التطليق للضرر شروطه وأحكامه وإجراءاته | دراسة
نعرض في هذا الموضوع (التطليق للضرر.. شروطه، وأحكامه، وإجراءاته)، وفقما تناولته إحدى الدراسات القانونية، والتي عرفت التطليق للضرر، وذكرت معيار الضرر وتقديره، كما طرحت أمثلة للضرر الذي يجيز طلب التطليق، وحجية الحكم الجنائي أمام قضاء الأحوال الشخصية، وعرض الصلح في دعوى الطلاق، وإلغاء طريق الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر بالتطليق.
وبرهنت الدراسة على أن الامتناع عن الإنفاق لا يجيز طلب التطليق للضرر، وأوضحت إجراءات نظر دعوى التطليق للضرر، وحالة إذا عجز الحكمان عن الإصلاح.
نصت المادة 6 من القانون رقم 25 لسنة 1929 الصادر بشأن أحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية، المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه اذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضى التفريق وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينها، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضى حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد ( 7 و 8 و 9 و 10 و 11 ).
ويتعين هنا مراعاة حكم المادة 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، بشأن بعث الحكمين.
وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذه المادة عن مدى الضرورة التي دعت المشرع إلى تقنين هذا الحكم، فأفادت بأن الشقاق بين الزوجين مجلبة لأضرار كبيرة لا يقتصر أثرها على الزوجين بل يتعداها إلى ما خلق الله بينهما من ذرية وإلى كل من له بهما علاقة قرابة أو مصاهرة وليس في أحكام مذهب أبي حنيفة ما يمكن للزوجة التخلص ولا ما يرجع الزوج عن غية فيحتال كلاً على إيذاء الآخر بقصد الانتقام.
وتطالب الزوجة بالنفقة ولا غرض لها إلا إحراج الزوج بتغريمه المال ويطالب الزوج بالطاعة ولا غرض له إلا أن يتمكن من إسقاط نفقتها وأن تنالها يده فيوقع بها ما شاء من ضروب العسف والجور. هذا فضلاً عما يتولد عن ذلك من إشكال في تنفيذ حكم الطاعة والتنفيذ بالحبس لحكم النفقة وما يؤدي إليه استمرار الشقاق من ارتكاب الجرائم والآثام. وقد تبينت هذه الآثار واضحة جلية مما تقدم ن الشكايات (الشكاوى) فرؤي أن المصلحة داعية إلى الأخذ بمذهب الإمام مالك في أحكام الشقاق بين الزوجين عدا الحالة التي يتبين الحكمين أن الإساءة من الزوجة دون الزوج فلا يكون ذلك داعيأ لإغراء الزوجة الشاكية على فصم عرى الزوجية بلا مبرر.
والأصل في جواز التطليق للضرر قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ..).
فقد فهم بعض الصحابة أن حق الحكمين مطلق في الإصلاح أو التفريق وأن على القاضي أن يقضي بما يريانه ومن هؤلاء علي بن أبي طالب وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ولم يعرف لهما مخالف، وهو يتفق مع المأثور من أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم إذ قال (لا ضرر ولا ضرار) كما يتفق كذلك مع وصايا القرآن الكريم في مثل قوله تعالى (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) وإذا فات الإمساك بالمعروف تعين التسريح بالإحسان.
شروط التطليق للضرر
هذا ويبين من نص المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة ۱۹۲۹(المعدل) أنها اشترطت للقضاء بتطليق الزوجة للضرر أن تتوافر الشروط الآتية:
- وقوع ضرر من الزوج.
- أن يكون الضرر مما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثال الزوجين.
- أن يعجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين.
- أن تطلب الزوجة من القاضي التطليق .
فمن الحقوق المشتركة بين الزوجين أن يحسن كل منهما معاشرة الآخر ويحاول جهد طاقته دفع الضرر عنه، لتهنأ الحياة بينهما لقوله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” لأن قيام كل واحد منهما بحقوق الآخر قياماً صحيحاً يؤدي إلى الدوام والبقاء، وقد روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع “أن لكم من نسائكم حقاً، وأن لنسائكم عليكم حقاً”.
