الثقافة القانونية وبناء الإنسان المصري
بقلم محمود عنتر محام وباحث دكتوراه في القانون
هناك مبدأ قانوني سائد في كل القوانين، وهو أن الجهل بالقانون لايعفي من الوقوع تحت طائلته، وهذا يجعل من الثقافة القانونيه أهمية وضرورة ملحة للأفراد والمجتمعات، فعلم القانون هو علم الحياة؛ لأنه علم يضع قواعد لمعاملة الناس بعضها ببعض، لاسيما في الحقوق والألتزامات المالية، ولما كان لكل تعامل له آثاره القانونية التي قد تؤدي الى تطبيق قانون العقوبات عليه، وقد يؤدي هذا التصرف إلى الغرامة، أو الحبس أو السجن، فمن ثم وجب أن يكون لكل مواطن الحد الأدني لهذا النوع من الثقافة القانونية، لا نطالب بمنحه الدكتوراة، أو درجة الليسانس في تخصص الحقوق، لأنها دراسة تخصصية، ولكن هناك ثوابت، ومبادئ قانونية يجب علي كل مواطن الألمام بها، وهذا هو المقصود بالثقافة القانونية، فعليه أن يتعلم ما هو الآثر القانوني المترتب علي توقيعه، مثلا علي ورقة علي بياض، أو توقيعه شيك أو لكي يحصل من شخص آخر علي شيكاً من حسابه.
ونحن نرى أهمية التشنئة لاسيما في المجال القانوني، بل في جميع نواحي المجالات؛ بما لها من سهولة غرس العديد من القيم والمبادئ التي تتشكل بها شخصيه الفرد، فحقا التعليم فالصغر كالنقش على الحجر، وتعد المراحل الأولى الأبتدائية والإعدادية والثانوية، مراحل تكوين الشخصية، ويجب أن تهدف فيها الثقافة القانونية إلي إنشاء روح الجماعة، وتأكيد علي نسبية الحقوق والحريات، بأن كل حق يقابله واجب، وأن حريتي تنتهي عند حرية الآخرين، ولا شك أن من بين أهم الوسائل، التي تعين على تحقيق هذا الهدف المنشود، نجد المؤسسات التربوية والتعليمية، التي من شانها، تلقين الناشئة قيم ومبادئ احترام القانون وسموه ،باعتباره شكل من أشكال التربية على المواطنة، التي تقوم على ربط واقتران الحقوق بالواجبات، لذلك نرى ان تبدأ هذه التوعية منذ المراحل الأولي للتعليم من السنة الثالثة الابتدائية حيث يعطي الطالب جرعة من القانون تتناسب مع سنه وفهمه بالتدريج من مرحلة لأخري حتي الجامعة.
وفى تلك المرحله الجامعية يتم توفير الحد الأدنى من المعلومات القانونية الأساسية والهامة بالنسبة لجميع الطلاب بمختلف تخصصاتهم، كما هو مطبق في العديد من الدول الاوروبيه وبعض الدول العربية ، والتي تدور حول تعريف القانون وأهدافه وخصائصه وتحديد طبيعة العلاقة بين القانون والدولة والأفراد وماهية الدستور وأبرز الحقوق والأحكام والمفاهيم القانونية الأكثر اتصالاً بحياة الفرد ، وكذلك بيان فكرة الدولة وسلطاتها الثلاثه التشريعية والتنفيذية والقضائية ومبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ سيادة القانون ومبدأ الشرعية ومبدأ المساواة وأهمية المشاركة في الاستحقاقات الانتخابيه وغيرها من المبادئ العامة التي تسهم في التثقيف القانوني للشخص.
وهذا له بعد وطني واجتماعي وأخلاقي في الأساس فهو ضرورة لجميع طلاب غير القانون لأنه سيزودهم بالمعرفة القانونية ويبث في نفوسهم احترم وسيادة القانون كلاً في مجاله، وأن يعي الطالب أن عدم الالتزام بالقانون يؤدي الي الفوضي وارتكاب الجرائم وانتشار العديد من السلوكيات الضاره التي يصعب تغييرها بعد ذلك في شخصيته مما يحدث تفسخاً اجتماعياً يصعب بل يستحيل تغييره أو تعديله ، وكذلك تصارع وخلافات لاحد لها، بالتالي تكدس المحاكم بالقضايا التي لاحصر وعدد لها .
ونحن علي ثقة انه إذا وصلت الثقافة القانونية للمواطن منذ نشأته فقد حققت الحسنيين الأولى معرفته بالحقوق والواجبات الملقاة على عاتقه طوال حياته ثانيا إحجامه عن السير في الطريق الخاطيء مما يكون له مردود إيجابي علي المجتمع من شتى النواحي .
لذلك نرى ان تعميق ثقافة القانون لدى المجتمع يعد من العوامل الأَسَاسية في عملية التطور والتنمية التي يطمح إليها كُـلّ مواطن، بل هو شرط لكل معادلة إصلاح في جميع المؤسّسات، وتساهم في جعل الأفراد يحرصون على التقيد بالقواعد القانونيّة، وتوفر بيئة خالية من الجرائم، وتحافظ على المجتمعات عن طريق نشر القوانين داخلها، وتحمي الأفراد الذين يتعرّضون للعنف بكافة أنواعه، وتحمي الحقوق الخاصة بكل فرد لذلك أقترح بإطلاق ‘الاستراتيجية الوطنية لتنمية الوعى بالثقافة القانونية’ لنصل الي من مواطن صالح يجعل من احترام القانون منهاجاً في حياته وسلوكاً اعتيادياً في تصرفاته.