التجديد القانوني للخطاب الديني.. الموت الدماغي

بقلم الدكتور / أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

«الموت هو الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الشك». قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ. (سورة آل عمران: 185). ويقول البعض إن «أعظم حقيقة في حياتنا هي الموت، بل هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة». ومع ذلك، وإذا كانت حقيقة الموت لا تثير أدنى شك أو ريبة، فإن لحظة تحقق الموت قد يثور بشأنها الشك أو الريبة، وبحيث يثور الخلاف بين ما إذا كانت الحياة تنتهي بتوقف القلب تماماً ونهائياً عن النبض أم يمكن أن تنتهي كذلك بمجرد توقف المخ عن القيام بوظائفه، ولو بقيت لدى المريض القدرة على التنفس وخفقان القلب، وهو ما يعرف باسم «الموت الدماغي» أو «الوفاة الدماغية» أو «موت جذع المخ».

ومصطلح «الموت الدماغي» (Brain death)، المعروف أيضاً باسم «الموت الاكلينيكي» (Clinical death)، ويعرف كذلك باسم «الموت السريري»، يعني توقُّف الدماغ عن القيام بوظائفه، وبحيث لا يستجيب المريض لأيَّ مُحفِّزات، ولا يكون بالتالي العلاج مفيداً؛ وبمجرَّد تأكيد هذا التشخيص بواسطة الأطباء، يُعَدُّ المريض متوفِّياً من الناحية القانونية.

وفي الماضي، كانت فكرة «الموت الدماغي» غير معروفة، لأنَّ الجسم يموت عندما يموت الدماغ؛ ممَّا يعني توقف المريض عن التنفس وتوقُّف القلب عن النبض؛ إلَّا أنَّ الاستعمال الحالي للوسائل الاصطناعية (مثل المُنفِّسات والأدوية) يُتيح بشكلٍ مؤقَّت المحافظة على التَّنفُّس وعلى خفقان القلب، رغم التَّوقُّف الكلِّي لنشاط الدماغ. ولكنَّ، ورغم مساعدة الوسائل الاصطناعيَّة، فإن جميعَ أعضاء الجسم تتوقَّف عن القيام بوظائفها في نهاية المَطاف. وبمجرد حدوث الموت الدماغي، لا يمكن لأيِّ إجراءٍ أن يُحافظ على ضربات القلب إلى أجلٍ غيرَ مُسمَّى.

ومؤخراً، بدأت فكرة الموت الدماغي تأخذ طريقها إلى الأوساط الطبية والعلمية، وبحيث شهد العالم العديد من الحالات لمرضى مات دماغهم، وبحيث توقف الدماغ عن القيام بوظائفه، ومع ذلك بقيت لدى المريض القدرة على التنفس وخفقان القلب رغم التوقف الكلي لنشاط الدماغ. بل إنه في بعض الحالات، قد يولد طفل لامرأة ميتة دماغياً. فعلى سبيل المثال، وفي دولة البرتغال، وفي العام 2016م، وُلد الطفل، لورنسو، في العاصمة البرتغالية لشبونة، بعد أن عاش خمسة عشر أسبوعاً في رحم والدته المتوفاة.

