الدفاع الشرعي في الخيانة الزوجية

مقال بقلم: الدكتور أشرف نجيب الدريني

كيف يمكن أن يستفيد الزوج الذي يفاجأ بزوجته متلبسة بالخيانة من تخفيف العقوبة، بينما يُحرم العشيق والزوجة الخائنة من أي عذر مخفف إذا قتلا الزوج؟ هل يمثل ذلك عدم مساواة في ميزان العدالة، أم أنه ضرورة تشريعية تفرضها الأخلاق والقيم الاجتماعية؟ وإذا كان المشرّع قد راعى الانفعال المفاجئ للزوج، فلماذا لا يُراعى ذات الانفعال حين يطال العشيق والزوجة؟ هل القتل في مواجهة الخيانة فعل واحد أم أن الفارق بين القاتل والمقتول يصنع اختلافًا جوهريًا في التوصيف القانوني؟ هذه الأسئلة ليست مجرد جدل نظري، بل تمثل جوهر التوازن بين حماية الحقوق الفردية وصيانة النظام الأخلاقي العام، وهي مسألة تستحق التعمق والتحليل والوقوف أمامها بعقل قانوني متزن، بعيداً عن العاطفة والانفعال، في محاولة لفهم الفلسفة التشريعية الكامنة وراء هذه الأحكام.

القانون لا يُسن في الفراغ، بل يستند إلى منظومة قيمية تحكم المجتمع، ولهذا كان من الطبيعي أن يمنح المشرّع الزوج الذي يُفاجأ بالخيانة عذرًا مخففًا للعقوبة، إدراكًا للحالة النفسية المضطربة التي يكون فيها لحظة وقوع الجريمة. المادة 237 من قانون العقوبات المصري لم تأتِ عبثًا، بل عكست فهماً عميقًا لحقيقة أن الخيانة الزوجية ليست مجرد تصرف شخصي، بل صدمة أخلاقية واجتماعية تؤدي إلى حالة انفعالية خارجة عن السيطرة، تجعل التصرف العنيف نتيجة طبيعية أكثر منه سلوكًا إجراميًا محسوبًا. ومن هذا المنطلق، جاء التخفيف للزوج القاتل، لا لأنه محق في القتل، ولكن لأنه وقع في لحظة من الانفعال لا يستطيع فيها التحكم في أفعاله وفق المنطق الهادئ الذي تقوم عليه مسؤولية القتل العمد.

لكن ماذا لو انقلبت الأدوار وقام العشيق والزوجة بقتل الزوج؟ هل يمكنهما التذرع بنفس الحجة التي قُبلت لصالح الزوج؟ هنا يصبح التساؤل أكثر تعقيدًا. الدفاع الشرعي عن النفس لا يُمنح إلا لمن يواجه خطرًا حالًا ومباشرًا يهدد حياته، بحيث يكون استخدام العنف هو الوسيلة الوحيدة لدفع هذا الخطر. فهل يمكن اعتبار الزوج الغاضب، الذي يطالب بحقه الأخلاقي والقانوني، مصدر خطر غير مشروع على العشيق والزوجة الخائنة؟

الإجابة القانونية الواضحة هي النفي. الزوج ليس مجرمًا يعتدي على بريء، بل هو الطرف الذي وقع عليه الاعتداء أولًا، ولو لم تحدث الخيانة لما حدثت المواجهة أصلًا. وعليه، فإن ادعاء العشيق والزوجة بالدفاع الشرعي يصبح عبثيًا، لأن القانون لا يحمي الجريمة الأصلية (الخيانة) ثم يمنح مرتكبيها فرصة للإفلات من العقاب بحجة الدفاع عن النفس ضد من خانوه. المبدأ القانوني المستقر أن الدفاع الشرعي لا ينشأ عن فعل غير مشروع، والعشيق والزوجة الخائنة لا يواجهان خطرًا قانونيًا يستوجب قتلهما للزوج، بل يواجهان عواقب فعل غير مشروع ارتكباه بإرادتهما، وبالتالي فإن أي رد فعل عنيف منهما لا يُعد دفاعًا عن النفس، بل هو جريمة قتل عمد، تتطلب العقوبة المشددة.

