الضرر المادي في المسئولية المدنية
بقلم الدكتور/ وليد محمد وهبه
أستاذ القانون التجارى بكلية الحقوق بالجامعة العربية المفتوحة
تنقسم المسئولية المدنية بطبيعتها إلى نوعين، وهما؛ المسئولية العقدية، والمسئولية التقصيرة، وتنشأ المسئولية نتيجة الإخلال بالالتزامات أو الواجبات لأحد طرفي العلاقة، سواء كانت علاقة تعاقدية نشأت بصورة إرادية، أو علاقة مدنية نشأت بصورة غير إرادية.
ويمثل الضرر المادي العنصر الأهم و الأكبر الذي يرتكن عليه لتحديد قيمة التعويض، خاصة أن القيمة الأكبر لمبلغ التعويض عند تقسيمها من حيث ضرر مادي و أدبي وموروث، فيكون النصيب الأكبر حينها للتعويض المادي و من ذلك يتضح مدى أهمية التعويض عن الضرر المادي الأمر الذي يستلزم توضيح عناصر الضرر المادي ومفهومها التطبيقي في إطار المسئوليتان العقدية و التقصيرية، و هذا ما سوف نجتهد لبيانه في هذه الورق البحثية.
وإننا قبل بيان تقسيم المسئولية نود أن نبين مفهوم الضرر المادى وهو كما يعرفه الفقه بأنه :-
” هو ما يصيب الذمة المالية فيسبب لصاحبه خسارة مالية.ويشمل الاضرار التي تصيب الشخص في سلامة جسمه وصحته. فيعتبر ضررا ماديا كل مساس بحقوق الشخص المالية كحق الملكية والانتفاع وحقوق المؤلف والمخترع حيث يترتب على هذا المساس انتقاص للمزايا المالية التي تخولها هذه الحقوق لاصحابها ويعتبر أيضا ضررا ماديا كل مساس بصحة الانسان وسلامة جسمه إذا كان يترتب عليه خسارة مالية كالإصابة التي تعجز الشخص عن الكسب عجزا كليا أو جزئيا أو تقتضي علاجا يكلف نفقات مالية معينة، وكل مساس بحق من الحقوق المتصلة بشخص الانسان كالحرية الشخصية وحرية العمل وحرية الرأي إذا كان يترتب عليه خسارة مالية كحبس شخص دون حق. فالأضرار المادية التي يمكن تعويضها تتخذ صورا عديدة ومتنوعة، فقد يكون الضرر عبارة عن اتلاف المال، كحرق عقار أو اتلاف سيارة بحادث اصطدام. والضرر المادي لا يقف عند هذه الصور فهو يمكن أن يشمل كل صور الخسارة المالية الناجمة عن فعل من أفعال التعدي الذي ينسب للغير، كالمنافسة غير المشروعة أو نتيجة الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية والأدبية والصناعية كطبع كتاب دون اذن مؤلفه أو استغلال براءة اختراع مسجلة باسم المتضرر أو تقليد علامة تجارية مملوكة للغير.”
ومن ذلك التعريف سوف نتجه الى بيان مضمون الضرر المادى فى التقسيم التالى :-
أولا: المسئولية العقدية:-
يتمثل الضرر المادى فى المسئولية العقدية هو الإخلال بالإلتزامات الناشئة عن العلاقة التعاقدية التى ربطت طرفى العلاقة بعضهم البعض و إن تأسيس الضرر المادى فى المسئولية العقدية يتعلق فيما يصيب المضرور ولحقه من خسارة وما فاته من كسب فهذه هى القاعده الاساسية التى بيتم على اساسها تقدير الضرر المادى فى المسئولية العقدية.
وذلك غالبا ما يتعلق بالمنزعات المتعلقة بالمعاملات التجارية و التى تتعلق بعقود نقل وتوريد البضائع بين التجار و الشركات وإننا حتى نوضح الصورة وحقيقة المطالبة بالتعويض عن الضرر المادى فى الإلتزامات التعاقدية.