وفي العام 2019م، وتحديداً في يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من مارس 2019م، شهدت دولة البرتغال حالة مماثلة أخرى، حيث ولد طفل لامرأة أخرى ميتة دماغياً منذ شهر ديسمبر 2018م، أي أن الجنين بقي في رحم والدته المتوفاة أكثر من ثلاثة أشهر. ووُلدت الطفلة، سلفادور، بعد حمل دام قرابة 32 أسبوعاً، وجرى رعايتها في مستشفى مخصص للأطفال حديثي الولادة. وهذه هي الحالة الثانية من نوعها في البرتغال لطفل مولود من أم ميتة دماغياً. ووُلد الطفل بوزن 1.7 كيلوجرام (3.75 رطل)، وبقي في المستشفى لمدة زادت على ثلاثة أسابيع. وعقب الولادة، أقيمت جنازة السيدة التي تبلغ من العمر 26 عاماً. إذ أُعلنت الرياضية الدولية كاتارينا سيكيرا ميتة دماغياً، بعد إصابتها بنوبة ربو حادة في منزلها. وقد عانت سكويرا، وهي رياضية موهوبة مثلت بلدها في منافسات سباق الزوارق، من الربو منذ طفولتها. وتعرضت لنوبة ربو عندما كانت حاملاً في الأسبوع التاسع عشر، ووضعت في غيبوبة مستحثة طبياً. ومع ذلك، تدهورت حالتها، وفي غضون أيام، أُعلن عن موتها دماغياً في السادس والعشرين من ديسمبر 2018م، بحسب التقارير. وقد تم توصيل جهاز التنفس الصناعي بها لمدة 56 يوماً، لتمكين طفلها من البقاء على قيد الحياة في رحمها. وقال الأطباء إن النية كانت هي الانتظار حتى يوم الجمعة حتى تصل الأم إلى 32 أسبوعاً من الحمل، لكن حالتها التنفسية تدهورت وتم تقديم العملية القيصرية يوماً واحداً، بحيث أجريت يوم الخميس. وقال مسؤولو المستشفى إن فترة الحمل لمدة 32 أسبوعاً، هي الفترة التي يكون فيها احتمال بقاء الأطفال على قيد الحياة مرتفعاً للغاية. وأوضحت رئيسة لجنة الأخلاقيات بالمستشفى أنّ قرار إبقاء الطفل على قيد الحياة في رحم الأم تم اتخاذه في نقاش مع الأسرة ولأنها لم تنسحب أبداً من قانون الموافقة المفترضة للتبرع بالأعضاء في البرتغال. وقالت: «لا يتعلق كونك متبرعاً فقط بكونك في وضع يسمح لك بالتبرع بالكبد أو القلب أو الرئة، ولكن أيضاً في أن تكون في وضع يسمح لك بالتبرع لنفسك حتى يتمكن الطفل من العيش». وقالت لموقع «أوبزرفادور» الإلكتروني: «لا يحق لأي شخص مقاطعة عملية اتخاذ قرار الأم». وقد أراد والد الطفل، وجميع أفراد الأسرة أن يولد ذلك الطفل. إذ قالت والدة سكويرا، ماريا دي فاطمة برانكو، للتلفزيون البرتغالي إنها ودعت ابنتها في 26 ديسمبر وأن قرار الاحتفاظ بالطفل قد اتخذ، لأن الأب برونو كان يريد دائماً أن يكون أباً.

وفي جمهورية التشيك، وفي شهر أغسطس 2019م، قام الأطباء بإجراء عملية ولادة قيصرية لامرأة ميتة دماغياً منذ حوالي أربعة أشهر، وبحيث تمكنت من إنجاب طفلة سليمة. وأوضح الأطباء في المستشفى الجامعي بمدينة برنو التشيكية أن الطفلة ولدت في الأسبوع الرابع والثلاثين من الحمل، أي بعد 117 يوماً من إعلان وفاة والدتها دماغياً. وقال رئيس قسم التخدير في المستشفى، إن هذه الطفلة التي تزن 2,13 كيلو جرام هي واحدة من بين أثقل الأطفال الذين يولدون لنساء متوفيات دماغياً وأكثرهم نضجاً. وجرى إعلان وفاة الأم دماغيا بعد إصابتها بنزيف في أبريل، عندما كانت في الأسبوع السادس عشر من الحمل. وقد حافظ الأطباء على قلبها ورئتيها وكليتيها وأعضاء أخرى في حالة عمل، فيما كانوا يراقبون الجنين. وبعد الولادة، تم فصل المرأة عن أجهزة الإنعاش.

قد يرى البعض في هذه الوقائع تصديقاً لقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ. (سورة الروم: الآية 19). ويمكن أن يجد ذلك قبولاً وسروراً من الكثيرين، باعتباره تطبيقاً حياً للآية القرآنية الكريمة. وقد يجد البعض في ذلك أحد الأمثلة على الإعجاز وإحدى الآيات الدالة على قدرة الله عز وجل. ولكن، وعند القول إن الموت الدماغي يعد موتاً حقيقياً، فإن ذلك لن يجد قبولاً لدى الكثيرين، والذين يقولون بضرورة التوقف الكلي لكل أعضاء الجسم، وعلى رأسها القلب، حتى تتحقق الوفاة من الناحية الشرعية.

ومن جانبنا، وللوقوف على حقيقة الموت الدماغي، وما إذا كان الشخص يعد ميتاً في هذه الحالة، رغم بقاء القدرة لديه على التنفس ونبض القلب، أم ينبغي الانتظار حتى تتوقف كل أجهزة الجسم تماماً. ووجه الأهمية في هذا التساؤل أن بعض أعضاء الجسم يتعذر الاستفادة منها بنقلها إلى شخص آخر محتاج إليها إذا توقف القلب تماماً. وللإجابة عن هذا التساؤل، نرى من الملائم والمفيد والضروري استعراض الآراء الطبية والشرعية في هذا الشأن، وذلك قبل أن نبين الحكم القانوني المقرر بهذا الشأن في التشريعات العربية والأجنبية، وذلك في مباحث ثلاثة، كما يلي:
المبحث الأول: رأي الطب بشأن الموت الدماغي.
المبحث الثاني: الحكم الشرعي في شأن الموت الدماغي.
المبحث الثالث: الموت الدماغي في خطة التشريعات العربية.

