الشفعة شرعًا وقانونًا بين الرخصة والحق
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد المحامى
تُعد الشفعة من أكثر الأفكار إثارة للجدل في الفقه الشرعي والقانوني مما أدى إلى ظهور الدراسات المتعددة والكثيرة لمحاولة وضع الفكرة في إطار عملى صحيح وذلك بمحاولة الموازنة بين مصلحة المالك في حرية بيع عقاره للغير كيفما يشاء وبين مصلحة صاحب الحق في الشفعة في شراء العقار المشفوع فيه.
والشفعة لغةً بضَم الشين وسكون الفاء من الشفع وهو الزوج والضم، وسميت شفعة لأن الشفيع يَضُم ما يمتلكه بهذا الحق إلى نصيبه أو ملكه واصطلاحاً هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكِ ممَّن انتقلت إليه بعِوَض، فهي حق تملُّك قهري يثبت للشريك القديم فيما ملك بعِوَض.
وقد أكد الفقهاء شرعية الشفعة لما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه قضى بالشُّفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصُرِّفت الطرق فلا شفعة وفي رواية أخرى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشُّفْعة في كل شركة ما لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به).
وردت الشفعة في القانون المدنى الكويتي بنص المادة (891) التي نصت على أن (الشفعة هي حق الحلول محل المشتري عند بيع العقار او المنقول في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في المواد التالية) واستطردت المذكرة الإيضاحية للقانون في تأكيد فكرة الشفعة كحق (بخلاف القانون المدني المصري) بالقول ( وقد عرفت المادة (٨٩١) الشفعة بأنها حق الحلول محل المشترى ، عند بيع العقار أو المنقول ، فى الاحوال وبالشروط المنصوص عليها فى المواد التالية وقد روعى فى هذا التعريف:
أولا- تجنب النص الشفعة كرخصة ، كما فعلت بعض التشريعات كالقانون المصرى ( م ٩٣٥ ) والقانون الليبى (م ٩٣٩ )، والقانون الصومالى (م ٧٤٥ ) والقانون الجزائرى (م ٧٩٤ ) وذلك أولاً لأن مصطلح رخصة لا يزال فى علم القانون غير منضبط ويستخدم فى أكثر من معنى فأحيانا يقصد به معنى الحريات العامة كحرية التملك وحرية الزواج وحرية التنقل…الخ وهى الحريات التى تثبت للناس كافة دون حاجة الى قيام سبب معيّن لشخص معيّن وأحيانا يقصد به الحق فى كسب حق معيّن اذا وجد سبب خاص كحق الموجه اليه الايجاب بالبيع فى أن يتملك الشىء بأن يقبل الشراء وحق الشفيع فى أن يأخذ بالشفعة وعلى الرأى الراجح فى تحديد معنى الرخصة وهو المعنى الأول تكون الشفعة ليست مجرد رخصة بل هى أكثر من ذلك ولهذا نجد الاستاذ السنهورى يقول فى التعليق على نص القانون المصرى ( والأدق أن يقال أن هذا المركز القانونى (والمقصود هو المركز الناشىء عن بيع العقار وتوفر شروط الشفعة ) لا يتولد عنه مجرد رخصة فى التملك بل يتولد عنه حق الشخص فى أن يتملك).
فيما جاء القانون المدنى المصري على النقيض فقرر أن الشفعة مجرد رخصة في التملك وليست حقاً بالمعنى المقصود من كلمة حق فنصت المادة (935) على أن ( الشفعة رخصة تجيز في بيع العقار الحلول محل المشترى في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في المواد التالية) وترتب على ذلك نتائج عدة منها:
1-أن الشفعة في القانون المدنى المصري لا تورث بينما تورث في القانون المدني الكويتي فالرخصة لا تنتقل بالميراث إلا إذا صارت حقاً باستخدمها بينما الحق ينتقل للورثة بالوفاة باعتباره حقاً مكتمل الأركان.
