التنمـر.. كيف نواجه هذا القمـع الإلكتروني ؟
محمـد جلال عبد الرحمن
محامِ وخبير قانوني وكاتـبُ وحاصلُ على جائزة الدولة في العلوم الرقميـة.
اندمجت شبكات التواصل الإجتماعي في حياتنا اليوميـة بعد تطورهـا المتلاحـق بطريقة لا يمكن التمييز بعدها بين شخصياتنا داخل الإنترنت وشخصياتنا الحقيقية خارجه.
ورغم المزايا التي يوفرها استخدام شبكات التواصل الإجتماعي باعتباره وسيلة لربط المجتمعات فكريًا والحث على المزيد من التعلم الجماعي والمشترك في ظل هذا التطور إلّا أنه ترتب على استعمالها نشوء عدة جرائم استعان فيها مرتكبوها بهذه التقنيات الحديثة كمنصة للتشهير والمضايقة وإساءة معاملة الناس داخل حرم منازلهـم بقمع كرامة المتلقين بالتنمر الإلكتروني بشكل علني لا يصدق.
فقد شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعًـا ملحوظًا في هذا النوع من الجرائم، حيث تشير الأبحاث إلى أن ما يصل إلـى 7 من كل 10 شبـاب قد تعرضوا للإسـاءة عبـر الإنترنــت. حيث لا توجد قيود جغرافية على العضوية أو الاتصال أو التفاعلات؛ لاسيما بعد الانفتاح الإلكتروني على مستوى المجتمع الدولي أو المحلي وتلاشي الحواجز الاجتماعية، فمن الممكن الآن لشخص ما أن يتلقى إساءة تتعدى نطاقه المجتمعي أو الافتراضي خارج الإنترنت.
والتنمر هو القيام بمضايقات كالتحرش بالضحيـة عن بعد باستخدام وسائل التواصل الإلكتروني بقصد تهديده، فالشخص الذي يمارس التنمر على الآخرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يعاني اضطرابات في التصرف أو اضطرابات في الشخصية أو اضطرابات جنوح اجتماعي أو النزعات الاجتماعية للأحكـام المسبقة والتمييز، وغالبًا ما يؤثر على الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص محمية كالعرق أو اللون أو الدين والحياة الجنسية والطبقة الاجتماعية.
وقد نتج عن ذلك أن أكثر الناس عرضة لتلقي هذا النوع من الإساءة – التنمـر- هم الذين يناقشون أمور السياسة أو الدين أو الرياضة على الإنترنت، وكذلك فئات أخرى مهمشة في كثير من الأحيان مثل الفقراء أو ذوي الهمــم، وهو ما يوجب تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي ترسخ لثقافة التعصـب وعدم الاحترام تجاه عدم تجانس الآراء لخطورة ذلك على المجتعمات لأنه ينشر الحقـد ويزرع الضغينة في نفوس أبناء المجتمع الواحد ويقوض الحق في حرية التعبير الذي ينبغي أن نملكه جميعًا، ويهيئ بيئة خصبة لقمع حق التعبير عن الذات بالنسبة للآخرين بالمخالفة لما أوردته قواعد الشريعة الإسلامية الغراء تجاه خطاب التمييز والكراهيـة ونهيه عنه في قوله عز وجل: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”.
فالحقيقة أن الخطاب المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بين أغلب المصريين على اختلاف مستوياتهم هو خطاب بعيد تمامًا عن النقد المباح وهو تفحص الشيء والحكم عليه أما الكراهية فهي شعور داخلي مسبق برفض الآخر مبني على الانحياز والتعصب والتحزب والاعتقاد بأن المبدأ أو الفكرة أو المعتقد الذي ينتمي إليه أعلى وأرفع مرتبة عن غيره أو من الآخرين.
وأن مستوى المسؤولية والمحاسبة في التنمر الإلكتروني يقل عن مستوى المحاسبة والمسؤولية في التنمر التقليدي الذي يكون مباشرًا أو وجهًا لوجه وهو ما أدى في أيامنا الحالية إلى أن كل مستخدم من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي يمكن أن يكون عرضة للتنمر الإلكترونـي.
وما سبق أثبته الواقع، فلم يسلم أحد من مبادلته بمظاهر الكراهية الشديدة البعيدة تمامًا عن النقد المباح أو البنّاء، ولذلك فإن الحاجة الآن باتت ملحة وعاجلة إلى تشريع قانون مكافحة التمييز والكراهيـة تأكيدًا للميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر من مجلس الجامعة العربية سنة 2004م ، إضافة إلى الكثير من التشريعات العربية الصادرة في هذا الشأن دعمًا لإثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أيًا كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، خاصة أن قانون الجرائم المعلوماتية رغم أهميته لا يكفي ولا يغني عن استحداث تشريعات جديدة في هذا الشأن لمواجهة هذه الظاهرة شديدة التكاثر والانتشار في المجتمع المصـري ونظرًا لتزايد الأنواع والاشكال المؤدية إلى الكراهية.
فالمجتمع الذي يتصف بالعدالـة يجب عليه ضرورة الإسراع نحو ثقافـة الاحترام وحرية الرأي والتعبير والتفاهم المتبادل وهذا لا يمكن أن يتوافر في ظل السماح بانتشار هذا النمط الثابت والسلوك المتكرر من عدد بات كثيرًا في السلوك العدواني الذي ينتهكون بـه حقوق الآخرين أو قيم أو قوانين المجتمع ما يؤدي إلى أحداث الفتنة أو زعزعة الوحدة الوطنية.
محمـد جلال عبد الرحمن
محامِ وخبير قانوني وكاتـبُ وحاصلُ على جائزة الدولة في العلوم الرقميـة.
ايميل: mdgalal3@gmail.com