المبحث الأول
رأي الطب بشـأن الموت الدماغي

على حد قول أحد الأطباء المعاصرين، فإن أي طالب في كلية الطب يعرف أن الموت في كتب الطب الشرعي وطب الأعصاب هو الموت الدماغي، أو ما يطلق عليه موت جذع المخ، ولو دخل هذا الطالب امتحان الشفوي وذكر في إجابته أن الموت هو انخساف الصدغين وتدلى الخصيتين وانفراج الشفتين وانفصال الزندين، فإن هذا الطالب سيحصل على صفر مع الرأفة، لأن علامات الموت الطبية شيء آخر تماماً، ورسم المخ فيه أصدق أنباء من الكتب الفقهية! وثمة أشياء أخرى مع رسم المخ يمكن الحديث عنها.

وما دمنا نتحدث عن الموت، فمن الطبيعي أن يكون الرأي الطبي محورياً وفاصلاً في هذا الشأن، وذلك من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات ذات الصلة، حيث نعرض لكل سؤال منها والإجابة عنها، وذلك كما يلي:

كيف يمكن تشخيص الموت الدماغي والتمييز بينه وبين الغيبوبة؟
بحسب النظريات والممارسات الطبية الحديثة، توجد معايير مُحدَّدة لتشخيص الموت الدماغي. وبعض هذه المعايير، يمكن للأطباء اكتشافها في أثناء الفَحص السَّريري. إذ لا يقوم المريض بالتَّكشير أو الحركة أو بردَّة فعل أخرى عندما يختبر الأطباء استجابات ومُنعكساتٍ مُحدَّدة (مثل مُنعَكَسُ التَّهَوُّع، الذي يحدث عند لمس الجزء الخلفي من الحلق). كذلك، يلاحظ في حالة الموت الدماغي عدم حدوث ردَّة فعلٍ من العينين للضوء. ولا يقوم المريض أيضاً بأيَّ محاولة للتنفس. كما يقومُ الأطباء بالتَّحرِّي عن مُنعكساتٍ مُعيَّنة أخرى، للتأكد من عدم قيام الدماغ بوظائفه. ويجب على الأطباء أيضاً أن يُبلغوا أو يحاولوا إبلاغ أقرباء المريض أو صديقٍ مُقرَّبٍ منه.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعذُّر على الأطبَّاء تشخيص الموت الدماغي، ما لم يتحرُّوا عن جميع المشاكل القابلة للمعالجة ويُعالجوها، والتي يمكن أن تُبطئ سرعة أداء وظائف الدماغ، وبذلك يمكن أن تُعطي تشخيصاً خاطئاً للموت الدماغي. تنطوي هذه المشاكل على ما يلي: الانخفاض الشديد في درجة حرارة الجسم؛ الانخفاض الشديد في ضغط الدَّم؛ الارتفاع أو الانخفاض الشديدان لمستويات بعض المواد (مثل السكر والصوديوم) في الدَّم؛ استعمال جرعة زائدة من مُهدِّئ؛ استخدام بعض الأدوية السامة. ويقوم الأطباء بإعادة التَّحرِّي عن المعايير بعد 6 إلى 24 ساعة عادةً، لتأكيد نقص استجابة المريض. وبعد التأكُّد مرتين من عدم قيام الدماغ بوظائفه، والتَّحرِّي والتثبت والتحقق والتأكد من عدم وجود مشاكل ومعالجتها، يخلص الأطباء إلى تشخيص الموت الدماغي. وليس من الضروري إجراء اختباراتٍ إضافيَّة.

