الضمان القانوني في عقد المقاولة

 

بقلم: الأستاذ/ يوسف أمين حمدان

ألزم المشرع المصري في القانون المدني المصري المقاول والمهندس المعماري بالضمان القانوني للمبنى الذي تم تشيده لمده عشرة سنوات لذلك سماه الفقهاء بـ(الضمان العشري).

حيث نصت المادة ١/٦٥١ من القانون المدني على أنه “يضمن المهندس المعماري والمقاول متضامنين ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيدوه من مبان أو أقاموه من منشآت ثابته أخرى وذلك ولو كان التهدم ناشئا عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة، مالم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة اقل من عشر سنوات”.

جعل المشرع مسئولية المقاول والمهندس المعماري مسئوليه تضامنية فيما يحدث من تهدم كلى أو جزئي للمبنى خلال عشره سنوات، ولكن هل للضمان القانوني أو العشري شروط لتحقق المسئولية؟

فمن البديهي من وجود عقد مقاولة يكون مصدر التزامات المقاول والمهندس المعماري تجاه مالك المشروع، فلا يقوم ضمان المهندس المعماري أو المقاول طبقا لنص المادة سالفه الذكر، إلا إذا وجد عقد مقاولة بين رب العمل وبين المهندس المعماري.

ولقد عرف القانون المدني عقد المقاولة في المادة ٦٤٦ على أنه “المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بأن يصنع شيئا أو أن يؤدى عملا لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر”.

وقد قضت محكمة النقض بأن:

“ضمان المهندس المعماري لتهدم البناء والعيب التي تهدد سلامته أساسه المسئولية العقدية المنصوص عليها في المادتين(٦٥٢،٦٥١) من القانون المدني، فهو ينشأ عن عقد مقاولة يعهد فيه رب العمل إلى المهندس المعماري القيام بعمل لقاء أجر، فإذا تخلف عقد المقاولة فلا يلتزم المهندس المعماري قبل رب العمل بهذا الضمان، وإنما تخضع مسئوليته للقواعد العامة في المسئولية المدنية، وإذ كان الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه لا تربطه بالمطعون ضدها الأولى (وهي صاحبة العمل) أية رابطة عقدية وأن عمله اقتصر على حساب تكاليف الإنشاءات الخرسانية كمشورة فنية مجانية قدمها للمرحوم المهندس، بناء على المعلومات الفنية الخاصة بالتربة التي تلقاها منه وأن مهندسا آخر هو الذي قام بوضع التصميم النهائي للبناء، فإن الحكم المطعون فيه، وقد انتهى في قضائه إلى أن الطاعن مسئول عن ضمان العيوب التي ظهرت في البناء باعتباره المهندس المعماري الذي قام بوضع التصميم مع ما ذهب في أسبابه من أن المرحوم المهندس…، مورث المطعون ضدها الثلاثة الآخرين كلف آخر بعمل رسومات (الفيلا) ودون أن يستظهر الحكم العلاقة بين الطاعنين والمطعون ضدها الأولى ليستبين ما إذا كانت ناشئة عن عقد مقاولة، أم عن مجرد مشورة قدمها الطاعن بالمجان عن حساب تكاليف الإنشاءات الخراسانية للفيلا وذلك تحقيقا لدفاع الطاعن الجوهري، الذي إن صح لتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون شابه قصور في التسبيب”.

(طعن رقم ٢٤١ لسنة ٤٠ق جلسة ١٩٧٥/٥/٢١)

