الخطاب القانوني ودوره في ( ترسيخ الأمن المجتمعي وتعزيز الازدهار الاقتصادي)
بقلم: د. محمد عبد الكريم أحمد الحسيني
(الخطاب القانوني والخطاب الإرهابي ) (2)
الخِطاب القانوني ليس ترفا من الكلام ولا ضربا من الهواية الخطابية ، وليس هو بإنشاء أجوف، أو مكتوب هامد، أو ونص جامد يُقْذفُ به في وجوه المخاطبين وليس هو نوعا من القصيد أو من صُيود الفِكر أو فَضْلةٍ من الإبداع الذاتي يترنَّمُ به صاحبه مُنشدا أو مُغرِّدا أو صاخِبا.
كلا ثم كلا! وهيهات ثم هيهات!
الخطاب القانوني صِناعة وفن، صِلة وتواصلٌ بين القائمين باسم القانون وبين الجماهير العريضة المخاطبة بالقانون، وهو رسالة عظيمة الأثر جليلة الخطر تحمل معنى مُعينا مقصودا وموجَّها بعناية ورعاية وحسن مخاطبة ودِعاية، فهو فن له أصوله وأدواته وقواعده الضابطة وإطاره الحاكم له، وجمهوره المستهدف به ، فهو رسالة موجهة تحمل معنى وقيمة وتتضمن أمرا عاما مجردا إزاء المخاطب به ، قد يكون أمرا ببشارة لمن وعى ذلك الخطاب ، وقد يكون إجراءً بنذارة لمن حاد عن ذلك الخطاب ولمن تنكب عنه ، وتنقَّصَ منه ، جاهلا أو متجاهلا ….سامرا أو هاجرا …ضاحكا أو ساخرا….!!!
والخطاب القانوني صناعة جليلة الشأن عظيمة الأثر كبيرة الخطر….. تحتاج إلى إمكانات ومُكنات وأدوات وكوادر بشرية مدربة واعية تملك الحس الاجتماعي والأسلوب البياني والوعي السياسي والعلم بحراك وسياق المجتمع …. ولهذا تفاصيل وتفاصيل …الأمر جلل وجليل ، والخطأ في هذا يعقبه الهول الوبيل …. والشر المستطير …. وإلا -بالله – فأخبرني …
- لماذا تثور شعوبٌ على حكامها؟؟!!!
- ولماذا تصدُّ الجماهيرُ عن ساساتها ؟؟؟!!!
- ولماذا تنقلبُ فئات من الشعب على بعض مؤسساتِ القانون كالمجالس النيابية واللجان التشريعية مثلا …؟؟؟
- ولماذا تثور فطاعات من الشعب على هيئات تنفيذ القانون مثل هيئة الشرطة مثلا….؟؟؟!!
- ولماذا ينتشر الفكر الظلامي ؟
- ولماذا يعلو شأن الخطاب الإرهابي ؟
- ولماذا يحلق صوت المرجفين والكارهين للوطن ولأمنه وانتظامه عاليا ؟؟
لماذا ولماذا ولماذا ….؟؟!!!!
يا سادة إنه سبب رئيس يسبق كل الأسباب ،ويفوقها ، ويغلب كل المُسبِّبات ويعلوها …ألا وهو سوء الخطاب القانوني ، وضعفه وقصوره وتقاصره وبلادته وتقليديته…. وتحوله من خطاب عقلي وبيان وجداني وتواصل بيني إلى خطاب لفظي نمطي هامد جامد ….وإلى فعل مادي صادم ….!!!!
فالخطاب القانوني السيِّئ يثير النفوسَ ، ويستثير الخواطرَ …..ويجيِّش المشاعرَ …. ويلهبُ الأفئدةَ …. ويقدح الشرور …. ويضري نيرانها فتضرم …. !!!
الخطاب القانوني السيئ يفتح أبواب الجحيم للفكر الظلامي والخطاب الإرهابي …خطاب الفتنة والكراهية والتشدد والعنصرية ….. يفتح الجحيم لخطاب الخروج على قيم الدولة الوطنية القانونية ، وقيم الإنسانية، بل وقيم الدين الوسطي الحنيف …. دين الرحمة والسلام دين السداد والقصد …. دين المرحمة الذي كرَّم الإنسان ورفعه وحرم قتل النفس والفساد في الأرض وترويع الآمنين وإهلاك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد…!!!!!
انتبهوا يا سادة….. ثم انتبهوا,,,,,!!!!
هل تظنون أن المخاطبين بالقانون منطقيون بطبعهم أو عقلانيون في أصلهم ….؟؟!!!!
هل تظنونهم آلات صماء تكفي معهم بضعة كلمات من هنا ومن هناك باسم القانون أو لأنها خارجة من مؤسسة ذات صلة بالقانون …لكي تحقق أثرها فتلامس عقولهم وتباشر نفوسهم ، وتسكن ثائرتهم ….وتطمن مخاوفهم وتقر عينهم ….؟؟؟؟!!!
كلا ثم كلا ….إنهم كباقي شعوب العالم …..إنهم أناس فطريون اجتماعيون عاطفيون ….!!!
وإننا يا سادة -جميعا بلا استثناء- كائنات عاطفية …نميل بالخطاب …. ونلين بلين الكلام ….ونأنس بجميل المحاطبة …. وننعم بالمجاملة …. ونسكن بحلو الكلمات …وبمعسول الخطابات ….إننا بلا استثناء نخضع لقانون “مَن لانت كلمته وجبت محبته “.