ومن ناحية ثالثة، قد يستخدم الأطباء في بعض الأحيان اختباراتٍ تشخيصيَّة مُعيَّنة، للمساعدة على تأكيد الموت الدماغي. ويقتصر إجراء الاختبارات عادةً على الحالات التي تُدرَسُ للتَّبرُّع بالأعضاء، كما يحدث بعد إصابات الرأس الكارثية، مثلما هو الحال في حوادث السيارات. ويمكن إجراء هذه الاختبارات بدلاً من اختبار تنفُّس المريض الذي يحتاج إلى عدّة اختبارات. ويُعدُّ فحص قدرة المريض على القيام بالتَّنفُّس غيرَ مرغوبٍ فيه لأنَّه يحرم الأعضاء من الأكسجين، ممَّا قد يُلحِقُ ضرراً إضافيّاً بالأعضاء المُستَهدفة بالتَّبرُّع. بيان ذلك أنه يمكن اللجوء إلى تَخطيطُ كَهرَبِيَّةِ الدِّماغ (EEG)، لتسجيل النشاط الكهربائي في الدماغ، إذ لا تَظهر في هذا الاختبار أيَّ موجاتٍ دماغيَّة عندما يكون دماغ المريض ميِّتاً. وقد يتم اللجوء إلى اختبارات التصوير التي تكشف جريان الدَّم إلى الدماغ، إذ أن الدَّم لا يجري إلى الدماغ عندما يكون دماغ المريض ميِّتاً. وتشتمل اختباراتُ التصوير على تصوير الأوعية؛ وتصوير الأوعية المقطعي المُحوسَب؛ التصوير المقطعي المُحوسَب بالإصدار أحادي الفوتون (SPECT)، الذي يستخدم جزيئاً مُشِعّاً، يُسمَّى النُّوكليد المُشع (radionuclide) لإنتاج صورٍ لجريان الدَّم؛ وتصوير الصدى عبر القحف بالدوبلر (transcranial Doppler ultrasonography).

هل حدث أن شفي مريض أو عاد إلى الحياة بعد وفاة جذع المخ؟
باستقراء الوقائع المشاهدة، وبحسب الأطباء، لم يشفَ أي شخص وُجِدَت لديه معايير الموت الدِّماغي. إذ يتوقُّف كلُّ دعمٍ للحياة بعد تأكيد الموت الدماغي. وقد يرغب أفراد العائلة في أن يكونوا مع المريض في هذا الوقت. وينبغي إعلامهم أنَّ أحد أطراف الجسم أو أكثر قد يتحرك عند التَّوقُّف عن مساعدة التنفس، أو أن المريض قد ينتصب، ويسمَّى ذلك في بعض الأحيان علامة لازاروس (Lazarus). وتنجم هذه الحركات عن تقلُّصاتٍ عضليَّةٍ انعكاسيَّة في العمود الفقري، ولا تعني أنَّ الشَّخص ليس ميتاً دماغيّاً.

لماذا لا تنخفض درجة حرارة الجسم في بعض حالات الموت الدماغي؟
ثمة تساؤل مهم وجوهري يتوقف على الإجابة عنه القول الفصل في شأن الموت الدماغي، وهو: لماذا لا تنخفض درجة حرارة الجسم في بعض حالات موت جذع المخ برغم أن مركز التحكم في الحرارة يقع داخل المخ؟

وفي الإجابة عن هذا التساؤل، تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ الدكتور صلاح سند، أستاذ طب النساء والتوليد بطب القاهرة، قد أصدر كتاباً عن الوفاة الإكلينيكية وخروج الروح، فند فيه كل الحجج الرافضة للموت الدماغي، ومنها السؤال سالف الذكر. ورداً على هذا التساؤل، يشير المؤلف إلى أن هناك وسائل أخرى معزولة عن المخ من الممكن أن يستعين بها الجسم لزيادة درجة الحرارة أو فقدها، مثل الغذاء حتى ولو عن طريق أنابيب ومحاليل، وأيضاً عن طريق زيادة إفراز بعض الهرمونات وبانقباض أو انبساط الأوعية الدموية.

كيف يستمر إفراز هرمونات الغدة النخامية في بعض حالات الموت الدماغي رغم أن الغدة النخامية تستمر غذاءها من الدورة الدموية للمخ؟
ثمة سؤال طبي آخر يطرحه المعارضون لفكرة الموت الدماغي، وهو: كيف يستمر إفراز هرمونات الغدة النخامية وهي تستمد غذاءها من الدورة الدموية للمخ؟

والرد على هذا التساؤل هو أن هذه الغدة لا تعمل في كل حالات موت المخ، أما البعض الذي يعمل فلكونه يستمد غذاءه من دورة دموية بديلة تقع خارج الغشاء الخارجي للمخ، وهي تتسع لتعوض غياب الدورة الدموية الأساسية.

