التعويض عن الحبس الاحتياطي

 

بقلم: الدكتور/ وليد محمد وهبه

تعد قضية التعويض عن الحبس الاحتياطي اشكالية قانونية ذات أبعاد متعددة بما في ذلك البعد الاقتصادي، ولعل هذه الاشكالية تكمن في أنه يصعب تقييم مسألة التعويض عن الحبس الاحتياطي بمعزل عن مجمل مبادئ وقواعد وأليات النظام القانوني السائد لا سيما إذا كان هذا النظام لم يصل بعد إلى حد تقرير المسئولية عن الأخطاء القانونية بما يستوجب ذلك قبول مبدأ تعويض المضرورين قضائيا.

وإلا كان التشريع المصري يعترف على سبيل المبدأ بإمكان توافر المسئولية عن الأخطاء القضائية في حالات محدودة واستثنائية يبدو استخلاصها ضربا من ضروب الندرة مثل وقوع الغش أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم (مادة 494 من قانون المرافعات) وهي حالات يصعب أن تستوعب الضرر الناشئ عن الحبس الاحتياطي.

وعلى الرغم من صعوبة هذه القضية فليس مستحيلا البحث عن نظام ما للتعويض المادي والمعنوي، لكن الأمر يتطلب بعد إذا بناء إطار قانوني خاص للتعويض تحدد فيه الشروط والضمانات اللازمة وكذلك آلية المطالبة بهذا التعويض، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى التي يتعين تدقيقها.

ولربما يبدو ملائما النظر في بعض التجارب التشريعية في القانون المقارن في مجال التعويض عن الحبس الاحتياطي، فالقانون الفرنسي بموجب تعديلاته الجديدة في سنة 2000 يمنح لكل من حبس احتياطيا ثم صدر قرار نهائي لصالحه بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو البراءة أو بإخلاء سبيله أن يطلب تعويضا كاملا عن الضرر المادي والمعنوي الذي سببه الحبس الاحتياطي، وفى كل الأحوال لا يستحق هذا التعويض إذا كان أساس القرار الصادر هو امتناع المسئولية الجنائية للشخص أو استفادته بعفو لاحق على حبسه احتياطيا أو إذا كان الشخص حبس احتياطيا لكونه ترك أن يتهم عن طريق الخطأ لإرادته الشخصية افلات الفاعل الحقيقي من الملاحقة (مادة 149 إجراءات جنائية فرنسي).

وإن أهم ما تضمنه التشريع الفرنسي في مجال التعويض عن الحبس الاحتياطي ويبدو جديرا الأخذ به في القانون المصري على الـأقل باعتباره ضربا من ضروب التعويض عن الضرر الأدبي الذي لا يثير كلفه اقتصادية بقدر ما يحقق ويجسد احتراما لحقوق الإنسان لا سيما حقه في افتراض براءته، هو ما نص عليه القانون الفرنسي من حق الشخص الذي يصدر لصالحه قرار بألا وجه لإقامة الدعوى في أعقاب التحقيق الابتدائي معه والذى قد يكون مقرونا بحبسه احتياطيا في أن يطلب من قاضى التحقيق النشر الكامل أو الجزئي للقرار الصادر بألا وجه لإقامة الدعوى وإما إصدار بيان للجمهور بأسباب ومنطوق القرار وذلك في صحيفة أو عدة صحف دورية مكتوبة أو في وسائل الاعلام السمعي والبصرى التي يحددها (مادة 177 – 1 اجراءات جنائية فرنسي).

ومما يجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه مصر قد أوجب التعويض عن الأخطاء القضائية (مادة 14- 7) وهو الأمر الذي يثير التساؤل عن مدى وكيفية إمكان تحقيق الموائمة التشريعية في النظام القانوني التشريعي المصري مع ما تضمنه هذا العهد الدولي من أحكام.

زر الذهاب إلى الأعلى