السلطة القضائية قبل وبعد الاسلام
بقلم: محمد جمال عبد المقصود المحامي
النظام القضائي قبل الاسلام :-
كان شيخ القبيلة من يتولي شئون القضاء بين المتخاصمين عند العرب استنادا علي العرف و التقاليد في الوقت الذي لم يكن هناك فيه سلطة تشريعية تسن و تضع قوانين للبشر للسير علي خطاها و و لم يكن هناك شريعة اسلامية تسن القوانين علي اسسها و مبادئها و اشتهر في ذلك الوقت ( اكثم بن صيفي التميمي ) الذي لقب ( قاضي العرب ) .
الخلافة الاسلامية : هي نظام الحكم في الشريعة الاسلامية الذي يقوم علي استخلاق قائد مسلم علي الدولة الاسلامية ليحكمها بالشريعة الاسلامية و سميت خلاقة لان الخليفة هو القائد و من يخلف سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم و ايضا هو اقائد السياسي و الديني الي ان الغيت الخلافة في 1924 .
تنقسم دول الخلافة الاسلامية الي قسميين ( الدول الرئيسة – الدول المنافسة ) :-
الدول الرئيسة :
1 – الخلافة الراشدة : تبدأ من ( 632 ميلادية ) الي ( 661 ميلادية ) .
2 – الخلافة الاموية : تبدأ من ( 661 ميلادية ) الي ( 750 ميلادية ) .
3 – الخلافة العباسية : تبدأ من ( 750 ميلادية ) الي ( 1258 ميلادية ) .
4 – الخلافة العثمانية : تبدأ من ( 1517 ) الي ( 1925 ميلادية ) .
الخلافة المنافسة :
1 – خلافة قرطبة : تبدأ من ( 929 ميلادية ) الي ( 1031 ميلادية ) .
2 – الخلافة الفاطمية : تبدأ من ( 909 ميلادية ) الي ( 1171 ميلادية ) .
3 – الخلافة الموحدية : تبدأ من ( 1149 ميلادية ) الي ( 1269 ميلادية ) .
اول من قضي بين الناس في الاسلام :-
جاء الاسلام و اصبح القرأن الكريم الاساس الشرعي للحكم بين الناس واصبح النبي محمد صلي الله عليه و سلم من يقضي بين الناس و علي ذلك الاساس يعبر اول قاضي في الاسلام و اذن النبي بعد ذلك لبعض الصحابة بالقضاء و انب النبي بعضهم بالبلاد الاخري و علي سبيل المثال ( عتاب بن اسيد ) الذي انابه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ووجهه علي مكة ليقضي بين اهلها و ايضا فقد وجه الرسول صلي الله عليه و سلم كل من ( معاذ بن جبل وعلي بن ابي طالب ) ليقضان بين اهل اليمن .
القضاء و القضاه في عهد الخلفاء الراشدين :-
في ذلك الوقت لم يكن يطلق علي كل من سلف ذكره من الصحابة لقب قاضي فلم يقم النبي صلي الله عليه و سلم بتلقيبهم بذلك اللقب
جاءت بعد ذلك خلافة ابي بكر الصديق و استمر الامر علي ما كان عليه قبل توليه الخلافة بالاضافة الي حرصه علي الاشراف علي القضاء بنفسه بالرغم من تكفل عمر بن الخطاب بامور القضاء مع استمرارية عدم وجود منهصب خاص مستقل بالقاضي .
جاءت بعد ذلك خلافة عمر بن الخطاب و الذي شرع في تنظيم القضاء نظرا لتوسع رقعة الدولة الاسلامية فكان اول من عين القضاه في الاسلام و منحهم منصب خاص مستقل الغرض منه القضاء بين الناس و عهد سيدا عمر بذلك لاول شخص سمي بالقاضي الي ( ابا الدرداء ).
1 – تولي ( ابا الدرداء ) قضاء المدينة المنورة ثم دمشق .
2 – تولي ( سلمان بن ربيعة الباهلي ) قضاء القادسية ثم مدائن .
3 – تولي ( ابا أمية شريح بن الحارث ) قضاء الكوفة .
4 – تولي ( أبا موسي الاشعري ) قضاء البصرة .