لماذا يتم تخدير موتى المخ عند أخذ أعضاء منهم لنقلها لآخرين؟
ثمة تساؤل آخر يراه معارضو نقل الأعضاء وموت جذع المخ سؤالاً معجزاً، وهو: لماذا يتم تخدير موتى المخ عند أخذ أعضاء منهم لنقلها لآخرين؟

وللإجابة عن هذا التساؤل، يؤكد الأستاذ الدكتور صلاح سند أن التخدير شيء مختلف تماماً عن إفقاد الوعي، فمن ضمن مهام التخدير الأساسية إرخاء عضلات الجسم، وهو إجراء مطلوب في حالة نقل الأعضاء لتخفيف توتر العضلات وتسهيل التعامل معها جراحياً، ومن المهم أيضاً إرخاء الأوعية الدموية. ومن ثم، فإن الجراح لا يبحث عن إفقاد وعي من هو فاقد الوعي أصلاً، ولكنه يبحث عن جراحة أفضل في وسط جراحي أنسب.

المبحث الثاني
الحكم الشرعي في شأن الموت الدماغي

قديماً، كان الاعتقاد السائد هو أن الموت شرعاً يحدث بتوقف القلب، وأن الروح لا تخرج ولا تفارق الجسد إلا بعد توقف القلب. ولم يكن الأمر يثير أدنى مشكلة ولم يكن متصوراً أن يكون الأمر محلاً للاختلاف أو حتى مجرد الاجتهاد. ولكن، ومع تغير الحقائق العلمية في هذا الصدد، وبحيث ظهر ما يطلق عليه الموت الدماغي، بدأ الأمر يثير العديد من النقاش ويمكن أن يكون محلاً للاختلاف في الآراء بين الفقهاء. وقد ساعد على ذلك ظهور عمليات زرع الأعضاء مع نهاية العقد السادس من القرن العشرين، وبحيث غدا من المهم والضروري تحديد لحظة الوفاة كمحدد لنقل الأعضاء بعد الوفاة، وما إذا كان ذلك يتم بمجرد موت جذع المخ أم ينبغي الانتظار حتى تتوقف كل أجهزة الجسم تماماً عن النبض أو الحركة، وعلى رأس هذه الأجهزة أو الأعضاء القلب بطبيعة الحال.

وهكذا، خرج إلى النور مؤخراً العديد من الأبحاث الأكاديمية التي تناولت موضوع الموت الدماغي، نذكر منها:
الموت الدماغي والآثار المختلف فيها المترتبة عليه، الدكتور سعيد بن مبارك، أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية، جامعة بيشة- السعودية.
موت الدماغ، الدكتور سعد بن عبد العزيز الشويرخ، أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التكييف الشرعي لموت الدماغ وأثره في عمليات نقل الأعضاء، دراسة فقهية طبية مقارنة، الدكتور أحمد محمد لطفي أحمد، أستاذ الفقه المقارن المشارك بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر – مصر وكلية الحقوق جامعة المملكة، البحرين.

وبالإضافة إلى ذلك، تم عقد العديد من الندوات لمناقشة موضوع «الموت الدماغي»، وذلك بقصد تدارس الجوانب المختلفة له والتوصل إلى التوصية المناسبة بشأنه. وعلى هذا النحو، تم عقد ندوة طويلة تبناها مركز العلوم الطبية بمستشفى الطب الإسلامي في الكويت، وأخرى في القاهرة وثالثة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي في السعودية. كذلك، صدرت فتاوى عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة والندوة العالمية لقضايا الطفل المعاصرة، كما صدرت فتوى عن هيئة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية، وفتوى أخرى عن مجلس الإفتاء الأردني.

الفتوى الصادرة عن مجلس الإفتاء الأردني باعتبار الوفاة الدماغية موتاً حقيقياً
تأكيداً لقرار سابق في الوفاة الدماغية، وفي جلسته المنعقدة يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر شعبان 1438ه الموافق الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 2017م، ورداً على السؤال الوارد من اللواء الطبيب المساعد لشؤون مدينة الحسين الطبية عن توضيح الموقف النهائي المتعلق بفتوى 2011 ذات العلاقة بالتبرع بالأعضاء، وكذلك توضيح موقف الإفتاء بشأن اعتبار الموت الدماغي كمعيار للتبرع بالأعضاء، أصدر مجلس الإفتاء الأردني القرار رقم (237) (5/ 2017)، حيث جاء فيه:
سبق لمجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية إصدار قرار باعتبار الوفاة الدماغية موتا حقيقيا تترتب عليه جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالوفاة، وذلك في القرار رقم (11)، في العام (1988م)، وقد أخذ القرار حينها بمضمون قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي (5/ 3) لسنة (1986م)، والذي كان قد عقد في العاصمة عمّان.
ونحن هنا نؤكد على ما ورد في قرار مجلس الإفتاء نفسه رقم (11)، ونوصي بالتزامه والعمل بمضمونه، واعتبار كل ما صدر على خلافه حالة فردية وحادثة عين لا عموم لها. ونسوق نص القرار المعتمد كما صدر حينها على الوجه الآتي:
«يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين الآتيتين:
1. إذا توقف قلبُه وتنفسُه توقفاً تاماً، وحَكَم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
2. إذا تعطَّلت جميعُ وظائف دماغه [جذع الدماغ] تعطلاً نهائياً، وأخذ دماغه في التحلل، وحَكَم الأطباء المختصون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، ولا عبرة حينئذ بكون أعضاء الميت كالقلب لا يزال يعمل عملا آلياً بفعل أجهزة الإنعاش المركبة.

