الضرر الأخف
بقلم: اشرف الزهوي المحامي
في عهد الدولة العثمانية، تم تشكيل لجنة اسمها جمعية المجلة مؤلفة من سبعة علماء برئاسة أحمد جودت باشا، كان الغرض من تشكيلها، تأليف كتاب في المعاملات الفقهية، يكون مضبوطا سهل المأخذ، عاريا من الاختلاف، سهل المطالعة على كل أحد، لأن علم الفقة بحر لا ساحل له واستنباط ورد المسائل اللازمة منه لحل المشكلات يتوقف على مهارة علمية وملكة كلية وعلى الخصوص مذهب الحنفية لأنه قام فيه مجتهدون كثيرون متفاوتون في الطبيعة، ووقع فيها خلافات كثيرة، وباشرت اللجنة عملها سنة ١٢٨٥ هجرية وأصدرت مجلة الأحكام العدلية في عام ١٢٩٣هجرية وهي تحتوي على ١٨٥١ مادة ومأخوذة عن ظاهر الرواية في المذهب الحنفي.
وقد اعتمد القانون المدني المصري وقانون الاثبات على هذه الأحكام الفقهية. وفي المجالس العرفية يتم الاعتماد على هذه القواعد المنضبطة الواضحة الخالية من اللبس والغموض وسوف نتناول بعض هذه القواعد وكيف يمكن أن نستفيد منها كمحامين، ونطالب المركز الاعلامي للنقابة بالبحث عن المجلة العدلية ونشرها عبر موقع النقابة.
ودعونا نبدأ بقاعدة ( الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) وهي من القواعد المطبقة في نصوص قانونية كثيرة بل وفي الحياة العملية حيث توافق المنطق والعقل وطبائع الأمور واسوق لحضراتكم مثال طريف بسيط حدث منذ زمن طبقت فيه هذه القاعدة قبل أن تصبح اساس للقوانين المصرية، حيث كان هناك جارين من الأثرياء يمتلكان حديقتين متجاورتين بينهما سور من الأسلاك وكانت بنت احد الجارين تمسك بقطعة من الألماس النادر والذي يساوي مبالغ طائلة من النقود وفجأة انزلقت قطعة الماس لتسقط في الحديقة المجاورة للجار الآخر فالتقطت بطة من البط الموجود في حديقة هذا الجار قطعة الماس، واختفت وسط باقي البط على مرأى ومسمع من حراس المكان.
طلب الجار صاحب قطعة الماس من جاره ذبح البط لاستخراج قطعة الماس، الا ان الجار صاحب البط رفض ذلك لأنه سيضطر لذبح كل البط من أجل استخراج الماسة وبدأ الخلاف بين الجارين يزيد ويحتدم وكل منهما متمسك بموقفه ثم احتكما إلى حكيم المدينة وشيخها، الذي رأى تطبيق القاعدة الفقية ( الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) وكانت الضرر الأشد بطبيعة الحال هو فقد الماسة الغالية التي تزيد قيمتها أضعاف ثمن البط، فأمر هذا الحكيم صاحب البط ببيعه إلى جاره حتى يتمكن من ذبحه واسترداد جوهرته النفيسة، وعندما تراضي الجارين على هذا الحل المقنع، اتفقا على ذبح البط، واحدة تلو الأخرى بعد فتح بطنها للبحث عن الجوهرة وكانت المفاجأة، العثور على الجوهرة عند ذبح اول بطة، فتوقف الجميع عن الذبح واكتفى صاحب الماسة بشراء البطة الأولى التي وجد الماسة في أحشائها، الا ان صاحب البطة رفض اخذ مقابلها وقدمها هدية لجاره، فقوبل ذلك من الجميع بالترحاب والسرور، فما كان من صاحب الجوهرة الا أنه دعا كل الحضور على وليمة عظيمة ابتهاجا برجوع الجوهرة. وللحديث بقية.