5 – تولي ( كعب بن يسار بن ضنة ) ثم بعد ذلك ( قيس بن العاص ) قضاء مصر .
القضاء و القضاه في عهد الخلفاء الامويين :-
الخلافة الاموية : تعتبر ثاني خلافة اسلامية و اكبر دولة في تاريخ الاسلام و قد خكم الامويون منذ ( 662 ميلادية ) الي ( 750 ميلادية ) و بلغت الدولة الاموية ذروة اتساعها في عهد الخليفة العاشر ( هشام بن عبد المالك ) و اتخذت الدولة الامزية من دمشق عاصمة لها .
فيما يخص مجال القضاء فكان العصر الاموي امتدادا لعهد الخلافة الراشدة فكان يتم اختيار القضاه الذين يعتمدون علي القرأن و السنة النبوية ثم الاجتهاد في القضاء بين الناس .
انشأ الخليفة ( عبد المالك بن مروان ) منصب اطلق عليه ( صاحب المظالم ) للنظر في احوال المتخاصمين في المشاكل العويصة التي يعجز عن حلها القاضي .
كان الولاه في العصريين الراشدي و الاموي يباشرون السلطة القضائية نيابة عن الخليفة في بادي الامر و احتفظ الوالي لنفسه بما كان يعجز عنه القاضي
في حالة عدم قبول الوالي لحكم القاضي لم يكن امام القاضي الا ان ينصرف هن الحكم و يعتزل او يجلس في منزله مضطربا علي الاقل حيث ان القاضي كان بمثابة حكم مهمته الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي و قطعا للنزاع فمهمته مقتصرة علي اصدار الحكم فقط و لا يملك سلطة تنفيذه فالسلطة المخولة له فقط الاشراف علي جميع القضايا التي تؤثر علي حياة الجماعة و التي نظمتها الشريعة الاسلامية علي سبيل المثال ( الزواج و الطلاق و المواريث ) .
كيان الشرطة في ذلك الوقت و المهام المخولة لهم :-
سميت الشرطة بهذا الاسم نسبة الي شريط قماش يوضع في اليد فوق ثوب رجل الامن لتمييزهم عن العامة من الناس و كان هذا في عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان .
رجال الشرطة كان المنوط بهم في ذلك الوقت المحافظة علي الامن الداخلي بمنع وقوع الجرائم و القبض علي الجناه و عمل التحريات اللازمة و تنفيذ العقوبات المحكوم بها من القضاه و اقامة الحدود .
* صاحب الشرطة : يطلق هذا اللقب علي قائد و رئيس الشرطة في هذا الوقت و كان من مسئولياته القيام باعمال اخري غير المذكورة سابقا مثل ( بعض اعمال الحسبة و الاشراف علي الاحباس و المساعدة في تحصيل الاموال و اصدار الدنانير و اطفاء الحرائق
عرف العالم الاسلامي ايضا بالاضافة لشرطة الامن الداخلي انواعا اخري من الشرطة مثل ( الشرطة النهرية و شرطة الخميس و شرطة الجيش و الشرطة الخاصة ) .
تعريف شرطة الخميس : هم مجموعة من المحاربين تأسست في عهد علي بن ابي طالب رضي الله عنه و الذين كانوا مستعدين علي التضحية و الفداء للامام في كل مكان و خدمة امامهم في الحرب و سميت شرطة الخميس بهذا الاسم لتكون الجيش من خمس فرق (المقدمة و القلب و الميمنة و الميسرة و الساق ) و يقال ان عددهم كان يفوق الستة الاف رجل
القضاء و القضاه في عهد الخلفاء العباسيين :
الخلافة العباسية : ثالث خلافة في تاريخ الاسلام و يعتبر العباسيون ثاني السلالات الاسلامية الحاكمة تاسست الدولة العباسية علي يد محمد بن عبد الله العباس بن عبد المطلب و التي كانت عاصمتها :-
1 – الكوفة : استمرت عاصمة الدولة العباسية منذ ( 750 ميلادية ) الي ( 766 ميلادية ) .
2 – بغداد : استمرت عاصمة الدولة العباسية منذ ( 766 ميلادية ) الي ( 1258 ميلادية ) .
3 – سامراء : استمرت عاصمة الدولة العباسية منذ ( 836 ميلادية ) الي ( 892 ميلادية ) .