وفي هذه الحالة (الثانية)، يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، ولا يحكم الأطباء بالموت في هذه الحالة إلا بعد الاستيثاق والتأكد من الأمور التالية:
1. توافر جميع شروط تشخيص موت الدماغ.
2. استبعاد الأسباب الأخرى للغيبوبة.
3. غياب جميع منعكسات جذع الدماغ.
4. القيام بجميع الفحوصات اللاّزمة طبياً لإثبات وقف التنفس.
5. السكون الكهربائي في تخطيط الدماغ.
6. إجراء أي فحوص طبية لازمة للتأكد من موت الدماغ.
7. أن تتم هذه الفحوص في مستشفى مؤهل، تتوافر فيه الإمكانات اللاّزمة لهذه الفحوص.

ونظراً لما لهذا الموضوع من أهميةٍ شرعيةٍ، وقانونيةٍ، وطبيةٍ، وأخلاقيةٍ، واجتماعيةٍ، فإن الحكم بموت الدماغ يجب أن يتم من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة، وألا يكون لأحد منهم أي علاقة بالموضوع تُورث شبهةً، وأن تقوم اللجنة بإعادة الفحوصات السابقة بعد فترة كافية من الفحوص الأولى، يقررها الأطباء المختصون للتأكد من إثبات اكتمال جميع الشروط المذكورة آنفاً.

وتعتبر ساعة توقيع اللجنة الطبية المختصة المذكورة هي ساعة وفاة الشخص في حق الأمور التي ترتبط بتاريخ الوفاة. ويؤكد المجلس ضرورة إصدار قانون لمعالجة هذا الأمر، لضمان تنفيذ الشروط الواردة في هذه الفتوى، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين لها».

التشابه بين حركة الميت دماغياً وحركة الذبيحة
قد ينكر بعض رجال الدين موت جذع المخ، معتقدين أن هذا الموت ليس موتاً حقيقياً، وذلك رغم أنهم يرون في عيد الأضحى قلب الخروف المذبوح ينبض ورأسه مفصول عن الجسد! وقد يصر هؤلاء على أن هذا القلب النابض هو دليل حياة!، وهو ما رفضه رجال دين مستنيرون، مثل عضو هيئة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية الدكتور عيسى زكى، الذى أوضح أن «مفهوم الموت قد تطوّرَ بين الأطباء والفقهاء عند بحث قضية الموت الدماغي، فتم التوصل إلى أنه إذا مات جذع الدماغ المسئول بدوره عن حركة القلب والرئة فقد أقر الفقهاء المعاصرون بأن هذه الحالة تعتبر وفاة شرعية، لأن هذا الجذع هو المسئول عن الحركة الإرادية للقلب والرئة، وإذا كان جذع الدماغ قد مات وبقى القلب والرئة في التحرك عن طريق هذه الأجهزة المتصلة بها فهذه حركة الذبيح، وبالتالي الذبيحة ميتة لكنها قد تتحرك، وهذه الحركة لا تعتبر علامة حياة وإنما بقايا الأعصاب»، وتابع: «كلمة السر في جذع الدماغ، وكانت هناك ندوة طويلة تبناها مركز العلوم الطبية بمستشفى الطب الإسلامي في الكويت، وأخرى في القاهرة وثالثة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي في السعودية، وبعد نقاش طويل اتفق الفقهاء والأطباء على أن الفيصل هو جذع الدماغ، لأن الحركة التي تنتج بعد موت جذع المخ ليست حركة طبيعية وإنما حركة اصطناعية». وأشار الدكتور عيسى زكي كذلك إلى «صدور فتاوى عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة والندوة العالمية لقضايا الطفل المعاصرة، وكذلك صدرت فتوى عن هيئة الإفتاء في وزارة الأوقاف».

