التوعية القانونية ومدى أثرها على التنمية المستدامة
دينا المقدم
يعد القانون من الأساسيات التي ترتبط بوجود المجتمع، فهو الذي يعمل على تحديد حقوق أي شخص والتزاماته، حيث يضع الجزاء، ويحدد كيفية تطبيقه من قبل الحكومة على كل من يخالف القواعد التي وُضعت لذلك. فى البداية، أفضل أن أعرّف القانون وأنواعه ومدى تأثيره فى الحياة الإنسانية والاجتماعية، وبناء الدول، والحفاظ على التنمية.
فالقانون هو عبارة عن مجموعة من الأسُس والقواعِد التي تحكم المجتمع، وتعمل على تنظيمه، حيث إنه لا يمكن للمجتمع العيش بِنجاح إذا كان أفراده لا يخضعون لقوانين تحكمهم، ويفعلون ما يروق لهم دون مراعاة لواجباتهم وحقوقهم. فالقانون هو الذي يضع القواعِد التي تحدد حقوق الأفراد وواجباتِهم، ويضع الجزاء المناسب في حال مخالفة تلك القواعِد والأسس، ويُطبق الجزاء من قِبل الحكومة، حيث تتغير القواعد القانونيّة باستمرار، وذلك تبعا للتطورات والتغيرات التي تحدث في المجتمع.
إلا أن المواطن العربى لا يعرف عن القانون سوى حقوقه، ولا يعرف كل حقوقه أيضا، وفى ذلك تقصير من رجال القانون.
وهناك نوعان من القوانين تحكمنا دون غيرهما، القانون الإلهى وهو ما وضعه وأمر به الله فى كتبه المقدسة، متمثلا فى القرآن، والإنجيل، والتوراة، وهذا لا نقاش فيه ولا جدل.
أما القانون الآخر، فهو القانون الوضعى الذى قام الإنسان بتنسيقه ووضعه، والذى بدوره منبثق بالأساس عن القوانين الإلهية أيضا، ولكنه متغير بتغير وتطور الزمن والأماكن، لذا لا يمكن بأى شكل فصل النوعين عن بعضهما.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا هائلا فى المنطقة العربية، وانفتاحا، ومطالبات بالحرية والديمقراطية.
وأمام هذه التطورات، يتعين علي المجتمع العربي أن ينهض لتطوير تعليم القانون، واحترامه، وتنفيذه، وتعليمه لغير القانونيين من النشأة الأولى، وليس فقط في كليات القانون في الدول العربية كافة، حيث إن تطوير تعليم القانون من شأنه أن يؤدي لتطوير الممارسة القانونية، ويدعم تطبيق القانون، ويسهم في بناء مجتمع مدني، عصري، متحضر، يحترم القانون، لأنه يفهمه ويدركه. من هذا المنطلق، تأتي التوعية القانونية لدعم التنمية
إن سيادة القانون والتنمية أمران مترابطان بشكل وثيق، ويعزز كل منهما الآخر. والنهوض بسيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي أمر أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل للجميع، والتنمية المستدامة، والقضاء على الفقر والجوع، وإعمال جميع حقوق الإنسان، والحريات الأساسية على نحو تام، بما في ذلك الحق في التنمية، وهي أمور تعزز بدورها من سيادة القانون.
وعلى الصعيد الدولي، تضع مجموعة الصكوك الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالتجارة الدولية، والتمويل، وتغير المناخ، وحماية البيئة، والحق في التنمية، المعايير المتفق عليها دوليا التي تدعم التنمية المستدامة.
وعلى الصعيد الوطني، تُعد سيادة القانون أمرا ضروريا لتهيئة بيئة ملائمة لتوفير سُبل العيش المستدامة، والقضاء على الفقر. وغالبا ما ينبع الفقر من عدم التمكين، والإقصاء، والتمييز. وتعزز سيادة القانون التنمية، من خلال تعزيز أصوات الأفراد والمجتمعات، عن طريق إتاحة سُبل الاحتكام إلى القضاء، وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وترسيخ سُبل الانتصاف فيما يتعلق بانتهاك الحقوق. ومن شأن تأمين سُبل المعيشة، والمأوى، والحيازة، والعقود تمكين الفقراء من الدفاع عن أنفسهم، حال وقوع أي انتهاكات لحقوقهم. ولا يقتصر التمكين القانوني على توفير سُبل الانتصاف القانونية، بل يدعم تحسين الفرص الاقتصادية، والاجتماعية، والإنسانية أيضا.
ولكي تعزز سيادة القانون نتائج التنمية المستدامة، يجب أن تكفل الحماية لجميع حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والحق في التنمية. وفي حين يمكن أن توفر “السيادة بالقانون” إطارا قانونيا، ويقينا تعاقديا، وآليات لتسوية المنازعات، تدعم النمو الاقتصادي والتنمية، فلا يمكن إلا لسيادة القانون وحدها، المتسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، أن توفر تنمية تكون أيضا شاملة ومستدامة.
وأخيرا، لا يمكن أن نترك المواطن العربى جاهلا بالقانون، ونطالبه باحترامه، والاستجابة لتنفيذه. فلا يمكننى احترام شىء أجهله، لذلك تُخترق كل القوانين، وتصبح العشوائية ملاذا. إن التوعية القانونية أصبحت ضرورة ملحة. لا أطالب بأن يصبح المجتمع كله أساتذة فى القانون، لكننى أطالب وبشدة بتوعية لائقة مبسطة للمواطن العادى، لكى يتعرف على القانون، وبالتالى يحترمه، والنتيجة الحفاظ على التنمية وتحقيقها.