الطعنات الطائشة !

الطعنات الطائشة !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 6/2/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

في تعقيب له على الحملة التي شنت على روايته: « وليمة لأعشاب البحر » ـ بعد أكثر من 15 سنة من نشرها، وبعد سنوات لا أذكرها من دخولها مصر ـ قال الروائي السوري تعقيبًا على هذه الأزمة : « لقد منحتني شهرة لم أسع إليها » !!

وأحسب أن هذه المقولة ـ الصادقة ! ـ تنطبق بحذافيرها بل أكثر انطباقًا على سلمان رشدي المحسوب على الروائيين بروايته: « آيات شيطانية ».. وتنطبق على أفلام صاحبت إطلاقها دعاية لإثارة الاحتقان ليرتد نفعًا وترويجًا وتسويقًا للفيلم المتواضع الذي كان سيذهب بالتأكيد إلى زوايا النسيان لولا الاحتقان والهيجان وسيل التغطيات الصحفية والفضائية التي تتابع التشنجات وتراها مادة خصبة لترويج الصحيفة أو المحطة التليفزيونية الفضائية أو الأرضية، ولا بأس أيضًا من الترويج لمقدم البرنامج أو محرر الصحيفة، بينما يطير الروائي أو المصنف الفيلمي إلى العالم في دعاية مجانية واسعة غير مدفوعة الثمن، تلفت الأنظار إلى الكاتب أو المؤلف أو المخرج أو الممثل، مثلما تستدعى الجمهور إلى منافذ بيع الرواية أو إلى دور عرض الفيلم السينمائي، وينال العمل وصاحبه شهرة لا يستحقها، لعل أكبر أمثلتها في السنوات الأخيرة الآيات الشيطانيـة للمدعـو سلمـان رشدي !

كان من مفارقات أمثولة: سلمان رشدي، أن يُمنح لقب فارس الذي أسبغته عليه ملكة بريطانيا التي كانت عظمى ومرت بإمبراطوريتها سنوات طويلة لم تكن تغرب عنها الشمس.. يومها دعوت المسلمين، ودعوت نفسي، إلى تجاهل هذا التكريم واللقب ومانحته والممنوح له، فلا المانحة فارسة، ولا الممنوح له فارس، ولا ينتمي إلى شجرة وسجايا الفروسية التي تضم الشجاعة والبسالة والمروءة والصدق والشهامة..

وقد صدق حدسي، مر الحدث بلا تعقيب أو بلا تعقيب كبير، ودخل الوسام واللقب في مزبلة التاريخ، ولم يعد أحد يذكر الفارس ولا عمله الرديء الذي عرف رداءته من اطلع عليه واكتشف ما فيه من خلط وتخليط بين الخيال الروائي وهو مباح، وبين حقائق التاريخ التي لا يجوز تحريفها أو الكـذب فيها !

أردت أن أقول إن مثل هذه الطعنات الطائشة، تأتى بعكس المقصود بها، ولا تنفع من حيث تصور الطاعن أنه يصيب.. مثل هذا بدأ يشيع في تعقب كثير من الأعمال والقرارات والمصنفات ـ ترفع بشأنها دعاوى ممن لا صفة لهم، فيكون مآلها اليقيني عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، وتطلب طلبات لا يجوز طلبها كسحب الجنسية التي لا يملك القضاء نفسه سلطانا عليها لأنها من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة سلطة القضاء، وإذا ما تأملنا حصاد الدعاوى التي رفعت بغير صفة أو بغــير مبنـى، سنرى أن الحصاد « صفر » بالثُلُث وبكل الخطوط العربية واللاتينية وبكل لغات وأرقام الأرض !

على أن « الصفر » لا يقتصر مداه على خلو الوفاض والبوء بالخسران، لأنه فيما يعرفه العارفون يحصن العمل أو التصرف أو القرار بما يُسمى عدم جواز نظر الدعوى مستقبلا لسابقة الفصل فيها، فيغلق الباب على أي دعوى في المستقبل ولو كان مبناها صحيحًا، ثم هو فضلا عن التحصين يروج للعمل وصاحبه ولموضوع القرار ترويجًا مجانيًّا يلاحق الناس في بيوتهم على موجات الأثير أو شاشات التليفزيون، وفي قراءاتهم للصحف والمجلات والدوريات !

قد يتساءل حسنو النية، لماذا لا يتعظ أصحاب هذه المبادرات الخائبة، والجواب واضح وبسيط هو غياب العقل.. فلو حَضَر العقل لأدرك المحتقنون الغيورون أن الاحتقان سيأتي بنقيض غايته، وأن طعناته ستطيش عن هدفها وغايتها، وسترتد لنفع من أثار ـ بسوء صنيعه ـ الغيرة والاحتقان !

ولو كان العقل حاضرا ـ بدلاً من عرض النفس وإبداء الشطارة والغيرة المصطنعة، لأدرك رافعو الدعاوى بلا صفة أن تراكم هذه الإخفاقات لما يرفعونه من قضايا طائشة، سيرتد بالسوء عليهم وعلى سمعتهم ونظرة الناس إليهم، وأنهم لن يغنموا شيئًا، ولن يلاقوا إلاّ حصاد الهشيم، والاستخفاف بهم وبأعمالهم، وضياع ما ينبغي أن يتوفر لممارس المهنة من مكانة وصدق واحترام ووقار !

لا تملك حين تراقب مثل هذه المشاهد، إلاّ أن تتحسر على غيبة العقل، وتذكر المثل السائر من سنين دون أن يتعظ به أحد: « رزق الهبل على المجانين » !!!

زر الذهاب إلى الأعلى