الأدلة الشرعية على تعلق الروح بجذع المخ وليس بالقلب
يقولون إن الموت هو «مفارقة الروح للجسد»، وبما أن الروح هي أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع طبيب أو فقيه أن يدّعى معرفته، فلسنا نملك إلا الحديث عن العلامات الدالة على هذه المفارقة. ويبدو سائغاً في هذا الصدد الاعتماد على قضيتين فقهيتين، يمكن من خلالهما إثبات أن الروح تتعلق بجذع المخ وليس بالقلب.

القضية الأولى، هي نفخ الروح في الجنين قبل الولادة، ففي سورة المؤمنون «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين…» إلى آخر الآية، وقد فُسرت «أنشأناه خلقاً آخر» في «جامع العلوم والحكم» بأنها نفخ الروح، وقد أيّدت الأحاديث النبوية أن نفخ الروح يتم بعد كل هذه المراحل، انظر الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن هذه المراحل. كل هذا يثبت أن نفخ الروح يتم بعد تكوُّن الجنين، أي بعد 120 يوماً، وهذا الرقم هو الذى أقره المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الذى عُقد بمكة المكرمة سنة 1990، وبما أن القلب يتكون وينبض منذ اليوم الثاني والعشرين بعد التلقيح، إذن لا يمكن أن يكون مرتبطاً بالروح ونفخها، ولكن الاتصالات والتشابكات ما بين جذع المخ وما فوقه من المناطق المخية العليا تتكون بعد الـ120 يوماً، أي أنها هي المرتبطة بنفخ الروح وليس القلب، إذن أنت أيها الطبيب الدرويش المتمسك بكتب الفقه وترفعها درجات فوق كتب الطب تتعامل مع هذا الرقم وتلك الحقيقة، فلماذا تعترف بها في تحديد نفخ الروح للجنين، وتنكرها في مغادرة الروح للميت؟

أما القضية الفقهية الثانية، التي يمكن من خلالها إثبات أن المخ وليس القلب هو المرتبط بالروح، وهى قضية العلامة الدالة على حياة الجنين بعد الولادة والتي كانت مهمة عند الفقهاء لإثبات الميراث، فلم يحكم الفقهاء للجنين بعد ولادته بالحياة إلا إذا استهل صارخاً، وذلك استناداً إلى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «لا يرث الصبى حتى يستهل»، وقد ذهب الإمام مالك أبعد من ذلك، حين اعتبر أن المولود لا يُعتبر حياً إلا إذا صرخ، ولو تنفس أو حتى تبول وتحرك، وهنا فالروح ترتبط بالإدراك والإحساس والصراخ، وكلها وظائف مخية، إذن هو المخ وليس القلب مرة ثانية.

المبحث الثالث
الموت الدماغي في خطة التشريعات العربية

باستقراء الأحكام القانونية الواردة في التشريعات العربية الصادرة في شأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهين؛ أولهما، يخلو من نص صريح في شأن الوفاة الدماغية، والآخر يقرر التسوية في الحكم بين الوفاة الدماغية والوفاة القلبية. وسنقوم بإلقاء الضوء على هذين الاتجاهين تباعاً، كما يلي:

اتجاه التشريعات الخالية من نص صريح في شأن الوفاة الدماغية
تخلو بعض التشريعات العربية الصادرة في شأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية من حكم قانوني صريح بشأن الوفاة الدماغية، مقتصرة على تخويل لجنة طبية ثلاثية سلطة تقرير ثبوت الموت ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده عودته إلى الحياة. فعلى سبيل المثال، وفي جمهورية مصر العربية، وردت عبارة «إنسان ميت» في المواد الأولى والثامنة والعاشرة من القانون رقم (5) لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية. كذلك، وردت عبارة «جسد ميت» في المادة الرابعة عشرة من القانون ذاته. غير أن القانون لم يحدد المراد بلفظ الميت، ومتى تتحقق لحظة الوفاة، مقتصراً في هذا الشأن على تخويل لجنة ثلاثية سلطة الفصل في هذا الشأن. بيان ذلك أن المادة الرابعة عشرة الفقرة الأولى من القانون رقم (5) لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية تنص على أن «لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسد ميت إلا بعد ثبوت الموت ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده عودته إلى الحياة، ويكون إثبات ذلك بموجب قرار يصدر بإجماع الآراء من لجنة ثلاثية من الأطباء المتخصصين في أمراض أو جراحة المخ والأعصاب، أمراض أو جراحة القلب والأوعية الدموية، والتخدير أو الرعاية المركزة، تختارها اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية، وذلك بعد أن تجرى اللجنة الاختبارات الإكلينيكية والتأكيدية اللازمة للتحقق من ثبوت الموت، طبقاً للمعايير الطبية التي تحددها اللجنة العليا ويصدر بها قرار من وزير الصحة، وللجنة في سبيل أداء مهمتها أن تستعين بمن تراه من الأطباء المتخصصين على سبيل الاستشارة». ووفقاً للمادة الحادية والعشرين من القانون ذاته، «يعاقب بعقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار المنصوص عليها في المادة (230) من قانون العقوبات من نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان دون ثبوت موته ثبوتاً يقينياً وفقاً لما نصت عليه المادة (14) من هذا القانون مما أدى إلى وفاته مع علمه بذلك. وتكون العقوبة السجن المشدد أو السجن لكل من شارك في إصدار قرار التثبت من الموت دون إجراء الاختبارات المنصوص عليها في المادة (14) من هذا القانون».