والمضارة بين الزوجين متعددة النواحي، كثيرة الأسباب التي تقضي على ما يجب أن يكون بين الزوجين من ألفة ومحبة، وإذا كان للزوج ولاية تأديب زوجته بالمعروف شرعاً إذا نشزت لقوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) إلا أنه لا يجوز للزوج أن يؤذي زوجته ولا أن يظلمها فإذا أساءها وظلمها كان لها أن تلجأ إلى القاضي ليرفع الضرر عنها.
ولما كان المذهب الحنفي لا يعرف – في الراجح منه – التطليق بسبب الضرر بحسبان أنه يقرر زجر القاضي للزوج الذي يتعمد إيذاء زوجته فقد نقل المشرع حكم التطليق من مذهب الإمام مالك ” إلا أنه أحال في إثباته إلى أرجح الأقوال في المذهب الحنفي، لخلو التشريع من نص منظم لإثبات ذلك إعمالاً لحكم المادتين الأولى والثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية وفيه يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات من بينة ويمين وقرائن وغيرها.
ولما كان مذهب الإمام مالك يجيز التطليق للضرر فأنه يتعين الرجوع إلى هذا المذهب لبيان ماهية هذا الضرر وحالاته:
تعريف الضرر:
توسع مذهب الإمام مالك في مفهوم الضرر الذي يجيز للزوجة طلب التطليق حيث يعرف الضرر في مفهوم ذلك المذهب والمادة المطروحة بأنه إيذاء الزوج لزوجته بالقول أو الفعل إيذاء لا يليق بمثلها بحيث تعتبر معاملة الزوج لها في العرف معاملة شاذة تشكو منها المرأة ولا ترى الصبر عليه ويستحيل معه دوام العشرة بين أمثالهما مثل الضرب والسب والهجر وغيره بل ومجرد تولية وجهه عنها في الفراش عمداً بقصد إيذائها.
معيار الضرر:
ومعيار الضرر الذي يجيز طلب التطليق معيار شخصي يختلف من بيئة لأخرى ومن شخص لآخر، فهذا النوع من الضرر يختلف عن الضرر الذي قد يلحق الزوجة ويجيز لها طلب التفريق في حالات إعسار الزوج بالنفقة أو وجود عيب فيه أو سجنه أو غيابه، ذلك أنه في تلك الحالات يجوز للزوجة طلب التطليق متى أثبتت الضرر فيها فيكون معياره عاماً وواحداً لجميع الزوجات لا يتغير بتغيير البيئة أو الثقافة أو الوسط الاجتماعي وليس له معيار شخصي فإما أن يثبت الضرر أو لا يثبت فإن ثبت فأنه يعتد به بغير التفات إلى مدى ثقافة الزوجة أو وسطها الاجتماعي، أما بالنسبة للشقاق بين الزوجين و إيذاء الزوج لزوجته فالمعيار فيه شخصي لا مادي يختلف باختلاف بيئة الزوجين ودرجة ثقافتهما والوسط الاجتماعي الذي يحيط بهما .
تقدير الضرر:
وتقدير ما إذا كان أحد الزوجين هو المتسبب في الضرر دون الآخر من مسائل الواقع التي يستقل قاضى الموضوع بتقديرها. نقض أحوال الطعن رقم 81 لسنة 60 ق – جلسة 1994/1/25.
ويشترط في الضرر الذي يجيز للزوجة أن تطلب التطليق بسببه في هذا المجال أن يصل إلى درجة يستحيل معها دوام العشرة بين الزوج والزوجة أو أمثالها في البيئة والمكانة والثقافة وهكذا. نقض أحوال الطعن رقم 45 لسنة 57 ق – جلسة 1991/11/19 – س 42 .