الموجز :
قيد الحكم المطعون فيه بالطلبات المطروحة عليه في الدعوى دون غيرها والمتمثلة في طلب الطاعن بصفته التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء عدم حصوله على قيمة البضائع التى قام بتصديرها لدولة العراق بعد فرض الحصار عليها . صحيح . إيراد الخبير المنتدب بتقريره أن الحكومة المصرية قد تأخرت فى إرسال الطلب المقدم من الطاعن إلى لجنة التعويضات بهيئة الأمم المتحدة بعد الميعاد المحدد لذلك . لا أثر له . علة ذلك . خضوع واجب الحكومة المصرية في هذا الخصوص للقواعد العامة للمسئولية بعدم الخطأ أو الإهمال فى إرسال المطالبات التعويضية الخاصة برعاياها وتمثيلهم أمام الجهات الدولية ومتابعة تلك المطالبات لحين البت فيها . ماهيته . مسئولية ببذل عناية وليست بتحقيق نتيجة . مناطها . إثبات المدعى وجود خطأ أو إهمال أو تقصير من جانب جهة الإدارة .
القاعدة :
إذ كان البين من الأوراق أن طلبات الطاعن بصفته فى الدعوى قد تحددت بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهم بأداء مبلغ عشرة ملايين دولار أمريكى تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء عدم حصوله على قيمة البضائع التى قام بتصديرها لدولة العراق بعد فرض الحصار عليها والتى كانت تصرف عن طريق لجنة التعويضات بالأمم المتحدة، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قضى بتأييد الحكم الإبتدائى – الذى قضى برفض الدعوى – استناداً إلى أن ما أصاب الطاعن بصفته من أضرار يرجع إلى خطأه بإرسال البضائع موضوع طلب التعويض إلى دولة العراق بتاريخ ٢٣ / ١ / ١٩٩٢ بعد فرض الحصار عليها بتاريخ ٢ / ٨ / ١٩٩٠، ومن ثم يكون الحكم بذلك وفى مقام تحصيله لوقائع الدعوى قد أحاط بهذا الطلب على نحو ينبئ بأن محكمة الاستئناف قد علمت وأدركت حقيقة طلبات الخصوم المطروحة عليها إذ لم يثبت أن الطاعن بصفته قد عدّل هذا الطلب إلى غيره أو غاير فى سبب دعواه، فيكون الحكم المطعون فيه قد تقيد بهذه الطلبات المطروحة عليه دون غيرها، ولا يغاير من ذلك ما أورده الخبير المنتدب أمام محكمة الإستئناف بتقريره من أن المطعون ضده الثالث بصفته تأخر فى إرسال الطلب المقدم من الطاعن بصفته إلى لجنة التعويضات بهيئة الأمم المتحدة بعد الميعاد المحدد لذلك، إذ أن واجب الحكومة المصرية فى هذا الصدد يتحدد فى ضوء القواعد العامة للمسئولية بعدم الخطأ أو الإهمال فى إرسال المطالبات التعويضية الخاصة برعاياها وتمثيلهم أمام الجهات الدولية ومتابعة تلك المطالبات لحين البت فيها فهى مسئولية ببذل عناية وليست مسئولية بتحقيق نتيجة، فإذا أثبت المدعى وجود خطأ أو إهمال أو تقصير من جانب جهة الإدارة قامت مسئوليتها بتعويضه، وغنى عن البيان أن التعويض فى هذه الحالة ليس تعويضاً عن أضرار حرب الخليج فى حد ذاتها بل عن الضرر الذى لحقه من جراء عدم بذل الحكومة المصرية للعناية الكافية فى أدائها لواجبها، ومن ثم فإن تعييب الطاعن للحكم المطعون فيه لعدم تعويله على ما انتهى إليه الخبير من نتيجة يُقدر على أساسها التعويض يضحى على غير أساس، إذ أن التعويض عن تقصير المطعون ضده الثالث بصفته فى إرسال الطلب إلى لجنة التعويضات بالأمم المتحدة لا يُعد مطروح على المحكمة ويخرج عن نطاق طلب الطاعن بصفته، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييد الحكم الإبتدائى الذى قضى برفض الدعوى فإنه يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى النعى عليه فى هذا الخصوص على غير أساس .
