مصر العربية، والحيلولة دون السماح للعمالة الرخيصة -من غير ذوي المهارات ومنخفضي المهارة ممن يحملون جنسيات الدول التي تعاني من مشكلات سياسية واقتصادية- من العمل داخل مصر، وقصر التصريح للعمالة الأجنبية ذات المهارات النادرة وبغرض نقل خبراتهم للعمالة الوطنية، وكذلك نوصي السلطة التنفيذية ممثلة في السيد وزير العمل باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بإلزام المنشآت بالامتثال لأحكام القانون والقرارات المنفذة له، وعلى الأخص الالتزام بمنع توظيف هذه النوعية من العمالة.

زر الذهاب إلى الأعلى