الخباثة والطعم الإسرائيلي
بقلم : رجائى عطية نقيب المحامين
درجت إسرائيل على قاموس للمفردات ملىء بالمغالطات وقلب الأوضاع .. كأن تقول : « لا تنازل » عن الأراضى، أو « لا تنازل » عن المستوطنات . الطريف أننا نلتقط الطُعم الإسرائيلى ، فيتحدث خطابنا السياسى أو الإعلامى عن « اللاتنازلات » الإسرائيلية ، بينما المسألة إعادة حقوق « لا تنازل ».. أذكر من سنوات أن إسرائيل أوكلت مهمة التفاوض بشأن قطاع غزة والضفة الغربية إلى وزير الداخلية الإسرائيلى لا إلى وزير الخارجية. وهذا الاختيار مقصود يريد أن يوحى للعالم ضمنًا ـ بأن القطاع والضفة شأن داخلى لإسرائيل.
ومن يتابع مفردات إسرائيل سوف يجد أشباهًا لهذه الطعوم التى يلتقطها الخطاب العربى فيرددها بلا التفات أو تفطن لمغزاها !
لم ينج الإعلام العربى من هذا الطعم ، فتراه يردد المفردات الإسرائيلية المغلوطة التى تستخدمها إسرائيل لمواراة ما ترتكبه إسرائيل من جرائم فى حق جيرانها ، وفى حق العرب ، وفى حق الإنسانية .. فهى لا تقول « رد » المستوطنات إلى أصحابها ، وإنما تقول « التنازل » عن المستوطنات أو الأرض ، وشتان بين التعبيرين ، فالتنازل لا يكون إلاّ عن الحق ، ولا حق لإسرائيل لا فى الأرض ولا فى المستوطنات .
وتقول وزارة الدفاع ، بدلاً من وزارة الحربية ، وكثيرًا ما تستعمل النظم العربية تعبير الحرب والحربية ، بينما هى جميعًا فى موقع الدفاع ، وقد تنبهت مصر من سنوات إلى ذلك ، فعدلت عن مسمى وزارة الحربية إلى مسمى وزارة الدفاع .
وحكاية استخدام لفظ « الدفاع » حكاية قديمة فى المفردات الإسرائيلية المغلوطة التى لا نتفطن إليها.. فبينما كنا من قديم الأزل نطلق لفظ « الحربية » على الوزارات العربية التى تتولى شئون القوات المسلحة ، نجد إسرائيل ، ومنذ أقامت كيانها العدوانى الاستيطانى الإحلالى تطلق على آلة « الحرب » الإسرائيلية مسمى « وزارة الدفاع ».. لتوحى بأن آلة الحرب والعدوان الإسرائيلية آلية دفاعية .. للدفاع لا للعدوان !!
الغريب أن من انتصروا للسلام بتعلّة وجود نفع من الاحتكاك أو التعامل مع إسرائيل ، قد دخلوا إلى المضمار بسلامة نيّة تبلغ حـد السذاجة ، إزاء عدوان عدائى يدبر لكل شىء عدته ، حتى فيما يبدو أنه بعيد عن أن يكون محلاًّ لإعداد !!.
هل تتذكرون يوم أوقف مناحم بيجن مفاوضات كامب ديفيد ليرجع إلى الكنيست الإسرائيلى ليأخذ موافقته أولاً على رد « المستوطنات » المقامة على الأراضى المصرية المحتلة إلى مصر .. ويرهن العالم بما فيه أمريكا بكل سؤددها 36 ساعة ظل فيها العالم ينتظر وظل فيها الكنيست الإسرائيلى منعقدًا يتناقش ويتشاحن ويتحاور ويقـدم ويحجـم هل « تتنازل » إسرائيل ـ ولاحظ لفظ « تتنازل » ـ عن المستوطنات وتردها إلى مصر .. وكأن إسرائيل صاحبة حق تتنازل عنه ؟!!
فى الوقت الذى يتخابث فيه الخطاب الإسرائيلى ويغالط الدنيا ، يتساذج الخطاب العربى ويقع فى أخطاء فادحة.
لازلت أذكر كيف كتبت فى الثمانينيات إلى الأستاذ أحمد بهاء الدين قبل أن يدخل فى غيبوبته المريرة ، أن كتبة ومُعدّى أبواب الكلمات المتقاطعة فى الصحف المصرية والعربية يقعون فى أخطاء فادحة تهب حقًا لإسرائيل ، وتهدم التاريخ وتطمسه فى عيون الأجيال العربية الجديدة .. حين تورد مثلاً أن « الكلمة » المطلوب الاهتداء إليها هى لمدينة إسرائيلية ، فإذا بها يافا أو عكا أو حيفا الفلسطينية منذ الزمان الأول ، أو أنها لبحيرة إسرائيلية ، فإذا بها بحيرة طبرية العربية ! .. ربما لو لم يتبن الأستاذ بهاء هذه الصرخة وينشرها فى يومياته المقروءة مع ما له من وزن وقامة ، لمضت هذه الغفلة الإعلامية العربية تصف المدن والبحيرات والأنهار والأراضى العربية بأنها إسرائيلية !!!
حتى الخطاب العربى الصائب ، الذى يصادف موضعه ، ويعرى الإسرائيليات ، خطاب صادر بالعربية إلى الداخل العربى الذى ليس بحاجة إلى تبصير بأفاعيل إسرائيل.
بينما الخطاب العربى إلى الخارج يعطل تعطيلاً تامًا ، مع أن الأصوات تتنادى من زمن بإنشاء آلية إعلامية عـربية ، ولتكن تحت جناح الجامعة العربية المراد تقويضها ، تجمع من يتقنون اللغات الأجنبية مع خبراء الإعلام ، ليصوغوا خطابًا عربيًّا إلى الخارج بلغاته ، يوضح للعالم حقيقة ما ترتكبه وتفعله إسرائيل خلافاً لكل مبادئ القانون الدولى وحقوق الشعوب والأوطان!!