الحماية القانونية لحرمة الحياة الخاصة.. بحث
إعداد: الأستاذ/ فهد محمد، محامٍ، وباحث دكتوراه في القانون
– بدايةً : لقد جعل الإسلام لكل إنسان مُنطقته الخاصة به، لا يجوز لأي إنسان آخر أن يقتحمها أو يتعدى عليها بأي طريقة من الطرق التي تكشف عن خصوصية الآخرين بدون وجه حق، فكل ما من شأنه أن يقتحم خصوصية الآخرين ويتتبع عوراتهم حتماً هو انتِهاك لحُرمة الحياة الخاصة التي نهى عنها القرآن الكريم – قال تعالى ” ولا تجسسوا “ كما أمرنا سبحانه وتعالى باِجتناب الظن – قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاتَجَسَّسُوا ” سورة الحجرات آية [12].
– أيضاً روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتَّبعوا عوراتِهم ، فإنه مـــن اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه ، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه ” المحدث/ الألباني – صحيح أبي داود – أخرجه أبو داود – وأحمد.
– وهناك موقف للصحابي الجليل الفاروق عمر بن الخطاب : أنه خرج يوما فرأى ضوء نار وكان معه عبد الله بن مسعود فتبع الضوء حتى دخل الدار فوجد سراجاً في بيت فدخل وذلك في جوف الليل فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب ومغنية فلم يشعر حتى هجم عليه عمر فقال: ما رأيت كالليلة منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله، فرفع رأسه إليه فقال: بلى يا أمير المؤمنين ما صنعت أنت أقبح تجسست وقد نُهي التجسس، ودخلت بغير إذن. فقال عمر: صدقت ثم خرج عاضاً على ثوبه يبكي، وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه ”
– يتضح مما سبق: أن الإسلام جاء سباقً في الحفاظ على حرمة الحياة الخاصة للإنسان، كما أنه نهى عن التجسس وتتبع عورات الناس، كما جاء في القرآن و السنة النبوية- والشريعة الإسلامية تناولت كل هذه الأمور المتعلقة بالحفاظ على حرمة الحياة الخاصة .
أولاً : ماهية حرمة الحياة الخاصة بوجه عام :
هي كل مايتعلق بهوية الشخص وتعني حرية الفرد في عدم إفشاء معلوماته الشخصية والأحتفاظ بكل ما يتعلق بحياته الخاصة، ونطاقها يمتد على كل ما يتعلق بحياته العائلية والمهنية والصحية ، ومعتقداته الدينية والسياسية والفكرية، ومراسلاته ومحادثاته وجميع المظاهر غير العلنية في الحياة العملية للفرد.
– من خلال هذا التعريف يتيبن أن حرمة الحياة الخاصة، هي حرية الشخص في كيفية اختِيار أسلوب حياته، ولا يمكن لأي شخص أن ينال منها، الإ أذا سمح له القانون بذلك.
– وفي الحقيقة إن حرمة الحياة الخاصة للإنسان ليس لها تعريفًا محددًا، وذلك بسبب أختلاف الجرائم التي تقع في حق الإنسان، وبسبب أن مفهوم الحياة الخاصة مفهوم نسبي يختلف من وقت إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع، حيث قامت اغلب التشريعات المختلفه بعدم وضع تعريف محدد لحُرمة الحياة الخاصة تاركه هذا الأمر للفقه والقضاء، واكتفت بوضع نصوص قانونية تكفل حماية الحق في الحياة الخاصة .
ثانياً : حرمة الحياه الخاصة في البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام :
– تناول البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام والصادر عن المجلس الأسلامي الدولي للعالم في تاريخ 21 من ذي القعدة 1401هـ، الموافق 19 سبتمبر 1981م :
– حيث نصت المادة [22] منه على – حق الفرد في حماية خصوصياته:
سرائر البشر إلى خالقهم وحده: ” أفلا شققت عن قلبه” رواه مسلم، وخصوصياتهم حمى، لا يحل التسور عليه: “ولا تجسسوا” (الحجرات: 12). يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه: “لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله” (رواه أبو داود والترمذي) واللفظ هنا له .
ثالثاً : إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام :
تم إجازته من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، القاهرة، 5 أغسطس 1990 – حيث نصت المادة[18] منه على أنه :
أ– لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنا علي نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله.
ب- للإنسان الحق في الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه وأسرته وماله واتصالاته، ولا يجوز التجسس أو الرقابة عليه أو الإساءة إلي سمعته وتجنب حمايته من كل تدخل تعسفي.