2- بين الرخصة والحق توجد منزلة وسطى هي أعلى من الرخصة وادنى من الحق فحق التملك وحق الملك ، الأول رخصة والثاني حق وما بينهما منزلة وسطى هي حق الشخص في ان يتملك فلو ان شخصاً رأى داراً اعجبته ورغب في شرائها ، فهو قبل ان يصدر له ايجاب البائع بالبيع كان له حق التملك عامة في الدار وفي غيرها ، فهذه رخصة وبعد ان يصدر منه قبول بشراء الدار صارت له ملكية الدار ، وهذا حق ولكنه قبل القبول وبعد الايجاب في منزلة وسطى بين الرخصة والحق بالنسبة إلى الدار فهو من جهة ليس له فحسب مجرد رخصة في تملك الدار كغيرها من الاعيان التي لا يملكها وهي من جهة أخرى لم يبلغ ان يصبح صاحب الملك في الدار بل هو بين بين له أكثر من رخصة في التملك واقل من حق الملك فله الحق في ان يتملك إذ يستطيع بقبوله البيع أي بإرادته وحده ان يصبح مالكاً للدار .
3-تختلف طبيعة الشفعة في كلا الفكرتين طبقاً لتعريف كل منهما فالحق هو مصلحة ذات قيمة مالية يحميها القانون بينما الرخصة فهي مكنّة واقعية لاستعمال حرية من الحريات العامة أو هي إباحة يسمح بها القانون في شأن حرية من الحريات العامة ذلك أن الشخص(في حدود القانون) له حرية العمل والتنقل والتعاقد والتمّلك وغير ذلك من الحريات العامة فإذا وقفنا عند واحدة من هذه الحريات ( حرية التملك مثلاً) أمكن أن نقول في سبيل المقابلة ما بين الحق والرخصة، إن حرية التملك رخصة أما الملكية فحق وما بين الرخصة والحق توجد منزلة وسطى هي أعلى من الرخصة وأدنى من الحق.
4- أن الشفعة كرخصة يجوز التنازل عنها مقدماً وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن(إن الشفعة رخصة والتنازل عنها التزام لا يرتبط به إلا من ارتضاه ، ومن ثم فإن التنازل عن الشفعة الصادر من البائع للشفيع في عقد شرائه من الشركة البائعة لا يعتد به لأن هذا التنازل لا يعتبر حقاً
عينياً يتبع العقار في يد كائن من كان وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وخلص إلى رفض دفاع الطاعنين الاعتداد بالتنازل عن الشفعة الصادر من المشترى الأول للأرض المشفوع بها من الشركة الأصلية قبل المطعون ضده الأول الذى لم يكن طرفاً في ذلك العقد ولا سلفاً مباشراً للمشترى فيه ، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون .
أما الشفعة كحق لا يمكن التنازل عنها مقدماً فهى حق عيني لا يرد إلا على شيء معيّن بالذات وطالما لم يتم تعييّن الشيء فلا يحق التنازل عنه قبل ثبوته وفي سقوط الحق فى الشفعة ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدنى الكويتي أنه اذا نزل الشفيع عن الحق في الشفعة صراحة أو ضمنا، وقد سبق ان نص المشروع على أنه لا شفعة اذا أظهر الشفيع ارادته صراحة أو ضمنا وقت البيع أو قبله فى أنه لا يرغب فى الاخذ بالشفعة. أما اذا ظهرت مثل هذه الارادة بعد البيع فهذا هو النزول عن الحق لان النزول لا يكون الا بعد وجود الحق وهو لا يوجد الا على اثر البيع.
نخلص مما سبق بأن الشفعة في القانون المصري رخصه وعليه لا تنتقل إلى الورثة إلا حال البدء في إجراءات الشفعة وإعلان الرغبة فهى بذلك أصبحت حقاً يورث كذلك يجوز التنازل عنها مقدماً فالرخصة لا تشترط للتنازل عنها ثبوت الحق فيها (كالحق) وإن كنا نرى أن رأي الاستاذ الدكتور/ عبدالرزاق السنهوري رحمه الله في كون الشفعة مرتبة وسطى بين الحق والرخصة هو الرأي الأصوب كما نلاحظ أن تقرير المشرع الكويتي للشفعة كحق أدى إلى إشكاليات عملية كثيرة منها مثلاً توريث الحق قبل ثبوته ومشكلات التنازل عن الحق قبل ثبوته والشفعة كرخصة أفضل صياغة واتساقاً مع التشريع عن كونها حق.