“الطعن رقم 13037 لسنة 83 قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/٠٦/١٦”
“تمسك الطاعن أمام محكمة أول درجة خطأ الشركة المطعون ضدها الأولى وإخلالها بالتزاماتها التعاقدية لعدم قيامها باستيفاء التراخيص والتصاريح الإدارية اللازمة قبل بيع الشقة محل التداعي لمورثة الطاعن. دفاع جوهري. التفات الحكم المطعون فيه عنه وعدم بحث سبب التأخير في تنفيذ التزاماتها التعاقدية ونفيه أي خطأ أو إخلال تعاقدي استناداً لوجود سبب أجنبي وسعيها لإلغاء القرار الإداري المانع من استخراج التراخيص اللازمة وقضائه برفض الدعوى رغم عدم صلاحيته رداً على دفاع الطاعن. قصور مبطل”
“الطعن رقم ٢٦٢٤ لسنة ٨٩ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/٠٦/١٦”
ومن تلك الاحكام يتبين ان المسئولية العقدية التى يستوجب التعويض عن الإخلال الناشىء عنها بموجب تحقق الضرر المادى هى ما يصيب المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب نتيجة الإخلال بالإلتزامات التعاقدية.
ثانيا: المسئولية التقصيرية:-
تعتبر المسئولية التقصيرية هى الشق الثانى الناشىء عن التعويض عن الضرر المادى لكن الضرر المادى يختلف فى مفهومه فى المسئولية التقصيرية عن المسئولية العقدية فلقد إتضح لنا من تأكيد محكمة النقض فى ان المسئولية التعاقدية يتمثل الضرر المادى بها على ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة إلا ان محكمة النقض أختلفت فى توضيح مفهوم الضرر المادى.
التعويض عن الضرر المادى . شرطه . الإخلال بمصلحة مالية للمضرور ووقوع الضرر بالفعل أو حتمية وقوعه مستقبلاً . مناطه . ثبوت أن المجنى عليه وقت وفاته كان يعول المضرور فعلاً على نحو مستمر ودائم . تقدير القاضي للتعويض . أساسه . ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله . احتمال وقوع الضرر في المستقبل . عدم كفايته للحكم بالتعويض .
“الطعن رقم ٨١٠٩ لسنة ٩٠ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/٠٥/٢٢”
إقامة قضاء الحكم قضاءه بالتعويض المادي للورثة تأسيساً على فوات الفرصة فيما كانا يأملانه من رعاية وكسب فاتهم وما لحقهم من خسارة من وفاة نجلتهما. استخلاص سائغ. النعي على الحكم المطعون فيه في هذ الشأن على غير أساس.
الطعن رقم ٤٦٠ لسنة ٨٤ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/٠٦/١٦
ومن ذلك ومن التعريف الذى وضحناه بعالية يتبين أن الضرر المادى فى المسئولية التقصيرية هو ما يترتب عليه فوات الفرصة وهى المتمثلة فى الامل الذى كان يبتغيه المضرور من قيامه ببيع العين التى حرقت و اهلكت وما اكن سوف يدره من عائد او وفاه مورث المضرور وما سببه من فوات فرصة الانفاق عليهم ومراعاتهم.
وغن الغرض الحقيقى من وراء توضيحنا المعنى الفعلى و التطبيقى و القانون للضرر المادى هو ما يحدث فى المذكرات و الصحف الدعاوى العملية و التى لا يتم التفرقة فيها بين مفهوم الضرر المادى فى المسئولية التقصيرية و المسئولية العقدية ظنا من الكثير ان الضرر المادى هو ما فاته من كسب ولحقه من خسارة سواء مسئولية تقصيرية او عقدية.
إلا ان توضيح الاختلاف بان ما فاته من كسب ولحقه من خسارة هو مفهوم الضرر المادى فى المسئولية العقدية فقط اما فى المسئولية التقصيرية هو فوات الفرصة وهذا ما بينته محكمة النقض فى أحكامها وقضت به وما قصرت الكثير من الدراسات الفقهية و القانونية فى توضيحه وبيانه وانى اسئل الله ان يكون وفقنى فى طرح هذا الامر خاصة لما يحمله من معانى كثيرة سعيت جاهدا بغجازها هنا قدر الإمكان.