وتقدير الضرر موضوعي أي يقدره قاضي الموضوع من ظروف الأحوال وملابسات الدعوى وحال الزوجين وما إذا كان ما يسببه الزوج لزوجته بأفعاله أو أقواله أو بامتناعه ما يصل إلى درجة يستحيل معه على الزوجة العيش معها بالنظر إلى أمثالها فيفرق بينهما، أو إنها مجرد استخدام من الزوج لحقه الشرعي في تأديب الزوجة مثل أمثالها فترفض دعواها، ولما كان تقدير الضرر مما يختص به قاضي الموضوع فلا يجوز – من ثم – إثارته أمام محكمة النقض . نقض أحوال الطعن رقم 96 لسنة 56 ق – جلسة 1989/1/24 – س 40 .
وللمحكمة أن تستند في قضائها بالتطليق للضرر إلى جميع صور سوء معاملة التي تلقاها الزوجة سواء تلك التي وردت في صحيفة دعوى أو التي أدلى بها الشهود ولم تكن قد وردت في صحيفة الدعوى أو قدمت بشأنها مستندات لم تخبر بها المدعية . نقض الطعن رقم 700 لسنة 73 ق – جلسة 2005/11/12
ويكفي في مذهب الإمام مالك الذي أستمد منه النص أن تثبت زوجة أن الزوج قد أتى معها ما تتضرر منه ولو مرة واحدة حتى يقضي لها بالطلاق. نقض أحوال الطعن رقم 44 لسنة 57 ق – جلسة 1988/11/22 – س 39 .
والضرر الموجب للتفريق يجب أن يكون ضرراً خاصاً ناشئاً عن الشقاق بين الزوجين نفسيهما أما الضرر الواقع من الزوج على أقارب زوجته فلا أثر له. الحكم رقم 1182 لسنة 1985 – جلسة 1986/6/28 – جنوب القاهرة .
وقد قننت محكمة النقض حق الزوج في تأديب الزوجة وحدوده التي إذا تجاوزها خرج عن نطاق حق التأديب وأضحى ضرراً موجباً للتطليق في قولها ” أن حق الزوج في تأديب زوجته يباح له فيه تأديب المرأة تأديباً خفيفاً على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر ولا يجوز له أصلاً أن يضربها ضرباً فاحشاً ولو بحق، وحد الضرب الفاحش هو الذي يؤثر في الجسم ويغير لون الجلد فإذا ضرب الزوج زوجته فأحدث لها سحجين في ظاهر الخنصر وسحجاً آخر في الصدر فإن هذا القدر كاف لاعتبار ما وقع منه خارجاً عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة ومستوجباً للعقاب عملاً بالمادة 242 من قانون العقوبات”، وعلى ذلك فإذا أساء الزوج استعمال حقه فتجاوز حده وعرضت الزوجة الأمر على القاضي وثبت ما تدعيه من تجاوز الزوج حدود التوجيه والتأديب لها أن تطلب الطلاق.
وهجر الزوج لزوجته يعد من أشد ضروب الضرر الذي ينال من الزوجة ومشاعرها إذ تشعر حينئذ أنها ليست مع زوج تتمتع بعطفه وحنانه وعشرته وكذا تراخيه في إتمام الزوجية بسبب يرجع إليه .
ويعتبر هذا الهجر ضرراً للزوجة حتى لو لم يقصد الزوج بذلك الهجر الإضرار طالما أن الهجر قد تحقق بالفعل وذلك على ما اعتمده بعض فقهاء المالكية الذي استمد منه القانون أحكام الطلاق للضرر استنادا إلى الحديث الشريف (لا ضرر ولا ضرار) وبأن الوطء يتعلق به حق الزوجة وبهجره لفراشها يكون قد فوت عليها ذلك الحق ولا يكون إمساكاً لها بالمعروف.