أما عن الشرط الثاني فهو ما نصت عليه المادة ٦٥١ في فقرتها الأولى تشيد مبنى أو إقامة منشآت ثابتة، فلا تخضع للضمان المنشآت الغير ثابتة والتي تكون قابلة للفك و التركيب، ويقصد بالمباني كل ما يرتفع فوق سطح الأرض من منشآت ثابتة من صنع الإنسان، بحيث يستطيع الفرد أن يتحرك بداخلها وتوفر له حماية ضد المخاطر الناتجة عن المؤثرات الطبيعية الخارجية، وأيا كانت المواد التي شيدت منها، سواء كانت بالطوب أو الحجارة أو الخرسانة أو البلاستيك أو حتى بالحصير والأخشاب فالشرط أن يكون البناء ثابتا في مكانه لا يمكن نقله دون تلف أو هدم، ولم تحدد المادة السالفة غرض المبنى فيستوى في ذلك أن يكون معد للسكنى أو لمباشرة نشاط تجاري أو صناعي أو إداري أو ترفيهي مثل النوادي والملاهي، كما ينص المشرع على ضمان العيوب التي يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته حيث تنص المادة ٦٥١ في الفقرة الثانية على أنه “ويشمل الضمان المنصوص عليه في الفقرة السابقة ما يوجد في المباني والمنشآت من عيوب يترتب عليها تهديد متانة البناء وسلامته”.

ويترتب على هذا النص عدة شروط أخرى، وهي أن يكون العيب من الخطورة بحيث يهدد سلامة البناء أو متانته، وأن يكون العيب خفيا.

وقد قضت محكمة النقض في ذلك:

“إن عقد استئجار الصانع لعمل معين، بالمقاولة على العمل أو بأجرة معينة على حسب الزمن الذي يعمل فيه أو العمل الذي يقوم به، يعتبر بحسب الأصل منتهيا بانقضاء الالتزامات المتولدة عنه على الصانع ورب العمل بتسلم الشيء المصنوع مقبولا وقيام رب العمل بدفع ثمنه، لكن القانون المصري على غرار القانون الفرنسي قد جعل المقاول والمهندس ضامنين متضامنين عن الخلل الذي يلحق البناء في مدة عشر سنوات ولو كان ناشئا عن عيب في الأرض أو عن إذن المالك في إنشاء أبنية معيبة، بشرط ألا يكون البناء في هذه الحالة الأخيرة معدا في قصد المتعاقدين لأن يمكث أقل من عشر سنين (المادة ٤٠٩ من القانون المدني المقابلة للمادة ١٧٩٢من القانون الفرنسي)، فبذلك مد القانون ضمان المقاول والمهندس إلى ما بعد تسلم المباني ودفع قيمتها على خلاف ما يقتضيه عقد المقاولة من انقضاء الالتزام بالضمان بتسلم البناء مقبولا بحالته الظاهرة التي هو عليها، ويجب لقبول دعوى الضمان هذه أن يكون العيب المدعى في البناء خللا في متانته، وأن يكون خفيا بحيث لم يستطع صاحب البناء اكتشافه وقت التسليم، أما ما كان ظاهرا ومعرفا فلا يسأل عنه المقاول مادام رب العمل قد تسلم البناء من غير أن يحتفظ بحق له”.

(طعن رقم٥٧ لسنة ٨ ق جلسة ١٩٣٩/١/٥)

ويثور التساؤل هل عيوب التربة تعفي من المسئولية؟

وفقا لنص المادة ٦٥١ الفقرة الأولى لا يعتبر عيب التربة سببا أجنبيا لإعفاء المقاول والمهندس المعماري من المسئولية، ذلك لأن بوسع المقاول بل هو من صميم أعماله القيام مسبقا بالاختبارات الفنية للتأكد من صلاحية التربة للبناء عليها، وبالتالي فإن حدوث هبوط للأرض التي شيد عليها البناء بفعل الأمطار ولو كانت أمطارَا استثنائية لا يعتبر قوة قاهرة، لأن مثل هذه الأمطار تعتبر أمراَ متوقعاَ وكان بالوسع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.

فماذا عن التعلية على أبنية قديمة، فإن العيوب الموجودة في المبنى القديمة لا تعتبر سببَا أجنبيَا يستطيع به المقاول دفع مسئوليه، إذ كان بالوسع فحصها وكشف ما بها من عيوب، ويقوم هذا الحكم على القياس على الحكم المقرر بخصوص عيوب التربة.

