الصيغة القانونية لعقود التجارة الدولية
بقلم: الدكتور/ وليد محمد وهبه
تستلزم الصياغة الجيدة للعقد التفكير في موضوعه تمهيدًا لتحديد مفرداته من ناحية والحرص على أن تكون الصياغة صحيحة وواضحة وكاملة من ناحية أخرى، وهو ما يستدعي الالتزام ببعض المبادئ في مرحلة التحضير على النحو التالي:
أولا: مرحلة التحضير لصياغة العقود
التفاعل بين طالب الصياغة والقائم بها
لعل أول عمل يتعين أن يقوم به المكلف بصياغة العقد هو التعرف على رغبة العميل تمهيدا للتفكير في انسب الحلول المحققة لهذه الرغبة وهذا يتطلب من العميل الإفصاح عن كل الوقائع المقيدة. ولما كان العميل لا يعرف كل العناصر الواجب أن يتضمنها المحرر المطلوب صياغته فيجب على القائم بالصياغة أن يطلب منه المعلومات التي يراها لازمة لتحديد موضوع الصياغة.
وفي جميع الأحوال يجب ألا يشرع المحامي في صياغة أي معاملة دون أن يتوافر لدية حد ادني من المعلومات والتخصص، فاذا كان موضوع العقد المطلوب صياغته هو توزيع سلعة معينة في بلد معين فيجب أن يحصل القائم بالصياغة على معلومات من طرفي المعاملة لتحديد القالب القانوني الملائم لوضع هذا الغرض موضع التنفيذ، وفي هذه الحالة يختار القائم بالصياغة بين عدة عقود مثل الوكالة التجارية والتوزيع والتمثيل التجاري.
وربما كان من المفيد أن يعرض القائم بالصياغة علي العميل قائمة معدة سلفا تتضمن رؤوس موضوعات المحرر المراد صياغته لكي يقدم العميل معلوماته واقتراحاته بشأنها. وينصح القائم بالصياغة أن توخي التبسيط في مناقشته الأفكار القانونية مع العميل ليقف على معناها وأثارها وليستطيع بالتالي أن يحدد ما إذا كان استخدامها يتفق مع رغبته.
ويجب أن يلفت نظر العميل إلي ما قد يوجد تعارض بين رغباته ونصوص القانون، والي المشاكل القانونية التي قد تعترض صياغة رغباته والبدائل المتاحة للتغلب عليها. وتثير هذه النقطة أثر القانون المطبق على العقد في صياغته، وفي هذا الصدد نقول إن هذا قانون قد يتضمن قواعد الزامية بشأن شكل العقد وما يجب أن يتضمنه مما يتعين مراعاته عند الصياغة. ففيما يتعلق بشأن العقد يوجب القانون في شأن عقد التامين مثلا إبراز الشروط المتعلقة بالبطلان والسقوط بشكل ظاهر ووضع شرط التحكيم في اتفاق منفصل عن الشروط العامة، وفيما يتعلق بمضمون العقد قد يستوجب القانون اشتماله على قواعد محددة مثل القواعد المتعلقة بالمحافظة على البيئة ومعايير السلامة وتسديد المدفوعات بالعملة الأجنبية في عقد إقامة منشأة صناعية.
ويراعي في صياغة العقود، الخاضعة للقوانين المنتسبة إلى مدرسة القانون المدني، أن ثمة أحكام يعتبرها القانون جزءا من العقد ولو لم ترد في صياغته، وهذا هو ما تنص عليه مثلا المادة 148/3 من القانون المدني المصري “لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام”. وهذا امر يجب أن يلفت نظر العميل إليه حتى يتفادى القائم بالصياغة سوء الفهم الناتج عن تطبيق القاعدة المذكورة. لهذا فانه يتعين على المكلف بالصياغة أن يدرس نتائج اختيار قانون معين وتطبيقه على العقد محل الصياغة. ويجب أخيرا أن يراعي القائم بالصياغة علاقة العقد محل الصياغة بغيرة من العقود ذات الصلة بموضوعه.
في هذه المرحلة يجب إذن أن يحدث تفاعل بين القائم بالصياغة وعميله لكي تتضح الرؤية لكليهما وبالتالي الحدود التي تجري في إطارها الصياغة. ولهذا يجب على القائم بالصياغة، بعد أن يقف علي رغبات عميله وتعليماته بشأنها، اني خطره بما يراه مفيدا له ولو اقتضي ذلك التجاوز عن هذه العمليات، أو التعديل علي مقتضاها مثال ذلك أن يرغب العميل، وهو مستأجر في عقد إيجار، تضمين العقد شرطا يقتضي بتجديده عند نهاية مدته مقابل أجرة يتفق عليها مع المؤجر ففي هذه الحالة قد ينصح القائم بالصياغة (المحامي) عميله بانه من المفيد له أن يتضمن العقد شرطا يعطي للبند المجسد لهذه الرغبة فاعلية كافية تتيح تنفيذه، كأن ينص في العقد علي جزاء معين حالة عدم تنفيذه أو بعرض الأمر علي القضاء أو التحكيم.
كذلك الأمر بالنسبة للمؤجر فقد يطلب من محاميه صياغة بند في عقد الإيجار ينص فيه على امتداد العقد ما لم يخطر أحد طرفيه الأخر برغبته في إنهاء العقد، ولكن يري المحامي انه من الأفضل بالنسبة لعميله (المؤجر) تحديد مدة العقد ينتهي بانقضائها ما لم يتجدد باتفاق مكتوب، ذلك أن الإخطار بالإنهاء الصادر من المؤجر قد يشوبه عيب بحيث لا ينتج أثره، هذا فضلا عن أن إجراءات الإخطار تسبب مشاكل أكثر مما يسببه عدم التوصل إلى اتفاق مكتوب على تجديد العقد.
إعداد مسودة الصياغة
من المفيد أن يضع المكلف بالصياغة مسودة تتضمن عناصر المحرر المطلوب صياغته، ويجب أن يكون هيكل المسودة من السعة بحيث يمكن تضمينها موضوعات المحرر المطلوب في ترتيب منطقي.
لهذا فانه إذا كان من الشائع لدي المكلفين بالصياغة الرجوع إلى نماذج العقود المتداولة فيجب الحرص على عدم التقيد بهذه النماذج لدي إعداد مسودة العقد المطلوب صياغته الذي قد يتطلب الحذف أو الإضافة من تلك النتائج.
وتظهر أهمية البدء بإعداد مسودة في إنها تضيء الطريق أمام المكلف بصياغة المحرر النهائي عن أفضل ترتيب لعناصره وإقامة التناسق بينها، كما أنها ترشده إلى عناصر أخري ربما فاتت عليه إذا بادر إلى صياغة المحرر مباشرة، الأمر الذي يكفل في النهاية إمكان بناء المحرر بناء منطقيا وإخراجه في الشكل المطلوب.
وتتيح المسودة إقامة التناسق بين أقسام المحرر ورفع التناقض بينها أو التكرار فيها. فيحدث إذا جرت صياغة المحرر مباشرة دون عمل مسودة له أن تعالج الجوانب المتعددة لموضوع واحد في أكثر من مكان، الأمر الذي يمكن تفاديه عن طريق مسودة يجري من خلالها تجميع كل ما يتصل بموضوع معين في مكان واحد، هذا إذا كان الغرض من صياغته لا يقتضي تشتيت أجزائه في أنحاء متفرقة من المحرر.