أمثلة للضرر الذي يجيز طلب التطليق:
ومن صور الضرر التي شهدتها ساحات المحاكم وكانت سبباً في التطليق: ادعاء الزوج أن زوجته على علاقة بغيره أو كانت، وتعاطى الزوج المخدرات وارتكاب الفحشاء، وإفشاء الزوج لسر خاص به وزوجته وإتيان الزوجة في غير موضع الحرث وتحرير المحاضر ضدها ورفع الدعاوى الكيدية وابتزاز أموالها ومصاغها وتراخيه عمداً في الدخول بها وقيامه بالتدليس على الزوجة وإيهامها أنه ذا منصب مرموق ثم تبين أنه محتال وصدور العديد من الأحكام القضائية ضده في جرائم مخلة بالشرف .الحكم رقم 871 لسنة 1985 – جلسة 1984/4/27 – س 35 . وكذا طردها من مسكن الزوجية .حكم الاستئناف رقم 244 لسنة 46 ق – استئناف المنصورة – مأمورية الزقازيق جلسة 2004/2/25 .وتعدد الدعاوی المقامة بينهما .نقض أحوال الطعن رقم 376 لسنة 67 ق – جلسة 2004/5/11 .واتهامها بارتكاب الجرائم ومنها السرقة.نقض أحوال الطعن رقم 157 لسنة 69 ق – جلسة 2008/1/21 . وتبديد منقولاته . نقض أحوال الطعن رقم 763 لسنة 74 ق – جلسة 2006/9/25 .
إثبات الضرر:
ويثبت الضرر بكافة صوره بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين باعتبار أن المشرع بعد أن نقل حكم التطليق للضرر من مذهب الإمام مالك لم يحل في إثباته إلى هذا المذهب كما لم ينص على قواعد خاصة في هذا الشأن مما يتعين معه الرجوع فيما يتعلق بقواعد الإثبات المتصلة بذات الدليل إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة عملا بالمادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة ۲۰۰۰ فتكون البينة من رجلين أو من رجل وامرأتين، كما يثبت بكافة طرق الإثبات الأخرى كمحاضر الشرطة باعتبارها من القرائن القضائية التي يجوز للمحكمة الاستناد إليها .
وتجدر الإشارة إلى أن المقرر أنه إذا تساوت البينات في هذا الخصوص تعین ترجيح بينة الإثبات على بينة النفي لأن البينات شرعت للإثبات لا النفي، وباعتبار أن ذلك من سلطة محكمة الموضوع.
والشهادة على وقائع الضرر يتعين إلا تكون سماعية فعلی الشاهد أن يكون قد عاين المشهود عليه بالعين أو السماع بنفسه ذلك أن المقرر أن الشهادة السماعية لا تصلح لثبوت أو نفي الضرر المبيح للتطليق .كما لا يجوز إثبات مضارة الزوج بشهادة سماعية فإنه لا يصح أيضا نفيها بشهادة سماعية. نقض أحوال الطعن رقم 4 لسنة 55 ق – جلسة 1986/3/25 والطعن رقم 52 لسنة 52 ق – جلسة 1986/2/25 – س 37 .
حجية الحكم الجنائي أمام قضاء الأحوال الشخصية:
فقد تستند الزوجة في إثبات وقائع اعتداء الزوج عليها ضرباً وسباً إلى سبق صدور حكم جنائي ضده لثبوت اعتدائه عليها بالضرب فهل يكفي هذا الحكم لحمل القضاء لها بالتطليق على الزوج استنادا إلى هذا الدليل وحده؟
والذي يثير هذا التساؤل أن إثبات وقائع الإضرار المتمثلة في اعتداء الزوج على الزوجة بالضرب إنما يشترط ثبوتها بمشاهدة العين حيث لا يكفي إقامة الدليل عليها ببينة سماعية وأن يشاهد تلك الوقائع رجلان عدلان أو رجل وامرأتان حتى تذكر إحداهما الأخرى، في حين أن الحكم الجنائي الصادر بالإدانة ضد الزوج لاعتدائه عليها يستند غالباً إلى مجرد ما جاء بأقوال المجني عليها وما ثبت بالتقرير الطبي المحرر بعد توقيع الكشف الطبي عليها فهل يعد مثل هذا الحكم دالاً على نسبة الإصابة التي وجدت بالزوجة إلى الزوج لمجرد أنها ادعت باعتدائه عليها بالضرب؟ وهل يمكن للكشف الطبي الموقع عليها في إطار الدعوى الجنائية الجزم بأن الإصابات التي شوهدت بالزوجة لا تكون إلا من فعل الزوج؟ هذا لا يمكن القول به ومن هنا ظهرت مشكلة تعارض اختصاص الإثبات في مسائل الأحوال الشخصية بقواعد خاصة وقاعدة حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني ومنه قضاء الأحوال الشخصية بطبيعة الحال، هل يعد مثل الحكم الجنائي الذي صدر بإدانة الزوج لمجرد أقوال الزوجة المجني عليها وما ورد بالتقرير الطبي حجة دالة على نسبة إحداث إصابات الزوجة إلى الزوج في أمر يشترط لإثباته شرعاً أن يشاهده شاهدان عدلان مشاهدة العين؟ والإجابة على هذا التساؤل تنحصر في القول بأن الحكم الجنائي البات يقيد القضاء المدني فيما يتصل بوقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم وأن هذا المبدأ يشمل نطاقه الدعوى المدنية بالمعنى الواسع حيث يمتد إلى جميع الدعاوى المدنية مثل دعوى الطلاق المترتبة على جريمة الزنا وحقيقة الأمر في هذا المجال أن الضرر الواقع على الزوجة لا يقتصر أمر إثباته على البينة وحدها إذ هو يثبت بكافة طرق الإثبات القانونية الشرعية فهو يثبت بإقرار الزوج به كما يثبت بالأوراق الرسمية والعرفية والقرائن فضلاً عن البينة أما إذا لجأت الزوجة إلى اختيار البينة وسيلتها لإثبات الضرر الموجب التطليق تعين عليها الالتزام بقيود البينة الشرعية على الضرر وهو شهادة رجلان أو رجل وامرأتان يشهدان برؤيتهما وقائع اعتداء الزوج على الزوجة مشاهدة العين كما سلف القول وعلى ذلك فإن الزوجة تستطيع أن تلجأ في إثبات وقائع إضرار الزوج بها إلى غير البينة الشرعية ويدخل ضمن تلك الوسائل الأخرى ما عساه يكون قد صدر ضد الزوج من أحكام جنائية باتة تدينه لثبوت اعتدائه على الزوجة بالضرب مثلاً وذلك شريطة أن يكون الحكم الجنائي ضد الزوج بالإدانة هو لعقابه عن ذات وقائع الاعتداء التي تستند إليها الزوجة في دعواها بالتطليق للضرر، أما إذا اختلفت واقعة اعتداء الزوج والتي صدر ضده الحكم الجنائي بشأنها عن تلك التي تستند إليها الزوجة في دعواها بالتطليق انتفت حجية الحكم الجنائي المذكور لاختلاف المحل في كل منها.
وعلى ذلك فالحكم الصادر في الدعوى الجنائية – وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض – يجب أن تكون له حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية – ومنها محاكم الأحوال الشخصية وليست العلة في ذلك إتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين وإنما هي في الواقع لتوافر الضمانات المختلفة التي قررها المشرع في الدعاوى الجنائية ابتغاء الوصول إلى الحقيقة فيها لارتباطها بالأرواح والحريات بما يقتضي أن تكون الأحكام الجنائية محل ثقة الناس على الإطلاق وأن تبقى آثارها نافذة على الدوام وهو ما يستلزم حتماً ألا تكون هذه الأحكام معرضة في أي وقت لإعادة النظر في الموضوع الذي صدرت فيه حتى لا يجر ذلك إلى تخطئتها من جانب أيا من جهات القضاء ذلك أنه ليس من المقبول في النظام الاجتماعي أن توقع المحكمة الجنائية العقاب على شخص من أجل جريمة وقعت منه ثم تأتي المحكمة المدنية فتقضي بأن الفعل المكون للجريمة لم يقع منه وتأكيدا لهذا الاتجاه ذهبت محكمة النقض إلى أنه متى كانت الدعامة الأساسية – التي أقام عليها الحكم قضاءه بالتطليق هي ما ثبت للمحكمة من أن الطاعن قام بطرد زوجته – المطعون ضدها – من منزل الزوجية ودأب على سبها وهي تكفي وحدها لحمل الحكم وكان يبين أن أحد الحكمين الجنائيين خاص باعتداء الطاعن على شخص لا صلة له بالدعوى وأن الثاني انتهى إلى تبرئة الطاعن من تهمة الاعتداء بالضرب على المطعون عليها وكان الحكم لم يؤسس قضاءه على هذه الواقعة فإن التذرع بالحجية يكون لا سند له.