4 – القاهرة : استمرت عاصمة الدولة العباسية منذ ( 1261 ميلادية ) الي ( 1517 ميلادية)
* ظهرمنصب قاضي القضاه لاول مرة في التاريخ تحديدا في عهد الخليفة الخامس ( هارون الرشيد ) والذي تولي الخلافة ببغداد بداية من عام ( 766 ميلادية – 149 هجرية ) الي عام ( 809 ميلادية – 193 هجرية ) يعتبر هارون الرشيد اول من نظم القضاء سعيا الي استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية و تحدد معه الزي الخاص للقضاه و ايضا مهام قاضي القضاه ببغداد ، قلد الخليفة ذلك المنصب لاول مرة في التاريخ الي الامام ( ابو يوسف البغدادي )الذي ولد بالكوفة عام ( 113 هجرية ) و تتلمذ علي يد ( عبد الرحمن بن ابي ليلي ) الفقيه الكوفي ثم اتصل بعد ذلك ب ( الامام ابي حنيفة النعمان ) و الذي سار علي نهج علمه في القضاء .
اشتغل ابو يوسف بالقضاء منذ عام ( 166 هجرية ) في عهد الخليفة المهدي .
كان العامل الرئيسي و السبب في انشأ منصب قاضي القضاه هو الخليفة هارون الرشيد بحث عن احد الفقهاء ليستشيره في امر زنا ابنه فجاء ابو يوسف بن حبيب الانصاري و اعجب هارون بفتوته و اصبح من المقربيين له و ابتكر له هذا المنصب .
تدور احداث واقعة زنا ابن هارون الرشيدي حول ان الخليفة هارون الرشيد شاهد ابنه يزني و طلب من احد قادته فقيها يستفتيه فاتي له بأبي يوسف الذي قصد بغداد بعد وفاة استاذه و معلمه ابو حنيفة النعمان ، سال هارون الرشيد أبا يوسف عن رأيه في امام شاهد رجلا بزني ان كان يحده فافتاه ابو يوسف أن الحدود لا تقام بشهادة الامام فاذا رأي الحاكم او الخليفة او القاضي رجلا قد زنا لا ينبغي ان يقيم عليه حد الزنا برؤيته لذلك حتي تقوم عنده بينة و شهود او اذا اقر الزاني بفعله و حيث ان الابن لم يقر بفعله و لم يثبت الزنا عليه بشهادة اربعة من الرجال فقط سقط عنه الحد .
اصبح ابو يوسف قاضي القضاه و بذلك كان مخول له تعيين القضاه و مراقبة اعمالهم و عزلهم عن الاقتضاء و لقب بعد ذلك بقاضي قضاه الدنيا حيث انه كان يستنيب القضاه في سائر الاقاليم التي يحكمها الخليفة هارون الرشيد .
* ابتكر ابو يوسف زيا خاصا بالقضاه و هو عمامة سوداء و طيلسان بعد ان كان يرتدي القضاه و العلماء العمامة الفارسية .
تعريف الطيلسان : هو كساء اخضر لا تفصيل له و لا خياطة يوضع علي الكتف ( وشاح )
قضاء و قاضي قضاه مصر في عهد الخلافة الفاطمية :-
مع قيام الدولة الفاطمية في مصر عام ( 973 ميلادية ) ( 362 هجرية ) اصبح هناك قاضي قضاه اخر في القاهرة و كان يتبع المذهب الشيعي الاسماعيلي و يعتبر ( النعمان بن محمد ) قاضي قضاه الخليفة الفاطمي ( المعز لدين الله )هو المؤسس الحقيقي لمنصب قاضي القضاه الفاطمي ، تقلد الكثيرون منصب قاضي قضاه مصر علي المذهب الشيعي الاسماعيلي مثل ( علي بن النعمان ) و شقيقه ( محمد بن النعمان ) في عهد الخليفة ( العزيز بالله ) و تولي ايضا ( الحسين بن علي النعمان ) و ابن عمه ( عبد العزيز بن محمد النعمان ) ذلك المنصب في عهد الخليفة ( الحاكم بأمر الله ) و بذلك يكون النعمان بن محمد و نجلاه و حفيداه تقلدوا منصب قاضي قضاه الدولة الفاطمية .
