الطعن على الحكم لعيب مخالفة قضاء الإدارية العليا

المستشار الدكتور/ إسلام إحسان ـ نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية

بينت المادة 23 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 أحوال الطعن على أحكام محكمة القضاء الإدارى و المحاكم التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا ، إذ نصت على أنه يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا فى الأحوال الآتية :

1 – إذا كان الحكم المطعون فيه مبنيا على مخالفة القانون أو خطأ فى تطبيقه أو تأويله.

2 – إذا وقع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم.
3 – إذا صدر الحكم على خلاف حكم سابق حاز قوة الشئ المحكوم فيه سواء دفع بهذا الدفع أو لم يدفع .

ويكون لذوى الشأن ولرئيس هيئة مفوضى الدولة أن يطعن فى تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم وذلك مع مراعاة الأحوال التى يوجب عليه القانون فيها الطعن فى الحكم.

أما الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى فى الطعون المقامة أمامها فى أحكام المحاكم الإدارية فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا إلا من رئيس مفوضي الدولة خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم وذلك إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا أو إذا كان الفصل فى الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني لم يسبق لهذه المحكمة تقريره.

و قد ثارت تساؤلات حول ما إذا كانت محكمة القضاء الإدارى و المحاكم التأديبية تتقيدان فى أحكامهما بأحكام و مبادىء المحكمة الإدارية العليا ، بحيث إذا خالف الحكم الصادر من اياً من المحكمتين ما أستقر عليه قضاء الإدارية العليا فهل يعيب ذلك الحكم ، و يكون سبباً للطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا .

ذهب رأى إلى أن مخالفة الحكم ما أستقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا ، لا يكون سبباً للطعن على الحكم ، و لا يؤدى الى تعييبه ، و أستند ذلك الرأى إلى أن أسباب الطعن المبينة بالمادة 23 المشار إليها فى الفقرة الأولى من تلك المادة لم تتضمن ما يفيد ذلك ، و من ثم يجوز للحكم أن يخالف ما أستقر عليه قضاء الإدارية العليا من مبادىء و أحكام طالما أنه أستند فيما قضي به إلى أسباب سائغة و مقبولة قانوناً ، و بالتالى لا وجه لتقييد محكمة القضاء الإدارى و المحاكم التأديبية بأحكام الإدارية العليا لعدم الأخذ بنظام السوابق القضائية فى القضاء الإدارى و التأديبي المصري .

و من جانبنا لا نؤيد ذلك الرأى ، و نرى أن مخالفة الحكم الإداري أو التأديبي لما أستقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا يعيب الحكم ، و يكون سبباً للطعن عليه للأسباب الأتية :-

أولاً ..  لما كان من المستقر عليه أنه لا إجتهاد مع صراحة النص ، و أن اعمال النص القانونى خير من اهماله ، و كانت الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1972 نصت على أن  الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى فى الطعون المقامة أمامها فى أحكام المحاكم الإدارية يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا من رئيس مفوضي الدولة إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا.

إذن النص واضح و بين تماماً فى أن صدور الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا سبب للطعن على الحكم ، و هو ما يقطع بأن محكمة القضاء الإدارى لا يجوز لها أن تخالف فى أحكامها ما أستقرت عليه الإدارية العليا ، و لا ينال من ذلك أن المشرع أناط برئيس هيئة مفوضى الدولة إقامة الطعن ، إذ أن ذلك مجرد تنظيم إجرائي لتحديد ذو الصفة فى رفع الطعن فى حالة ما إذا كان الحكم صادر من محكمة القضاء الإداري بصفتها محكمة إستئناف لأحكام المحاكم الإدارية ، دون أن يقصر النص ذلك السبب من أسباب الطعن على تلك الحالة وحدها دون غيرها ، لا يؤدى بالتالى إلى حرمان الخصوم من حقهم فى الطعن على سائر الأحكام إذا شابها ذات العيب   .