ويعد من نافلة القول الإشارة إلى أن إعمال مبدأ الحجية على النحو السابق شرحه تتولاه المحكمة من تلقاء نفسها إذا ما انطوت الأوراق على حكم جنائي بات حيث يتعين على المحكمة الاستناد إليه والقضاء على أساسه لكفايته وحده في هذه الحالة لحمل الحكم بالتطليق، أما إذا لم يصل الحكم الجنائي إلى هذه المرتبة جاز لمحكمة الأحوال الشخصية الاستناد إليه في إثبات إضرار الزوج بزوجته ولكن كمجرد قرينة ض من قرائن أخرى يتعين توافرها في الدعوى.
وقد أوجب المشرع على المحكمة أن تعرض الصلح على طرفي الدعوى قبل إصدار الحكم فيها فإن هي أغفلت ذلك وقضت في الدعوى اعتبر حكماً معيباً بالخطأ في تطبيق القانون مما ينحدر به إلى مرتبة البطلان – باعتبار أن شرطي الحكم بالتطليق للضرر هما ثبوت الضرر والعجز عن الإصلاح بين الزوجين).
عرض الصلح في دعوى الطلاق:
إلا أن وجوب عرض الصلح والذي يترتب على عدم القيام به بطلان الحكم لا يشترط إلا في حالة الحكم بالتطليق، أما إذا كانت المحكمة قد انتهت في الدعوى إلى القضاء برفضها فإن ثبوت تخلفها عن عرض الصلح على نظرها لا يبطل الحكم الصادر بالرفض ذلك أن هدف المشرع من اتخاذ إجراء عرض الصلح هو الحيلولة دون فصم عرى الزوجية رغم ثبوت ما يدعوا إلى التفريق وهو ما لا يتحقق إذا رفضت الدعوی.
إلغاء طريق الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر بالتطليق:
وقد خطى المشرع خطوة حاسمة للقضاء على معضلة صدور الحكم القضائي بالتطليق ثم إلغاءه من محكمة النقض باعتباره قمة التنظيم القضائي المصري ودرجة الطعن الأخيرة على الأحكام الصادرة بالتطليق وما كان يترتب عليها من مشكلات خطيرة تتمثل في زواج المطلقة بموجب الحكم الاستئنافي من آخر وإنجابها منه ثم صدور الحكم من محكمة النقض في الطعن الذي يكون المطلق قد أقامه طعناً على الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بالتطليق بإلغاء الحكم الصادر بالتطليق حيث استحدث نظام التقاضي على درجتين فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية بوجه عام على نحو ألغي بمقتضاه حق المتقاضين في جواز الطعن على الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف أمام محكمة النقض بما بات معه الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف (محكمة الدرجة الثانية) هو الحكم البات في تلك المنازعات اختصاراً لدرجات التقاضي حيث أصدر القانون رقم 10 لسنة 2004 الخاص بتنظيم محاكم الأسرة متضمنا نص المادة (14) منه القول “مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض” . (موسوعة المشكلات العملية في قوانين الأحوال الشخصية ، المستشار/ أشرف مصطفى كمال).
الامتناع عن الإنفاق لا يجيز طلب التطليق للضرر:
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته وعدم وجود مال ظاهر له يمكنها التنفيذ عليه بنفقتها، لا يجيز لها طلب التطليق منه بائناً للضرر عملاً بالمادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة ۱۹۲۹ (المعدل)، لأن هذه الحالة وضعت لها نصوص خاصة في القانون رقم 25 لسنة 1920 المواد (4، 5، 6) – وحكم الطلاق الذي يترتب على هذه الحالة أنه طلاق رجعي (م 6)، هذا ولا يتصور أن الامتناع عن الإنفاق ضرر لا يستطاع معه العشرة بين الزوجين بدرجة توجب التطليق البائن. (موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية، للمستشار/ محمد عزمي البكري).