عزل الخليفة ( الحاكم بامر الله ) قاضي القضاه الفاطمي ( الحسين بن علي النعمان ) ثم قتله و احرق جثته
استمر الصراع و اتخذ طابعا مذهبي بين كل من الخلاقة الفاطمية في مصر و الخلافة العباسية في بغداد و الخلافة الاموية في الاندلس اشتد الصراع بين الخلافة الفاطمية و العباسية حتي استطاع صلاح الدين الايوبي انهاء حكم الفاطميين في القاهرة عام ( 1171 ميلادية ) ( 567 هجرية ) و القضاء علي المذهب الاسماعيلي بكل رموزه و انتهت بذلك الخلافة الفاطمية و اصبحت مصر تابعة للخلافة العباسية و تغير المذهب القضائي ليصبح قاضي القضاه يتبع المذهب الشافعي و يعاونه نائب قاضي قضاه يتبع المذهب الحنبلي و من ابرز قاضي قضاه مصر علي المذهب الشافعي ( علي بن يوسف ) ( ابو المعالي عبد الرحمن بن مقبل ) .
مع قيام الدولة المملوكة اصبح لكل مذهب من مذاهب اهل السنة الاربعة قاضي قضاه.
* تقليد قاضي القضاه لمنصبه كان يتم عن طريق احتفال يقرأ فيه عهد الخليفة و بعد ذلك يتولي مباشرة مهام و اعمال وظيفته بالاضافة الي بعض الوظائف الغير قضائية متمثلة في امارة الحج و الخطابة و النظر في الجوامع و التدريس ووكالة بيت المال و الحسبة و مشيخة الشيوخ و دار الضرب و الاسوار و غيرها .
خلال الخلافة العباسية كانت الحياة الاجتماعية في الدولة الاسلامية معقدة كثيرا بسبب الازدهار و التطور الكبير بالبلاد مما ادي الي تعقد القضاء بسبب كثرة الحاجة الي القضاه و لم يكن من الممكن ايجاد عدد كافي من الذين لديهم معرفة واسعة بالفقه و الشرع و علي اساس ذلك اختلفت الطريقة في اختيار القاضي فاصبحت تعتمد علي اتصافه بالامانة و الفطرة السليمة و يستطيع القاضي ضمان معرفة الفقه بأختياره مستشارين مثقفين او تأخر حكمه حتي يزود برأي صائب من احد الفقهاء او القضاه الضالعين في القضاء .
بدء القضاء في العصر العباسي ياخذ شكل سلطة يتولاها قاضي القضاه و يليه القاضي و مساعدو القاضي من ( امين و كاتب و خادم ) – شهود عدول – وكيل علي ابواب الفضاه .
عرف قاضي القضاه بهذا اللقب في بغداد و مصر اما في الاندلس و المغرب فعرف بقاضي الجماعة .
القضاء و القضاه في عهد الخلفاء العثمانيين:
انهارت السلطنة المملوكية امام الضربات العثمانية عام 1516 و انتقلت الخلافة من بني العباس لبني عثمان و استرد المذهب الحنفي مكانته و اصبح المذهب الرسمي للدولة الاسلامية بجانب المهذبهين الشافعي و المالكي و اصبح قاضي القضاه في الاستانة عاصمة الدولة العثمانية يعرف باسم ( قاضي العسكر ) و كان لفترة هو قاضي القضاه الاوحد ثم بعد ذلك الي جانبه قاضيان اخران احدهما لافريقيا و اوروبا .
خلال القرن التاسع عشر وحد والي مصر محمد علي باشا القضاء في مصر علي المذهب الحنفي .
انتهج السلطان عبد المجيد الاول منهج الوالي سالف الذكر و اقدم علي تدوين القانون المدني العثماني و قام ايضا كبا الفقهاء و العلماء يجمعون التشريعات في مجلة الاحكام العدلية .
تتكون مجلة الاحكام العدلية : من ستة عشر كتاب اولها كتاب البيوع و اخرها كتاب القضاء و كل كتاب يتناول موضوع و مكون من ابواب و كل باب مكون من فصول صدرت المجلة عام ( 1882 ) و تعتبر اول تدوين للفقه الاسلامي في المجال المدني في اطار بنود قانونية علي مذهب الامام ابو حنيفة النعمان .