هل يعفي من المسئولية خطأ مالك المشروع؟

لا يعتبر خطأ مالك المشروع سببَا أجنبيَا للمقاول أول المهندس المعماري، إلا إذا توافرت فيه خصائص السبب الأجنبي، فلا يعفى المقاول والمهندس المعماري من المسئولية إدا قاما بتنفيذ تعليمات خاطئة من رب العمل أو تدخل هذا الأخير في أعمال البناء، بفرض مواد رديئة استخدمت في أعمال البناء.

ويثور أيضا التساؤل هل يلتزم المقاول من الباطن بالضمان القانوني؟

فقد نص المشرع على عدم سريان الضمان على المقاولين من الباطن في الفقرة الرابعة من المادة ٦٥١مدني على أن “ولا تسرى هذه المادة على ما قد يكون للمقاول من حق الرجوع على المقاولين من الباطن”، فإذا تعاقد المقاول الأصلي مع مقاول من الباطن على أن يقوم الأخير ببعض الأعمال كالأعمال الصحية والنجارة، فلا يكون المقاول من الباطن ملتزما بالضمان نحو المقاول الأصلي أو نحو مالك المشروع إلا بمقدار ما تقضى به القواعد العامة، والسبب في ذلك أن الضمان الوارد بالمادة ٦٥١ ضمان مشدد، اقتضاه مركز كل من رب العمل أو مالك المشروع والمقاول أو المهندس، فمالك المشروع يكون عادة رجلا غير فنى وغير خبير، فأراد القانون أن يحميه ضد المقاول والمهندس وهما من رجال الفن والخبرة، وليس هذا هو مركز المقاول الأصلي من المقاول من الباطن، فكلاهما من أهل الفن والخبرة، ولا يوجد مقتضى لحماية مشددة تمنح للمقاول الأصلي ضد المقاول من الباطن، ويكفي في حماية حقوق المقاول الأصلي الرجوع إلى القواعد العامة ففيها الغناء.

فكما ذكرنا في البداية وفقا لنص المادة ٦٥١ الفقرة الأولى من القانون المدني أن مدة الضمان ضد التهدم الكلى والجزئي، وضمان عدم وجود عيوب تهدد متانة البناء وسلامته هي عشر سنوات وهذه المدة مدة اختبار لسلامة البناء وليست مدة تقادم وبالتالي لا يرد عليها الوقف أو الانقطاع، فماذا يبدأ سريان الضمان؟ ومتى ترفع دعوى الضمان؟

يبدأ سريان مدة الضمان من تاريخ قبول مالك المشروع للبناء دون تحفظ، فإذا حرر محضر بذلك احتسبت هذه المدة من تاريخ تحرير المحضر، فإذا لم يحرر محضر بذلك تحتسب المدة من تاريخ تسلم مالك المشروع للبناء أو من تاريخ شغله له، فإذا لم يوجد محضر ولم يثبت تاريخ شغل رب العمل للبناء، احتسبت المدة من تاريخ تسوية الحساب مع المقاول.

أما عن ميعاد رفع دعوى الضمان، فيجب رفع دعوى الضمان خلال ثلاث سنوات من تاريخ حصول التهدم أو اكتشاف العيب وإلا سقطت دعوى الضمان أو حسب تعبير محكمة النقض فإن رفع الدعوى قبل مضى هذه المدة شرط لسماع دعوى الضمان.

فإذا اكتشف رب العمل العيب الموجب للضمان قبل اكتمال السنوات العشر، قبل انتهاء السنة العاشرة، فإن بوسعه رفع دعوى الضمان خلال السنوات الثلاث التالية، فكأن الضمان يستمر في هذه الحالة ثلاث عشرة شنة تقريبا، وإذا اكتشف العيب عند السنة السابعة فيجب رفع دعوى الضمان خلال الثلاث سنوات التالية، وبالتالي يعتبر الضمان قد استمر عشر سنوات.

زر الذهاب إلى الأعلى