كما أن حبس الزوج أو غيبته أو فقدانه لا يتيح للزوجة طلب التطليق للضرر المقرر بالمادة السادسة، حيث تخضع هذه الحالات لمواد وأحكام أخرى.
إجراءات نظر دعوى التطليق للضرر:
نصت على هذه الإجراءات المواد 7، 8، 9، 10، 11 من القانون رقم 25 لسنة 1929 إضافة إلى ما ورد بالمادة 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000، وذلك على النحو التالي:
المادة 7 :
يشترط فى الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن وإلا فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على الإصلاح بينهما.
المادة 8 :
(أ) – يشتمل قرار بعث الحكمين على تاريخ بدء وإنتهاء مأموريتهما على ألا تجاوز مدة ستة اشهر وتخطر المحكمة الحكمين والخصم بذلك وعليها تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم مهمته بعدل وأمانة .
(ب) – يجوز للمحكمة أن تعطى للحكمين مهلة أخري مرة واحدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر فإن لم يقدما تقريرهما إعتبرها غير متفقين.
المادة 9 :
لا يؤثر فى سير عمل الحكمين إمتناع أحد الزوجين عن حضور مجلس التحكيم متى تم إخطاره.
وعلى الحكمين ان يعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما فى الإصلاح بينهما على أية طريقة ممكنة.
المادة 10
إذا عجز الحكمان عن الإصلاح :
(1) فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج اقترح الحكمان التطليق بطلقة بائنة دون مساس بشئ من حقوق الزوجة المترتبة على الزواج والطلاق .
(2) وإذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة إقترحا التطليق نظير بدل مناسب يقدر أنه تلتزم به الزوجة .
(3) وإذا كانت الإساءة مشتركة إقترحا التطليق دون بدل او ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة .
(4) وان جهل الحال فلم يعرف المسيء منهما اقترح الحكمان تطليقاً دون بدل .
المادة 11
على الحكمين أن يرفعا تقريرهما الى المحكمة مشتملاً على الأسباب التي بنى عليها فإن لم يتفقا بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح وحلفته اليمين المبينة فى المادة (8) وإذا إختلفوا أو لم يقدموا تقريرهم فى الميعاد المحدد سارت المحكمة فى الإثبات.
وإن عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين وتبين لها إستحالة العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق قضت المحكمة بالتطليق بينهما بطلقة بائنة مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها او بعضها وألزمت بالتعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتض .
المادة: 19 من القانون رقم 1 لسنة 2000:
فى دعاوى التطليق التي يوجب فيها القانون ندب حكمين يجب على المحكمة أن تكلف كلاً من الزوجين بتسمية حكم من أهله – قدر الإمكان – فى الجلسة التالية على الأكثر، فان تقاعس أيهما عن تعيين حكمه أو تخلف عن حضور هذه الجلسة عينت المحكمة حكماً عنه.
وعلى الحكمين المثول أمام المحكمة فى الجلسة التالية لتعيينهما ليقررا ما خلصا اليه معاً ، فان اختلفا أو تخلف أيهما عن الحضور تسمع المحكمة أقوالهما أو أقوال الحاضر منهما بعد حلف اليمين.
وللمحكمة أن تأخذ بما انتهى اليه الحكمان أو بأقوال أيهما، أو بغير ذلك مما تستقيه من أوراق الدعوى.
ويتعين أخيراً مراعاة الأحكام الإجرائية الأخرى التي أوردها القانون رقم 10 لسنة 2004 الصادر بإنشاء محاكم الأسرة وخاصة ما يتعلق بتسوية المنازعات الأسرية.
وفي النهاية نعيد التأكيد على أن الحكم الصادر في دعوى التطليق يكون قابلاً للاستئناف، إلا أنه غير جائز الطعن عليه بالنقض كما أوردنا سلفاً.
الدراسة من إعداد مركز الراية للدراسات القانونية