قد يظن البعض أن هناك نوعًا من التناقض في منح الزوج القاتل عذرًا مخففًا، بينما يُعامل العشيق والزوجة كقتلة عمد، رغم أن الجريمة في جوهرها واحدة: قتل شخص بسبب الخيانة الزوجية. ولكن هذا التفسير يغفل عنصرًا جوهريًا في فلسفة التشريع الجنائي: ليس كل فعلين متماثلين في الشكل يتساويان في المسؤولية القانونية، بل إن النية الإجرامية وسياق الفعل هما ما يحدد طبيعة الجريمة وعقوبتها. الزوج القاتل لم يكن مُخططًا للجريمة، بل وجد نفسه في موقف صادم أدى إلى انفجار عاطفي دفعه لارتكاب القتل، أما العشيق والزوجة، إذا أقدما على قتل الزوج، فهما لا يرتكبان جريمة تحت تأثير الصدمة، بل بدافع التغطية على خيانتهما، أو الخلاص من العقوبة الاجتماعية أو القانونية. وهذا الفارق يجعل الجريمة الأولى قابلة للتخفيف، بينما تظل الثانية قتلاً عمدًا بكل أركانه.

إذا كان التمييز بين الزوج القاتل والعشيق القاتل قائمًا على هذا الأساس، فهل يمكن اعتبار ذلك تحيزًا تشريعيًا لصالح الزوج؟ على العكس تمامًا، القانون هنا لا يحابي أحدًا، بل يضع كل طرف في مكانه القانوني الصحيح. منح الزوج عذرًا مخففًا لا يعني إعفاءه من المسؤولية، بل هو مجرد اعتراف بأن سلوكه كان نتيجة ظرف استثنائي، بينما لا يمكن اعتبار العشيق والزوجة الخائنة في ذات الظرف. وبالتالي، فإن حرمانهما من أي تخفيف هو إجراء يتسق مع مبادئ العدالة، وليس خروجًا عليها.

هناك من قد يقترح تعديل التشريع بحيث يتم إلغاء المادة 237، ومعاملة الزوج القاتل مثل أي قاتل آخر، تحقيقًا للمساواة أمام القانون. لكن هل سيكون ذلك منطقيًا؟ إلغاء التخفيف سيلغي الفارق بين القتل تحت تأثير الانفعال الشديد والقتل العمد المخطط له، وهو ما يتعارض مع المبدأ الأساسي في القانون الجنائي بأن العقوبة يجب أن تعكس الدرجة الحقيقية لخطورة الفعل والنية الكامنة وراءه.

على الجانب الآخر، لا يوجد أي مبرر قانوني أو اجتماعي لمنح العشيق والزوجة أي تخفيف، لأن في ذلك تشجيعًا غير مباشر على الخيانة الزوجية، وإعطاء مرتكبيها طوق نجاة قانوني قد يحول جريمة الزنا إلى جريمة قتل مبررة. المشرّع ليس مطالبًا بتحقيق المساواة بين جميع الأطراف بشكل “ميكانيكي”، بل عليه أن يحقق العدالة وفقًا لمعطيات كل موقف، والعدالة هنا تقتضي أن يظل العشيق والزوجة الخائنة في موضع المجرم، بينما يُنظر إلى الزوج القاتل كفاعل تحت تأثير الصدمة، وليس كقاتل بسبق الإصرار.

القانون ليس نصوصًا جامدة تُقرأ بمعزل عن الواقع، بل هو منظومة متكاملة تستند إلى المبادئ الأخلاقية والاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد. ومن هذا المنطلق، فإن التفرقة بين الزوج القاتل والعشيق القاتل ليست تحيزًا تشريعيًا، بل هي ضرورة لضمان اتساق القانون مع الفطرة الإنسانية والمنطق الجنائي السليم. الزوج الذي يرتكب القتل في لحظة انفعال مفاجئ نتيجة صدمة الخيانة، ليس كمن يخطط لجريمته بسبق إصرار، كما أن من يخون عامدًا متوقعًا العواقب لا يمكن أن يتذرع بالدفاع عن النفس حين تنكشف خيانته.

ومنح العشيق والزوجة الخائنة أي تخفيف قانوني، تحت أي ذريعة، لا يعني سوى تشجيع الخيانة ومنح مرتكبيها حصانة غير مستحقة. والعدالة لا تتحقق بالمساواة المطلقة بين مواقف متباينة، بل تتحقق حين يُوضع كل فعل في موضعه القانوني الصحيح، وفقًا لطبيعته وظروفه وأثره الاجتماعي. لذا، فإن إبقاء المادة 237 كما هي، مع الإصرار على معاملة العشيق والزوجة كقتلة عمد، ليس مجرد تطبيق لنصوص القانون، بل هو تكريس لمفهوم العدالة الحقيقية التي تحمي المجتمع من الانحراف وتردع الفساد الأخلاقي، دون أن تمنح المجرم فرصة للالتفاف على المسؤولية تحت ستار الدفاع عن النفس أو غيره من الحجج التي لا تصمد أمام ميزان الحق والعدل. “الرحمة لا تعني التفريط، والعدل لا يعني التساوي بين المتفاوتين.” والله من وراء القصد

زر الذهاب إلى الأعلى