العلاقات الخارجية في الإسلام

بقلم؛ الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين

نشر بجريدة الشروق الخميس 30/9/2021

لا شك أن نظام الحكم فى دولة أو أمة ، وثيق الصلـة بعلاقاتهـا الخارجيـة ، فحيثما وجد الحكم المطلق تعذر السلام بين الدول ، ومالت العلاقات بينها إلى ناحية الحرب أو العداء .

وعلى خلاف ما يعتسف البعض نسبته إلى الإسلام ، فإن حقيقة الواقع أن الديمقراطية الإسلامية أوفق النظم الحكومية لتمكين العلاقات السلمية بين الإنسان ، وتبين ذلك من منظور أقسام العالم فى نظر الإسلام .

فالعالم الإنسانى بالنسبة للدولة الإسلامية ، إما مسلمين ، وإما معاهدين ، وإما أعداء أو محاربين .

أما الأمم الإسلامية ، أو دار الإسلام كما يسميها الفقهاء ، فالقتال بين أهلها حرام ، ودعنا مما يجرى الآن من الدواعش وباقى جماعات العنف المتأسلمة من تقتيل وذبح وحصدٍ لأرواح المسلمين وحروب أهلية ، فالحديث هنا عن الإسلام كما هو وكما قامت دعوته فى زمن النبوة والخلافة الراشدة ، فإن القاعدة أن القتال بين المسلمين وبين الأمم الإسلامية حرام ، وبنص القرآن الحكيم والسنة النبوية التى عنى الأستاذ العقاد بإيراد نصوصها .

أما التعاهد ، والمعاهدون ، فمحكوم فى الإسلام بالوفاء بالعهد : « وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً » ( الإسراء 34 ) ، ولا استثناء فى ذلك لعهود المشركين ما داموا لا ينقضون عهدهم .. « إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » ( التوبة 4 )

ومن لم يكن من المسلمين ولا من المعاهدين ، فلا يحارب وإنما يدعى إلى الإسلام إذا شاء ، أو إلى المعاهدة ، والدعوة سبيلها محدد بالقرآن الحكيم : « ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » ( النحل 125 ) .

وحجة الدين هى الإقناع والمجادلة بالتى هى أحسن ، ولا إقناع بإجبار ولا قسر ولا إكراه ولا إرغام : « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » ( البقرة 256 ) .

ولا يجب الجهاد إلاَّ حين تتجبر القوة وتقف سدًّا فى سبيل الدعوة الداعية بالحسنى والموعظة الحسنة ، بل والمسلم غير منهى عن مسالمة من يسالمه : « لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » ( الممتحنة 8 ، 9 ) ، بل والمسلم مدعو إلى السلم ما دام « الباغى » قد عدل عن بغيه وعدوانه وجنح إلى السلم : « إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً » ( النساء 90 ) ، « وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ( الأنفال 61 ) ، بل إن الجنوح إلى السلم دعوة مقبولة حتى وإن شابتها مظنة الخديعة : « وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ » ( الأنفال 62 ) ( فيما تقدم كتابنا عالمية الإسلام . مطبوعات الأهرام 2003 ـ ص 147 ـ 179 ) .

وينبغى للمؤرخ المنصف ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ أن يذكر أن المسلمين كانوا ضحية للسيف قبل أن يضطروا للرد به ويغلبوا أعداءهم ، فكان الإقناع سابقًا للدفاع ، ولم يأت الدفاع إلاَّ حين بطل الإقناع وتعرضوا للصد والهجوم .

ويورد الأستاذ العقاد « إننا قد رأينا دولاً تفرض على بعض البلاد أن تفتح لها أسواقًا للتجارة وإلاَّ فتحتها عنوة بمفردها أو بالاتفاق مع غيرها ، ورأينا دولاً تقتحم البلاد وهى تدعى أنها تفتحها للحضارة وتؤدى فيها أمانة الرجل الأبيض ورسالة التقدم ، ورأينا دولاً تعلن على الملأ أنها اعتبرت إقليمًا من الأقاليم داخلاً فى حوزتها وحظرت معاملته بغير وساطتها ، وأنها تنذر الدول الأخرى أنها تنظر إلى من يخالفها فى ذلك نظرة العداء أو تحسبه مقدمًا على عمل من أعمال الأعداء ، وكل ذلك يستباح باسم التجارة أو العمارة ، ولا يبلغ حقه ـ إن جاز أن يسمى حقًّا ـ مبلغ الحق الذى يفرضه الإنسان لهداية الإنسان ، ويعلق عليه صلاح النفس وصلاح ضمير العمران .

« والإسلام على كل حال يوجب الدعوة إلى الخير وينظر إلى السلطة التى تقف فى سبيلها نظرة عداء ، ويعاملها معاملة من لا أمان له ، إلاَّ أن تعاهده على الأمان فلها مثل ما له وعليها مثل ما عليه .

« وقد أُمِر المسلمون بأنواع من الجهاد منها : مقاتلة المعتدين عليهم : « وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » ( البقرة 190 ) ، ومنها الجهاد بحجة الكتاب والإعراض عن منكريه :« فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا » ( الفرقان 52 ) ، ومنها الجهاد لمن لا يقبلون الدعوة ولا يعاهدون على الأمان .

« فإذا وجب هذا الجهاد فالمسلم مأمور فيه بقتال المقاتلين دون غيرهم فلا يحل له قتل امرأة ولا صبى ولا شيخ ولا مقعد ولا يابس الشق ولا أعمى ولا مقطوع اليد ولا معتوه ولا راهب فى صومعة ولا سائح فى الجبال لا يخالط الناس ، وقد جمع الخليفة الأول وصايا النبى عليه السلام للمقاتلين فقال : « لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلاَّ لمأكلة ، سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم للصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له … » .

« وقد أقر الإسلام الأمان والموادعة والمهادنة فى القتال وجعل لكل منها شرطًا وأمر برعاية عهودها جميعًا ، إلاَّ أن يتبين القائد المسئول غدرًا مبيتًا من جانب عدوه فلا جناح عليه أن يأخذ بالحيطة فى الهجوم قبل الغارة عليه .

« فالأمان فى تعريف الفقهاء هو : « رفع استباحة الحربى ورقه وماله حين قتاله أو العزم عليه » وتكفى فيه الإشارة التى يفهمها من يطلب الأمان .

« والاستئمان : « تأمين حربى ينزل لأمر ينصرف بانقضائه » .

« والمهادنة : « عقد المسلم مع الحربى على المسالمة مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام » .

« والموادعة : « عقد غير لازم محتمل للنقض » ؛ فللإمام أن ينبذ إليهم لقوله تعالى : « وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء … » ( الأنفال 58 ) ويشترط فى نقضه أن يبلغ إلى رئيس العدو وأن يبلغه الرئيس إلى قومه « لأن الخبر إذا لم يبلغهم فهم على حكم الأمان الأول فيكون قتالهم منا غدرًا » . » .

زر الذهاب إلى الأعلى