التعيين بالمناصب القضائية ( قاضي القضاه – القضاه – مساعدي القضاه ) :-
1 – يقوم الخليفة بتعيين قاضي القضاه .
2 – يقوم ممثلوا الخليفة في الولايات ( السلطان – الوالي – قاضي القضاه ) بتعيين القضاه
3 – يقوم القاضي بتعيين مساعديه ليعاونوه في وظائفه .
يسمي مرسوم الخليفة بتعيين قاضي القضاه بالعهد .
يتم التعيين في احتفال يسمي ذلك بالتقليد .
يعادل منصب قاضي القضاه في وقتنا الحالي منصب المفتي بالاضافة الي منصب وزير العدل و ما ينعقد لهما من اختصاصات .
احتفالية التقليد :-
بعد اختيار قاضي القضاه و كتابة العهد يجتمع الاشراف و القضاه و الشهود و الجند و التجار علي باب الخليفة و يسير قاضي القضاه بمكوب فخم في شوارع الدولة .
عندما قلد الخليفة الفاطمي ( العزيز بالله ) قاضي قضاه مصر ( علي بن النعمان ) عام ( 977 ميلادية ) اجتمع الناس في احتفال كبير في جامع القاهرة قرأ العهد بتوليه المنصب و انصرف الي داره تحيط به جموع الناس .
عندما قلد الخليفة الفاطمي ( العزيز بالله ) قاضي قضاه مصر ( محمد بن النعمان ) عام ( 985 ميلادية ) قرأ العهد بعد صلاة الجمعة في جامع العتيق بالقاهرة .
في زمن المماليك كان السلطان عندما يقلد احد كقاضي قضاه علي مذهب معين فيقوم السلطان بالاجتماع به و يوليه القضاء و يخلع عليه خلعة ( يلبسه ثوبا ) صوف و يعطيه بغلة للتنقل بها .
احيانا كان يطلب احد القضاه من خارج مصر و ينتقل ايضا قضاه احد المذاهب الاربعة من مصر الي دمشق و غيرها ليتولي قضاء مذهبه .
– عندما يخرج قاضي القضاه من دمشق الي مصر لتولي القضاء بها يخرج يخرج القضاه و الاعيان لتوديعه و احيانا يرسل عائلته قبل رحيله لتسبقه في قافلة من الجمالو عند وصوله الي مصر يتوجه الي السلطان ليسلم عليه قم يتوجه لدار الحديث ثم المدرسة الركنية ليسلم عليه الناس .
شروط اختيار قاضي القضاه :-
في بداية الامر لم يكن هناك شروط محدد لتعيين و اختيار قاضي القضاه و القضاه ايضا فكانت المعرفة بالريعة و الفقه و الفطرة السليمة اشياء ضرورية يجب تواجدها بالشخص ليتولي مثل ذلك العمل فتلك الشروط تنطبق علي كل من قاضي القضاه و القضاه ايضا مع مراعاة شرط الخبرة و السن بالنسبة لقاضي القضاه .
حدد الماوردي الشافعي الشروط السبع الواجب توافرهم لمن يلي القضاه وفقا للشرع :-
1 – الذكورة و البلوغ .
2 – الذكاء : ليتمكن من التمييز و الايضاح .
3 – الحرية : لا يجوز للعبد التقليد بالقضاء الا بعد نوال حريته و توافر الشروط الاخري .
4 – الاسلام .
5 – العدالة : الصدق ، الامانة ، العفة ، البعد عن الريب .
6 – سلامة السمع و البصر : للتمييز بين الحق و الباطل .
7 – العلم بالاحكام الشرعية : العلم بالقرأن و السنة النبوية و الاجماع .
اضاف ايضا الماوردي انه يجب علي القاضي ان يتصف ب ( حسن العلانية ، مامون السيرة ، كثير الجد ، قليل الهزار ، شديد الورع ، قليل الطمع ) .
لم يتم تحديد شرط السن في تعيين القضاه فقد تعين قضاه في سن العشرون و الثلاثون و الاربعون .
