الترجيح بين أساس النسيان والإهمال كأساس للتقادم الجنائي

بقلم/محمد عبدالسميع

‏أولا :أهمية أساس النسيان
رغم انه فكرة النسيان في مفهوم الإنسانية لا يوهلها لأي امتياز في المنافسة على تحديد أساس التقدم إلا أن مفهومها من الناحية العقابية جعلها متقدمة على الأساس التي تبرر التقادم، وقد رأينا تبني المشرع المصري صراحة أساس النسيان للتقادم الدعوي الجنائية وكذلك المشرع الفرنسي علي اساس نسيان الجريمة من ذاكرة المجتمع والرأي العام الأمر الذي جعل المشرع اختيار النسيان مجردا رغم الطابع النسبي لذاكرة المجتمع في النسيان خاصة بعض الجرائم .

من ناحية اخري نجد استثناء بعض الجرائم من التقادم ومنها جنح مثل الاعتداء علي الحياة الخاصة والتعذيب للاعتراف والعمل بالسخرة مقابل ترك جرائم مثل القتل والاتجار بالمخدرات للتقادم علي اساس أساس النسيان الأمر الذي يحير اتجاه المشرع المصري دون ان نجد اي توازن في مدي التأثير بين القتل والاعتداء علي حق الحياه بين القتل والاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة التي كما يري المشرع انها تتسم بطابع عدم نسيانها من ذاكرة المجتمع لذلك رأي عدم اخضاعها للتقادم.

إن الإهمال كأسس مقترح لفكرة التقادم الجنائي وبالرغم من اتسام فكرة الاهمال بالطابع المدني إلا انه له علاقة مقبولة منطقيا بي مضي المدة وانقضاء سلطة العقاب بسب الإهمال الذي يجد أساسه عمليا في إهمال سلطات التنفيذ للأحكام الجنائية إما بسبب عدم الوصول للمحكوم عليه او بسبب التراخي في التنفيذ ومن ثم نجد ان اساس النسيان يتفق مع الدعوي الجنائية ومع المشرع من ناحية حظرة الصريح بمنع ايقاف تقادم الدعوي الجنائية
إلا أن ذلك يجد اساسة في الدعوي بينما يتفق الإهمال كأساس للتقادم مع مرحلة ما بعد الحكم التي تكون انقضت سلطة المحكمة بحكمها وبالتالي فأن التنفيذ حينما يتراخى يجعل من العقاب غير قابل للتنفيذ بسبب مضي المدة من ناحية اذا كان الحكم غيابي او مرور مده انقضاء العقوبة
من هنا نجد أن أساس الإهمال يتفق مع التقادم في مرحلة التنفيذ للعقوبةالأساس التاريخي لفكرة الإهمال
تبني المشرع الفرنسي عام ١٩٥٧و١٩٥٨بمسمي ق أ ج
واصرار القضاء الفرنسي علي وقف التقادم كلما حال دون الملاحقة او التنفيذ مانع مادي أو قانوني وهذا لايفسر غير إقراره الإهمال كأساس للتقادم
وبالتالي علي المستوي التشريعي والتطبيق القضائي تبرز وتظهر المشكلة وهي تعدد الأسس وليس اساس واحد كما أخذ المشرع المصري النسيان
وبالتالي تخصيص النسان للدعوي الجنائية والإهمال لتقادم العقوبة.

والسؤال المهم لماذا التقادم؟
تفسيره يعود الي أمرين:

أولهما: جسامة النتيجة القانونية متمثلة في انقضاء سلطة العقاب دون اقتضاء مما يكثف الاهتمام به والاجتهاد دائما في توحيد اساسة.

ثانيا: يعود الي التاريخ القديم فمع تجرد التقادم من فكرة التوبة والتطهير الديني التي لازمت نشأة التقادم في القانون الروماني ثم القانون الفرنسي القديم ثم الكنسي كان من الضروري تحديد مضمون التقادم بالإجابة علي السؤال الجوهري المطروح لماذا التقادم؟
ولذلك تظهر الاعمال التحضرية لقانون تحقيق الجنايات الفرنسي التردد في تحديد أساس التقادم حيث اثار مستشار الدولة فكرة العقوبة المعنوية المترتبة علي معاناة المتهم أو المحكوم علية الذي يقضي كما يقول عشرين عاما من قلق النهار وأرق الليل كما ترددت فكرة ضياع الادلة مع افكار اخري مثل الاستقرار القانوني
من التطور التشريعي خضوع التقادم لمبدأ التفريد
فقد طالب بكاريا الذي غلف التسامح القديم بالتقادم التشريعي أن يقصر تطبيقه علي مجرمي الصدفة دون المجرم المعتاد ثم تجددت هذه الدعوة بعد قرن من الزمان علي لسان المدرسة الوضعية ملكي لا يستفيد من التقادم المجرم بالميلاد والمجرم المعتاد للأجرام وذلك باعتبار أن مرور الزمن لا يمحو خطورة هذه الفئة من المجرمين في هذا السياق يأتي نص المادة ١٧٢عقوبات ايطالي واستبعد من نطاق التقادم المجرم المعتاد ممتهن الاجرام وبعض العائدين كما ان قانون العقوبات السوفيتي لسنة ١٩٦٠م يجيز للمحكمة استبعاد التقادم اذا كانت العقوبة المحكوم بها هي الإعدام.

ونعود الي اساس النسيان مرة اخري الذي نجد انه كأساس لدي المشرع المصري ونقول ان نسيان الانسان والذاكرة خاصة في بعض الجرائم نسبياً لا يؤثر في بداية الجريمة وإنما لحظة تفاعلها لذلك يتوقف علي جسامتها ومدي علاقة الشخص بها كأن يكون مرتكبها او المجني علية ذو قرابة او صداقة فبالتالي هذا بلا شك يؤخر لحظة بداية تفاعل الزمن والنسيان علي الذاكرة بصدد تلك الواقعة.

وأخيرا بهذا المقال اتمني أن يُعاد النظر من قبل المشرع المصري في ازدواج أساس التقادم بين النسيان والإهمال، وأيضا تفريد فكرة تطبيق التقادم حسب نوع وأهمية وخطورة الجرائم.

زر الذهاب إلى الأعلى