الطبيعة القانونية لاتحاد الكونسورتيوم

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى

تنوعت أشكال وأنواع التجارة البينية بين دول العالم في العصر الحالي، ومع هذا التنوع الكبير ظهرت مشاريع كبيرة وضخمة يصعب على أي كيان متواجد على الساحة أن يقوم بها منفرداً، فظهرت فكرة التحالفات، وهي أن تتحد عدة شركات في مشروع واحد تتولى كل شركة تحقيق هدفاً محدداً في هذا المشروع.

وبذلك أصبح تحالف الكونسورتيوم أداة قانونية فعالة لمواجهة المشروعات الكبري التي تحتاج في صياغتها إلى تواجد عدة كيانات كبيرة تقوم بتنفيذ المشروع، وكلمة “Consortium” مصطلح لاتيني الأصل، يستخدم باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويعني “تحالف” أو “شراكة مؤقتة”؛ حيث يشيرُ في عالم الأعمال إلى تحالف عدة شركات أو كيانات قانونية، لتوحيد جهودها في مشروع محدد، لفترة زمنية معينة، وبعد الانتهاء من المشروع يحل المتحالفون هذا التحالف.

والهدف من عقود الكونسورتيوم هو تحقيق التكامل بين الشركات المختلفة، للاستفادة من خبراتها المشتركة، وتوزيع المخاطر بينها، خاصة في المشاريع التي تفوق قدرات أي شركة بمفردها؛ كمشاريع بناء المطارات، أو السدود، أو محطات الطاقة النووية، والتي تتطلب تمويلًا ضخمًا، وتكنولوجيا معقدة.

فرض الوضع الحالي وجود مثل هذا النوع من العقود، نظراً لما يتحويه المشروع من تداخلات بمجالات مختلفة، فيمكن أن يكون المشروع متعدد المحاور كمشاريع المفاعلات النووية التي تستخدم عادة مجموعة من الشركات – المقاولات – شركات التكنولوجياً – وغيرها) كذلك مشاريع مترو الانفاق، ما جعل هذا النوع من العقود يحظي باهتمام بالغ من جميع المهتمين.

يمثل الاندماج في مشروع واحد اندماجاً بين الشركات في هذا المشروع فقط، فلا يمثل بحال من الاحوال إندماجاً عاماً بين الشركات أو انصهار الشخصية المعنوية المستقلة لكل شركة في هذا الاتحاد، وفي القانون المصري نجد أن المشرع المصري ارتكن إلى القواعد العامة في تحديد الطبيعة القانونية لهذا النوع من العقود، فنصت المادة (147) من القانون المدني على أن العقد شريعة المتعاقدين، وبذلك أصحبت عقود الكونسورتيوم صورة من صور العقود العامة.

ومع كون هذا التحديد يحمل ميزة قوية في بيان الالتزامات وتحديد شروط العقد، إلا أننا نرى أنه قصور واضح في بيان الطبيعة القانونية لهذا الاتحاد، ففي مقال سابق نشر بالموقع الرسمي لنقابة المحامين بعنوان -امتداد اتفاق التحكيم للغير في عقود المقاولات وأثره على مبدأ النسبية – تناولنا مشكلة شرط التحكيم الذي قد يمتد إلى الغير في حالات ظهرت نتيجة لتنفيذ بعض العقود، ففي حالة مجموعة العقود يمكن أن يرد شرط التحكيم في واحد منها ولكنه لا يرد في الأخر ومن هنا ظهرت فكرة الامتداد كاستثناء على الأصل العام المقرر بنسبية أثر شرط التحكيم.

تواترت المشكلات الناتجة عن نسبية أثر اتفاق التحكيم فالنسبية تعني أن الالتزام لا ينصرف إلا إلى العاقدين ولا يحتج به على الغير ، ورغم محاولة هيئات التحكيم للتصدي لهذا الأثر السالب لاختصاص التحكيم إلا أن الموضوع لم يحصل على أهمية علمية في البحث والتدقيق بدراسات تأصيلية للوقوف على حالا قبول أو رفض أو أدخال خصوم جدد بالدعوى التحكيمية.

ومن هذا المنطلق نجد أن تحديد الطبيعة القانونية لاتحاد الكونسورتيوم تحتاج إلى إعادة صياغة، إذ يجب على المشرع أن يتناول طبيعة هذه العقود، فمع كون اتحاد الكونسورتيوم ذو طبيعة خاصة كونه لا يحمل صفات الشركة ولا يتمتع بأهم خواصها من رأس مال وخلافه، إلا أنه في الحقيقة يمثل اتحاداً شاملاً في مشروع، فالمشروع له مواصفات تسليم وله أهداف ومحدد بزمن معين، وبذلك تتولد مسؤوليات متعددة ناتجة عن هذا الاتحاد، كما أنه لا يشبه شركة المحاصة فلا يظهر أحد الأعضاء فيه بمظهر المسيطر الفعلي بل إن الجميع يكون مسؤول في حدود مسؤولياته، لا تصلح الفكرة العامة في العقود لمعالجة أحكامه لوجود تضارب مع فكرة الاتحاد ذاتها.

مما سبق وبالبناء عليه نرى ضرورة تنظيم اتحاد الكونسورتيوم تشريعياً بشكل مستقل ينظم طبيعة العلاقة بين الأطراف، كما ينظم ما يمتد وما لا يمتد من الشروط العامة بالعقد الاساسي، ويناقش أفكاراً كالتحكيم ومواصفات التسليم والمسؤول الفعلي عنها، حتى تقف الشركات على حدود مسؤولياتها وبالتالي تحديد أسس ومعايير الاتحاد.

ختاماً يجب أن يتم تنظيم اتحاد الكونسورتيوم تشريعياً بقانون يسمح بتحديد طبيعة قانونية خاصة لهذا الاتحاد، ويحدد المسؤوليات والواجبات التي تقع على عاتق كل طرف، كما يحدد الشروط المفروضة على كل طرف، ونرى أن تتم معاملة الاتحاد تشريعياً بعملية فصل لازمة بين العقد الاساسي والعقود التابعة، وهو فصل منظم – كمبدأ الفصل بين السلطات دستورياً – فالصل ليس فصلاً تماماً بل هو فصل لتحديد حدود اختصاص كل طرف وما هي التزامات كل طرف، وبالتالي نقف على حدود المسؤولية في هذه العقود، والموضوع يحتاج إلى بحث أدق وأعمق وهو ما سنحاول تناوله في مقاولات أخري.

 

زر الذهاب إلى الأعلى