الذكاء الإنساني: الاستعداد والحصاد ! (7)

من تراب الطريق (1050)

الذكاء الإنساني: الاستعداد والحصاد ! (7)

نشر بجريدة المال الاثنين 1/3/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

المتأمل يلمس في ذلك أصابع وتأثيرات ما يسميه البشر بصحيفة الآدمي وساحته وأخلاقه وضميره.. إذ الوعي والإدراك لم يمنحا عبثا ولغوا للآدمي لكي يعيث ويطيش ويفسد ويسفك الدماء، ثم لأن البشر لا يموتون في الأغلب الأعم إلاّ بنوع أو أكثر من الخلل داخل أبدانهم ليس له علاقة مباشرة بسواء الصحيفة أو الساحة أو فساد الضمير والأخلاق.

كل هذا عن نصيبنا قبل الخالق عز وجل من المسئولية عن حقوقه سبحانه وحقوق غيرنا من البشر والحيوان والنبات، مما نعيه وندركه بيسر وبغير تكلف.. وهو نصيب لا يتقاضاه الخالق عز شأنه أولاً بأول مثلما تحاول الدولة والقاضي ورجال الضبط وأمثالهم من العاملين في خدمة المجتمع حين يعتقدون أن عدوانا وقع عمدا أو إهمالا.. فإن هذا جهد بشرى ظني خارجي قد يصيب الحكم في أحـيان كثيرة، ويخطئه في أحيان كثيرة أيضا.. لأنه وليد عقول آدميين وذممهم وهممهم.. تختلف أو تتفق وتعجـز أو تقدر وتجزم أو تستريب وتتشكك فتختار الأسلم لها مخافة المجازفة بما قد يكون ظلما لبرئ !.. وهذه عدالة اجتماعية بشرية نسبية الجدوى محدودة الفائدة، عرضة دائما للتأثر بعيوب ونقائص الآدميين وعواطفهم وتعصبهم وجهلهم وكسلهم وعدم اكتراثهم وقلة مبالاتهم.. ويعيش دائما إلى جوار ذلك في كل زمان فسحة قد تضيق وقد تتسع.. تتبنى منطق عدالة الأخذ باليد انتقاما وثأرا يشتفي بها البعض من البعـض.. لا تتوخى القسط والإنصاف وإنما تنشد شدة الإيلام والإيجاع تتبادلها الأسرتان أو الفريقان أو القريتان.. ينتقم بها البعض من البعض تعبيرا عن عظم القوة والمنعة ولو بالنيل من ضحاياهم من جيل آخر وزمن آخر في بلد آخر !

ذلك أن الثأر والانتقام غريزة حيوانية بدائية من الغرائز الكثيرة المعروفة وغير الملحوظة لدينا والتي نشارك فيها عموم الأحياء.. وهي غريزة خفتت حدتها لدينا مع نمو الوعى والإرادة والخير والأخيار، ومع إيثار الفضائل وتحكيم العقل أو إيثار ما هو معقول.. والأغلب الآن أن يشعر الناس بالمسئولية الشخصية عن أفعالهم وبضرورة ما يسمى بالالتزام بمراعاة الأصول المرعية وبنظافة اليد والضمير والذمة واستقامتها. وهذا رقى أي كسب وتطور اكتسبه الآدمي خلال دهور مديدة ومازال يستزيد من اكتسابه بخطًى أكثر اتساعا ونظرات أبعد عمقا وتفهما.. خاصة بعد أن أيقن الآدمي فيما بينه وبين نفسه وبين الآخرين، أنه ليس حيوانا بل إنسان وقد وجد بطريقة أو أخرى سبيله إلى الاتصال بخالقه عزّ وجلّ اتصالا إراديا قصديا استعدت أعماقه للترحيب به وسلمت بضرورة مواكبة هذا الاتصال بكيفية ما، وبالإقرار بالمسئولية والمحاسبة عنه وعليه التي لا يعلم ساعتها وأوانها غيره سبحانه وتعالى.

والملاحظ أنه لا يجرى ـ بالسوية والانتظام ـ توزيع نسب المشابهة والمفارقة في تكوينات الآدميين أفرادا وجماعات.. ولعل ذلك أن يكون أمرا كونيا من بداية وجودهم لمقابلة وملاقاة احتمالات وجودهم هنا.. هذه الاحتمالات التي لا حصر لخيراتها وسوءاتها، فينفسح المجال أمام كل من القرابة والغربة والتساير والتباين، فتتسع مع هذا الانفساح فرص لا حصر لها للامتزاج والاختلاط أو للابتعاد والانفراد المؤقت.. وهو ما هيأ ويهيئ للجنس البشرى مجالات متاحة للنمو والتطور كلما لاحت له فرصها، وبما يمكنه من الانكماش والعزلة والاستكانة من أجل مجرد البقاء ـ مما نسميه التدهور ـ لمواجهة أحداث مؤلمة صادفها من قبل وقد يصادفها من بعد بعض البشر أو أغلبهم في هذه الدنيا.. وفي النمو والتطور كما في الانكماش والعزلة والاستكانة، تتراءى لعقل المتأمل أصابع الوعى الآدمي وإرادته واختياراته وأهواؤه ! مثلما يتراءى له مقدار حصاد عقله.. أو ذكائه ؟!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى