الجرائم الالكترونية بين النظرية والتطبيق
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى
تطورت في الأونة الأخيرة تطبيقات الانترنت ووسائل التواصل الالكتروني بشكل سريع ومفاجئ، حيث بدأت الطفرة الكبري مع بداية القرن الحالي وظهور مواقع تواصل أظلت تحت سيطرتها العالم بأسره، وهو الأمر الذي واجه تحدياً كبيراً لدي المشرع المصري، فقد كان مطالباً بمواكبة التطور وفي الوقت ذاته حماية الأفراد من سلبيات هذا الانتشار الواسع والسريع.
واكب هذا التطور تطور آخر في عالم التطور الرقمي، فبات الانترنت عنصراً أساسياً في المجتمع عامة والمجتمع التجاري والبنكي على وجه الخصوص، فظهرت التعاملات البنكية الالكترونية – أون لاين – واستحوذت على عدد كبيراً من التعاملات البنكية حتى أصبحت في الوقت الحالى أهم عناصر الحياة اليومية، خاصة مع اتجاه الحكومات إلى فكرة التحول الرقمي في جميع الجهات الإدارية.
نتيجة لهذا الاستخدام والتطور والواسع ظهرت بعض سلبيات هذا وذاك، فانتشر الاعتداء على الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي، كما انتشرت عمليات النصب الالكتروني كناتج مباشر للتعاملات البنكية أون لاين.
تدخل المشرع المصري عام 2018 مُصدِراً القانون رقم 175 تحت مسمى – قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات – وحدد بموجبه صور وأشكال الجرائم التي ترتكب بواسطة الانترنت او الشبكات الإلكترونية وحماية البيانات والمعلومات من الاختراق، واضعاً نصوصاً مُجَرِمة وعقوبات محددة لهذه الجرائم.
تعددت الجرائم التي أوردها المشرع المصري بهذا القانون، ومنها:
– الجرائم المتعلقة بانتهاك الحق في الخصوصية: تناول المشرع المصري سلفاً بقانون العقوبات الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة وإفشاء الأسرار بما أورده بنصوص المواد (306، 307، 308، 308 مكرر، 309، 309 مكرر) من قانون العقوبات؛ فيما أورد المشرع بالقانون الجديد نصاً جديداً يتناول الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، فجاء بنص المادة (14) ما يجرم الدخول غير المشروع على موقع أو حساب خاص والاطلاع على ما به من بيانات، وغلظ المشرع العقوبة حال اتلاف أو محو أو تغيير البيانات، ونصت المادة (15) على جريمة تجاوز حدود الحق في الدخول، ويكمن الفارق بين الجريمتين في أن الأولى لا يملك المتهم فيها حقاً أو تصريحاً بالدخول للموقع أي أنه دخل إلى الموقع أو الحساب الخاص بشكل عمدي أو غير عمدي دون أن يكون مصرحاً له بذلك، اما في الثانية فإن المتهم يملك حق الدخول للحساب أو الموقع إلا أن الحق محدد بحدود معينة تجاوزها المتهم إلى ما هو أبعد فتجاوز بذلك حدود الحق المخول له في الدخول.
– كما جريمة الاعتداء على البريد الالكتروني أو المواقع والحسابات الخاصة تعد من صور جرائم الاعتداء على الخصوصية وقد وردت بنص المادة (18) من القانون، ثم وضع المشرع تصوراً عاماً لفكرة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والحق في الخصوصية بما أورده بنص المادة (25، 26) ووسع إطار التجريم ليشمل الاعتداء على القيم الأسرية المصرية.
– الاحتيال الالكتروني: ترتكب هذه الجريمة عادة على أنظمة وتقنيات الدفع والاعتداء على البطاقات البنكية وأدوات الدفع الالكتروني، وقد وضع المشرع هذه الجريمة مقرراً عقوبة الحبس لمرتكبها والغرامة التي لا تقل عن خمسون ألف جنيه مصري، وذلك بما ورد بنص المادة (23) من القانون المذكور، وهذه الجريمة تحتاج من المشرع المصري إلى إعادة نظر كون الجريمة المرتكبة عظيمة الاثر على القطاع الاقتصادي والبنكي في مصر لذلك نرى ضرورة تشديد العقوبة لتكون السجن ومضاعفة الغرامة تحقيقاً لعنصر الردع الواجب لتلك الجرائم.