اما فيما يخص منصب قاضي القضاه فلم يحدد له ايضا سنا محددا و لكن جرت العادة علي ان يتولي هذا المنصب من لديه خبرة طويلة بمجال القضاء و له هيبته ووقاره و سنه .
فتولي ( ابو جعفر الثقفي ) منصب قاضي قضاه بغداد في الثمانين من عمره .
تولي ايضا ( ابو عمر محمد بن يوسف الازدي ) ( ابو السائب عتبة بن عبيد الله الهمذاني ) و هما في الرابعة و السبعين من عمرهما .
تولي ايضا ( ابو جعفر احمد بن اسحاق بن البهلول التنوخي ) ذلك المنصب و هو في الخامسة و الستيين من عمره .
هذا لا يعني ان جميع من تقلدوا بهذا المنصب كانوا كبلر السن فقد تولي ذلك المنصب البعض و هم في سن مبكر و لكن هذا راجع لحظوتهم عند الخليفة او لمكانتهم في القضاء :-
تولي ( ابا الحسين عمر بن محمد بن يوسف الازدي ) قاضي قضاه بغداد قبل الاربعين من عمره فيما يقارب السابعة و الثلاثين .
تولي ايضا ( علي بن النعمان ) قضاء القضاه بالقاهرة و هو في عمر السابعة و الثلاثين .
تولي ايضا ( محمد بن النعمان ) ذلك المنصب و هو في سن الرابعة و الثلاثين .
مهام قاضي القضاه ( قضائية – غير قضائية ) :-
المهام القضائية :-
1 – تعيين القضاه و عزلهم .
2 – محاكمة الوزراء و الاشخاص الذين يهددون الخلافة و الدين .
3 – عقد بيعة و خلع الخلفاء : كانت تؤكل لقاضي القضاه مهمة خلع الخليفة ليكتب بنفسه كتاب الخلع و يقوم باحضار الاربعة شهود و قراءة رقعة الخلع و مبايعة خليفة اخر .
4 – الاشراف علي غسل الخليفة بعد موته .
– اشرف قاضي القضاه ( محمد بن النعمان علي غسل الخليفة الفاطمي ( العزيز بالله ) في القاهرة .
5 – عقد خطبة و زواج الخلفاء .
– عقد قاضي القضاه ( محمد بن النعمان ) زواج ولده ( عبد العزيز ) عام ( 985 ميلادية ) من ابنة القائد ( جوهر السقيلي ) علي صداق قدره ( ثلاثة الاف دينار ) في القاهرة .
6 – الحسبة و النظر في المظالم .
– تولي الحسبة في مصر قاضي قضاه الشافعية ( تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الاعز ) .
– النظر في المظالم : بالرغم من ان الناظر في المظالم كان ينظر فيما يعجز عنه القاضي و المحتسب الا ان البعض قد جمعوا بين الوظيفتين فكان ابي القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان قد جمع بين تلك المنصبين و هما قاضي القضاه و النظر في المظالم في عهد الخليفة ( الحاكم بأمر الله )
7 – عزل نائب السلطنة اذا امعن في الظلم و سوء السيرة و اخذ الاموال بغير حق .
8 – الفتوي : كان قاضي القضاه يفتي في الامور التي تهم الصالح العام .
* مهام غير قضائية :-
1 – التوسط عند الخليفة او الوزير .
2 – مرافقة موكب الحج .
3 – التدريس و الخطابة و النظر في الجوامع و مشيخة الشيوخ .
4 – دار الضرب و الاسوار ووكالة بيت المال .
5 – الجهاد في سبيل الله .
6 – ملازمة الخليفة .
– الخروج مع الخليفة في اسفاره – مصاحبة الخليفة اثناء المواكب .
– عندما توفي قاضي القضاه ( محمد بن النعمان ) عام ( 999 ميلادية ) و دفن بالقارة وقف علي دفنه الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي و هذا يثبت مدي الارتباط بين قاضي القضاه و الخليفة .
االراتب الخاص بقاضي القضاه :-
* في مصر : كان قاضي القضاه يتقاضي راتبا شهريا ثلاثين دينارا عام ( 772 ميلادية ) ثم رفعه الخليفة المامون الي مائة و ستين دينارا شهريا عام ( 813 ميلادية )
* عندما يترك قاضي القضاه منصبه بسبب كبر سنه او عجزه كان يرتب له معاش شهري فعندما ترك بدر الدين بن جماعة قضاء قضاه الشافعية في مصر منصبه عام ( 727 ميلادية ) بسبب كبر سنه حدد له راتبا شهريا ( الف درهم شهريا و عشرة ادراب قمح ).