ثانياً .. المذكرة الايضاحية لقانون انشاء المحكمة الادارية العليا  رقم 165 لسنة ١٩٥٥  اوضحت طبيعة دور المحكمة و الهدف من انشائها و الذي يتعارض مع مخالفة احكامها من المحاكم الادنى ،  إذ جاء بها ان الحكمة من إنشاء المحكمة أنه سيكون لها القول الفصل فى فهم القانون الاداري و تأصيل احكامه و تنسيق مبادئه و استقرارها و منع تضارب الاحكام ، لا شك ان ذلك ينبئ عن دورها بالنسبة للمحاكم الادنى ( القضاء الادارى – التأديبية – الادارية ) ، و هو دور لا يتأتى القيام به إذا جاز للمحاكم الأخرى ان تخالف فى أحكامها المبادىء التى ترسيها المحكمة الإدارية العليا .

ثالثاً  .. نصت المادة 54 مكرر  من القانون ٤٧ لسنة ١٩٧٢ على انه إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا ، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى ،  فى حين لم يرد مثل ذلك النص و ما به من تنظيم إجرائى بالنسبة لمحكمة القضاء الاداري .

و من ذلك يبدو عدم صحة الرأى القائل ان لمحكمة القضاء الادارى ان تخالف احكام الادارية العليا او لا تتقيد بها ، إذ أنه لو كان ذلك صحيحاً فانه بذلك تكون محكمة القضاء الادارى فى وضع افضل من المحكمة الادارية العليا التى قيدها المشرع على هذا النحو و أوجب عليها اتباع ما نصت عليه المادة ٥٤ اذا رأت مخالفة ما استقرت عليه المحكمة ، و على ذلك أضحى من المتيقن القول بأنه لا يستساغ عقلاً و لا يقبل منطقاً ان تتمتع محكمة ادنى بما لا تتمتع به المحكمة الأعلى فى السلم الهرمى لتدرج المحاكم بجهة القضاء الاداري

لذلك ارى ان التفسير المنطقى المقبول لذلك هو أن المشرع لم يورد نص مماثل للمادة ٥٤ مكرر بالنسبة لمحكمة القضاء الاداري لانه لا يفترض أصلاً ان تخالف فى احكامها مبادئ المحكمة الادارية العليا .

رابعاً .. إعتبارات الاستقرار القانونى للمراكز القانونية المختلفة تقتضي الإلتزام بالمبادئ التى ترسيها المحكمة الادارية العليا ، و ذلك حتى تكون الجهة الإدارية و الموظف العام على بينة من أمرهما فيما يقومان به من تصرفات قانونية مما يؤدى إلى إستقرار المعاملات و المراكز القانونية .

خامساً .. الاستدلال بأن المحاكم  التأديبية و القضاء الاداري دأبتا فى بعض أحكامهما على مخالفة أحكام  المحكمة الإدارية العليا كدليل على أن ذلك لا يعد عيباً ينال من سلامة الحكم ،  إستدلال غير منتج  ، لان  جريان العمل على مخالفة القاعدة الواردة بالنص لا يكتسب شرعية تعطيل النص ، فالخطأ المشهور لا ينال من الصحيح المهجور  .

سادساً .. لم يصدر عن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا ثمة مبدأ على الاطلاق بأن للقضاء الاداري أو للمحاكم التأديبية ان يخالفا مبادئ الادارية العليا  .

سابعاً ..  القول بأن تغير الظروف الاجتماعية و الاقتصادية تدعو أحياناً الى تعديل المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليا ، لا يصح أن يكون مبرراً لعدم الإلتزام بما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة ، إذ ان الإستجابة للظروف الإجتماعية و الواقعية يكون بواسطة  المحكمة الادارية العليا ذاتها التى لها أن تعدل عن قضائها ، و من ثم لا يسوغ للمحاكم الأدنى أن تسلك ذات المسلك فى أحكامها دون سند قانونى  .

ثامناً ..  إقرار جواز مخالفة الحكم لأحكام و مبادىء الإدارية العليا سيتسبب فى  اضطراب بين دوائر القضاء الاداري و المحاكم التأديبية على مستوى الجمهورية فى ذات التطبيق للقاعدة القانونية ، فى حين ان المحكمة الادارية العليا محكمة واحدة الاصل انها التى تتولى  توحيد التطبيق القانونى و العدول عن المبادئ المستقرة و من ثم يجدر التقيد بأحكامها .

لذلك نخلص إلى أن مخالفة الحكم لما أستقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا يعيب الحكم و يكون سبباً مستقلاً للطعن عليه بالإضافة لأحوال الطعن الثلاثة الواردة بالمادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1972 .

زر الذهاب إلى الأعلى