– القرصنة: أوردت المواد (13، 16، 17، 20، 21، 22) صوراً مختلفة من جريمة القرصنة الالكترونية، فمن اعتداء على سلامة شبكات وأنظمة وتقيات المعلومات، إلى اعتراض البيانات الالكترونية، والاعتداء على معلومات الدولة) وتلك الصور تعد صورة أولية لجرائم القرصنة الالكترونية ويجب إعادة النظر فيها بتحديد نوعيات جديدة من الجريمة كاستعمال صور أو فيديوهات محرفة أو مصطنعة بالذكاء الاصطناعي وغيرها من الصور الحديثة الناتجة عن التطور التكنولوجي الحالي.
– الابتزاز الالكتروني: أوردت المادة (24) صورة اصطناع حساب الكتروني باسم الغير وابتزازه سواء بنشر معلومات خاصة صحيحة أو غير صحيحة بموجب هذا الحساب المصطنع، وقرر المشرع عقوبة الحبس والغرامة لتلك الجريمة.
– الاعتداء على حقوق النشر: كما أورد القانون صوراً متعددة للاعتداء على حقوق الملكية الفكرية سواء فيما يخص تصاميم المواقع الالكترونية او أعمال مدير الموقع الالكتروني، وتلك الجرائم تقوم على فعل مادي واحد وهو الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية بشكل عام سواء كان هذا الاعتداء من أحد القائمين على الموقع او من الغير وقرر لها عقوبات تصل إلى الحبس.
كما تناول القانون المسؤولية الجنائية لمقدمي الخدمة – القائمين على العمل بالمواقع والانترنت – ووضع المشرع ظرفاً مشدداً يصل بالجريمة لحد الجناية حين أضاف مع الفعل المكون للجريمة غرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض أمن وسلامة المجتمع للخطر أو الإضرار بالأمن القرمى للبلاد؛ كما قرر مسؤولية جنائية على الشخص المعنوي بوقف الترخيص ومعاقبة المسؤول الفعلي عن الإدارة.
بالكلية نجد أن هذا القانون هو اللبنة الأولى لتكوين مجموعة من القوانين التي تقرر حدود استخدام التقنيات الحديثة، إلا أننا نجد أن جُل الجرائم والعقوبات تحتاج إلى إعادة نظر من قبل المشرع المصري، فالأصل في العقاب هو الردع وحال كون العقوبة غير رادعة فلا تتحقق الغاية التشريعية للتجريم، ومن ثم نرى أن جميع العقوبات الواردة بهذا القانون تحتاج إلى تدخل تشريعي بتغليظ العقوبة ومضاعفة الغرامة، كما أننا نرى أن الظرف المشدد قد جاء ضيقاً لأبعد الحدود ففكرة النظام العام فكرة مطاطة ونتيجة لذلك تقترن عادة بما تلاها من أفكار فلا نكون أمام تشديد إلا حال المساس بالأمن القومي، وهي فكرة منتقدة فيجب أن يكون التشديد بصور أكبر عدداً وأكثر تنوعاً مما ورد في القانون، كما أن تقدير مسؤولية الشخص المعنوي على مسؤول الغدارة الفعلية وإلغاء الترخيص أمراً يحتاج إلى إعادة النظر، وذلك بالنظر إلى طبيعة الجريمة المرتكبة ومرتكبها، فمثلاً مع ظهور الذكاء الاصطناعي أصبح المدير المسؤول عن الذكاء الاصطناعي فاعلاً أصلياً للجريمة، كما أن الجريمة قد ترتكب من أحد أفراد الشركة ويكون غير مسؤول عن الإدارة الفعلية، فيجب إعادة النظر في تحديد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوى.
ختاماً نناشد المشرع المصري بإعادة النظر بشكل دوري في هذا القانون والنظر إلى التطورات والأفكار الجديدة التي اقتحمت عالم التكنولوجيا حماية للدولة المصرية بشكل اساسي ثم الدفاع عن مصالح الافراد وحمايتها من الاعتداء من جهة أخري، ولا يمكن التوقف على ما تم بالقانون 175 لسنة 2018 كنموذج جامد لقانون وضع الجريمة وعقوبتها، فالجريمة هنا تتطور بشكل شبه يومي ويجب أن يتطور التشريع لمواجهة هذا التطور.