وهذه حقيقة اجتماعية لا يختلف عليها اثنان ، بل هي حقيقة شرعية ذكَّر الله بها رسله جميعا، فهذا نبي الله موسي –عليه السلام – أمره الله أن يخاطب فرعون – على رغم طغيانه وسطوته – بلين الكلام وجميل الخطاب، فقال تعالى :” اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآياتي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* [طه 43، 44] ، وخاطب الله نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم – فقال سبحانه :” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” [آل عمران 159]
وعليه يتوجب علي القانونيين وعلى المؤسسات القانونية ابتداء بالتعاون مع البرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى وعلى رأسها مجلس الوزراء وديوان رئاسة الجمهورية ….. العناية بهذا الخطاب القانوني ، والانتباه لخطره وعظيم اثره وأدواره الفاعلة في تعزيز الأمن الاجتماعي وتدعيم السكينة والنظام العام …ووأد خطاب الإرهاب والتطرف …. ودحض خطاب الفتنة والكراهية …..
والعمل على تحسين هذا الخطاب وإنقاذه من الجمود والثبات ، ومن التقليدية والنمطية ….. والعمل على تحسينه وتفعيله ، فليس يخفى على ناظر متبصر ما آل إليه هذا الخطاب من الضعف والسوء ، والافتقار إلى التجديد والنمو ، وهذا يرجع إلى عوامل عدة أهمها :
أولا : عدم وجود مؤسسة تقوم على الخطاب القانوني ، صناعة وتطويرا ….
ولهذا ورقة مفصلة سوف نطرحها في مقال مستقل بإذن الله ، … هنا نشير إلى نقطة هامة وهي وجوب عدم الخلط ما بين المؤسسات القانونية أو الأمنية وما بين مؤسسات صنع الخطاب القانوني ، فلا تلازم ما بين مؤسسات تطبيق القانون مثلا وما بين صناعته وتطويره ، وليس ثم رابط لازم كذلك ما بين المؤسسات الأمنية وما بين صناعة الخطاب القانوني . فهما على سبيل المثال وإن كانوا رجالات قانون والأمن المعنيين بهذا إلا أنه لا يشترط قيامهم بصناعة الخطاب القانوني ، وهم وإن كانوا شركاء كذلك في وضع ملامحه فليسوا هم بالضرورة من يناط بهم صناعته …..
إن صناعة الخطاب القانوني لهي صناعة متكاملة يجب أن يتشارك فيها رجالات القانون ورجالات السياسة ورجالات اللغة ورجال العلوم الاجتماعية والنفسية والفلسفية…. ورجالات الفكر والثقافة وقادة الرأي العام فضلا عن المتنورين من رجال الدين …. وكما أسلفنا لهذا مقام ومقال مستقل نظرا لخطورة هذه النقطة وضعف الكتابات فيها .
ثانيا : الاختيار السيئ للقائمين على الخطاب القانوني والمنادين به والصانعين له ….
وهذه أم الكوارث …!!!!
لأنه لو قام على الخطاب القانوني رجالات لا علاقة لهم به ؛ فإن المحظورات ستقع حتما جزما …قولا فصلا …. لأنهم بلا شك يصطنعون خطابا لا يلاقي قبولا لدى المخاطبين …. ولن تصغى إليه آذان …..وسيسمحون بسوء خطابهم وبمزجاة بضاعتهم للخطاب الإرهابي والخطاب الفوضوي أن يملأ مكانه ويتعزز لدى القاصي والداني ممن لم يلامس قلبه ولم يصافح عقله الخطاب القانوني الذي تقاصر عن الوصول إلى الجماهير …!!!
وستنقلب الآية إلى ضد ما المراد تماما …
وما الثورات ….. ولا الإضرابات ….ولا الانفلاتات الأمنية عن سوء الخطاب القانوني ببعيدة …..
إنها رابطة تلازم …..والتزام …رابطة طردية ….لا شذوذ فيها ولا استثناء يعتريها وقانونها
(خطاب قانوني سيئ = نفور اجتماعي … إرجاف أمني ….انهيار اقتصادي) .
وقبل ذكر باقي الأسباب هذه وقفة مع الوجه الآخر للخطاب القانوني ، ألا وهو الوجه المضيء والنهج الصواب للخطاب القانوني
فالخطاب قانوني الجيد يفعل الأفاعيل في المجتمع حتى إن شكى العوز وعدم الرفاه ،….. لأنه بالخطاب القانوني الجيد ، والرسالة القانونية المقنعة سيصبر صبرا جميلا ، سيتماهى مع المسئولين ….وسيصبر على إجراءاتهم ….وسيتقبل قراراتهم ….. سيجعله الخطاب القانوني الذكي ذو الرسالة المؤثرة والجملة المعبرة والكلمة المنتقاة والأسلوب النافذ عونا للإدارة …صابرا عليها لا مناهضا لها ولا ثائرا عليها ….!!!!!!!!!!!
- حطاب قانوني جيد يعني نجاح في السيطرة والضبط الأمني والمجتمعي …..!!!!
- خطاب قانوني جيد يعني ولاء المخاطبين للقيادة والحكومة ….!!!
- خطاب قانوني جيد يعني تماسكا للشعب مع حكومته …
- فلا إضراب ولا خراب ولا مروق ولا إباق ولا ثورات مخربة ولا إرجاف مدمر …..!!!