ج- للمسكن حرمته في كل الأحوال ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه أو مصادرته أو تشريد أهله منه.
رابعاً : الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة :
نصت المادة [ 12 ] منه على أنه : لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات.
خامساً : كفالة الدستور المصري لحُرمة الحياة الخاصة:
– تعمل الدولة على صيانة حقوق الإنسان والدفاع عنها من كافة صور العدوان، باعتبار أن ذلك هو الدور الرئيسي لها، وبالنظر إلى التقدم العلمي الهائل، واتساع نطاق استخدام أجهزة الاتصالات الحديثة، فقد تعرضت الحياة الخاصة لانتهاكات متعددة، مما دفع بمعظم التشريعات والقوانين في اغلب الدول إلى بسط حماية أكبر للحق في الخصوصية، كأحد الحقوق الأساسية وهو يعتبر أهم الحقوق الفردية أو الحريات الشخصية، حيث شدد الدستور المصري الحالي في أكثر من مادة على حرمة الحياة الشخصية للأفراد .
حيث نصت المادة [57] منه على أن “ للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك.
وتنص المادة [59] على أن : “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها”
كما نصت المادة [99] ايضاً على أن: ” كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضماً إلى المضرور بناء على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون.
سادساً : تصدي قانون العقوبات للأفعال التي تنتهك حُرمة الحياة الخاصة للأفراد .
– إن قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 تصدي للأفعال التي تنتهك حرمة الحياة الخاصة للأفراد، ووضع ضوابط صارمة للحفاظ على حرمة الحياة الخاصة فقرر تجريم الأعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطن بارتكاب عدد من الأفعال فى غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضا المجنى عليه.
حيث نصت المادة [309] مكرر : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه :
[أ] استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.
[ب] التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً.ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما تحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.
ونصت المادة [309] مكرر (أ) : يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضاء صاحب الشأن.
ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.
سابعاً وأخيرًا: إن تطور المجتمع وتقدمه في شتى المجالات، لاسيما في المجال التكنولوجي ووسائل الأتصال الحديثة التي من خلالها أضحت عملية التواصل بين الأفراد سواء في الداخل أو في الخارج سهلة ويسيره، وعلى الرغم من التقدم والتطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم حاليًا، باتت تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة تهدد الفرد والمجتمع بسبب أستغلال التكنولوجيا أستغلالاً خاطىءً من بعض الأشخاص الذين يستهدفون حرمة الحياة الخاصة للإنسان، سواء عن طريق التجسس أو عن طريق أختراق الأجهزة المستخدمة في عملية التواصل بين الأفراد والتعدي على حرمة حياة الأفراد بدون وجه حق، سواءً بالأبتزاز أوبسرقة ما تحويه الأجهزة من أسرار وبيانات ومعلومات شخصية خاصة، أو بتسجيل وتسريب المكالمات والفديوهات الشخصية على شبكة الأنترنت، وهناك العديد من الجرائم التي حدثت خلال الفترة الماضية وتناقلتها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الأجتماعي والتي أحدثت ضجيجًا بين المواطنين، الأمر الذي حدا بالمشرع التوسع في تجريم تلك الأفعال عن طريق إصدارالقانون رقم 175 لسنة 2018 – وهو مختص بالجرائم التي تستخدم عن طريق شبكة المعلوماتية أو أحدى وسائل تقنية المعلومات حيث نظم القانون تلك الأفعال التي تعد جرائم وقرر لها عقوبات خاصة بها – حيث نصت المادة (25) منه على أن : يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته, أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
– مما تقدم نرى أن السلطات المصرية تعمل جاهدة في ضمان وصيانة حرمة الحياة الخاصة للأفراد سواءً على الصعيد الداخلي أو الدولي، وذلك من من خلال نشر الوعي بين أفراد المجتمع والحث على عدم انتِهاك القيم والمبادىء الأُسرية، سواء عن طريق وسائل الإعلام المرئية منها أو المسموعة، أو عن طريق إقامة ندوات علمية وإعطاء دروس دينية بهدف الحد من اِنِتشار تلك الأفعال التي تمثل خطراً على الأفراد والمجتمع ككل، أو من خلال التوسع في إصدار قوانين تُعاقب على ارتكاب تلك الأفعال التي تمثل انتِهاك لحرمة الحياة الخاصة.