فيما يخص جواز تلقيب الشخص بهذا اللقب من عدمه ( قاضي القضاه ) :-
* روي في صحيح مسلم حديث النبي صلي الله عليه و سلم ( ان اخنع اسمع عند الله رجل تسمي ملك الاملاك )
* فيما يخص السلفية فقد حرموا التسمي بامير الامراء و سلطان السلاطين و اختلفوا في الحكم في لقب قاضي القضاه من مؤيد و معارض .
* اما فيما يخص المالكية فرأي بعضهم جواز اطلاق ذلك اللقب علي كبير القضاه .
* قال ( عبد الله بن ابي جمرة المالكي ) يلتحق بملك الاملاك قاضي القضاه و ان كان قد اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمن و اطلاق ذلك علي كبير القضاه و قد سلم اهل المغرب من ذلك فاسمي كبير القضاه عندهم قاضي الجماعة .
* يذكر ان قاضي القضاه ( عز الدين بن جماعة الشافعي ) رأي اباه في المنام فساله عن حاله فقال ما كان علي اضر من هذا الاسم و امر الموقعين ان لا يكتبوا في السجلات قاضي القضاه بل يكتبوا قاضي المسلمين .
* قال ( ابو بكر الحنبلي ) قد يكون هناك انسان يعمل قاضيا و يضرب به المثل في العدل فيطلق عليه الناس لقب قاضي القضاه و هذا لا يجوز بهذه الصفة لان قاضي القضاه بهذا المعني الشامل العام لا يصلح الا لله عزوجل فمن تسمي بذلك فقد جعل نفسه شريكا لله عزوجل فيما لا يستحق فهو القاضي فوق كل قاض و الحكم و اليه يرجع الحكم كله و ان قيد بزمان او مكان فهذا جائز و لاكن الافضل الا يفعل لانه قد يؤدي الي الاعجاب بالنفس و الغرور حتي لا يقبل الحق اذا خالف قوله و انما جاز هذا لان قضاء الله لا يتقيد فلا يكون فيه مشاركة لله عزوجل و ذلك مثل ( قاضي قضاه العراق او قاضي قضاه الشام او قاضي قضاه عصرة ) .
* قال ( بدر الدين العيني الحنفي ) يمتنع ان يقال اقضي القضاه لان معناه احكم الحاكمين ، هذا ابلغ من قاضي القضاه لانه افعل تفضيل قال : و من جهل اهل زماننا من مسطري سجلات القضاه يكتبون للنائب اقضي القضاه و للقاضي الكبير قاضي القضاه .
رفض البعض تقلد منصب قاضي القضاه و من اشهرهم :-
1 – الامام ابو حنيفة النعمان .
2 – جعفر بن محمد التنوخي .
3 – ابو الفضل الهمذاني .
4 – برهانالدين ابو اسحق ابراهيم الفزاري .
زوال و انتهاء منصب قاضي القضاه :-
* استمر منصب قاضي القضاه قائما منذ بداية العصر العباسي و في اواخر العصر العثماني ادخل السلطان العثماني ( محمود الثاني ) و من بعده ابنه السلطان ( عبد المجيد الاول ) الكثير من النظم الاوروبية في النظام القضائي لتحديث النظم و الاجهزة الادارية مع بقاء الشريعة الاسلامية اساس القانون العثماني انشئ الاوروبيون محاكم جديدة زاحمت المحاكم الشرعية و تحولت المحاكم الشرعية بعد ذلك الي محاكم الاحوال الشخصية لما كانت تنظهر من قضايا الزواج و الطلاق و الخطبة و النفقة و الحضانة و تطورت بعد ذلك مؤسسة قاضي القضاه الي مشيخة الاسلام و اصبحت المحاكم الشرعية برئاسة المفتي و علي المذهب الحنفي و لم يعد منصب قاضي القضاه موجودا فقد توزعت مهامه الصغيرة علي المفتي و وزير العدل و المحاكم التابعة لهما .