وفي الاتجاه ذاته، وفي مملكة البحرين، فإن المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية قد ورد خلواً من نص صريح في هذا الشأن، مقتصراً على إجازة نقل الأعضاء من جثة متوفى، بشرط الحصول على موافقة أقرب الأشخاص إليه حتى الدرجة الثانية، فإذا تعدد الأقارب في مرتبة واحدة، وجبت موافقة غالبيتهم، ومتى تم «التحقق من الوفاة بصورة قاطعة، بواسطة لجنة طبية تشكل من ثلاثة أطباء متخصصين، من بينهم طبيب متخصص في الأمراض العصبية، على ألا يكون من بين أعضاء اللجنة الطبيب المنفذ للعملية». كذلك، وبالاطلاع على اللائحة التنفيذية للمرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية، الصادرة بالقرار الوزاري رقم (65) لسنة 2020م، للوقوف على متى يعد الإنسان متوفياً حتى يستطيع الأطباء نقل أعضاؤه، نجد أن تحديد الوفاة يخضع للرأي الطبي. فوفقاً للمادة الثانية والعشرين من اللائحة، «يحظر نقل عضو بشري من جثة متوفى إلا بعد ثبوت الوفاة ثبوتاً يقينياً تستحيل بعده عودته للحياة، ويتقرر ذلك بإجماع آراء لجنة تختارها اللجنة المركزية بترشيح من المؤسسة الصحية مكونة من ثلاثة أطباء متخصصين في أمراض المخ والأعصاب أو جراحاتها، وأمراض القلب والأوعية الدموية أو جراحاتها، والتخدير أو العناية القصوى، وذلك بعد إجراء الاختبارات الإكلينيكية والتأكيدية اللازمة للتحقق من ثبوت الوفاة طبقاً للمعايير الطبية المتعارف عليها».

اتجاه التسوية في الحكم بنص تشريعي صريح بين الوفاة الدماغية والوفاة القلبية
تقرر بعض التشريعات العربية بنص صريح التسوية في الحكم بين الوفاة الدماغية والوفاة القلبية، وبحيث يعد الإنسان ميتاً متى توافر أي منهما. فعلى سبيل المثال، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ورد تعريف الوفاة أو الموت في المادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2016 في شأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، بنصها على أن «الوفاة: المفارقة التامة للحياة بصورة يقينية وموثوقة، وذلك إما بتوقف القلب والتنفس توقفاً تاماً ونهائياً، أو توقف جميع وظائف المخ توقفاً تاماً ونهائياً، وفقاً للمعايير الطبية الدقيقة التي يصدر بها قرار من الوزير، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه». وبناء على التفويض التشريعي الوارد في هذا النص، صدر قرار وزارة الصحة ووقاية المجتمع رقم (550) لسنة 2017م في شأن معايير تشخيص الوفا، والذي تقرر المادة الأولى منه أن تشخيص الوفاة يتم بعدة طرق، منها التوقف التام لجميع وظائف المخ. إذ تنص هذه المادة على أن «يتم تشخيص الوفاة إما بالتوقف التام والنهائي للقلب والتنفس أو بالتوقف التام والنهائي لجميع وظائف المخ وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه وذلك وفقاً للمعايير الواردة بملحق هذا القرار». وبملحق القرار في الفقرة (ثانياً)، وتحت عنوان «تشخيص الوفاة الناتجة عن التوقف التام والنهائي لجميع وظائف المخ»، ورد النص على ما يلي: «يتم هذا التشخيص باستخدام القرائن الدماغية وقد أصبح هذا التشخيص ممكناً لأي مستشفى لديه وحدة عناية مشددة، ويتم تطبيقه بالنسبة لأي مريض تنطبق عليه خصائص الوفاة باستخدام المعايير الدماغية.
1- من يشخص الوفاة باستخدام المعايير الدماغية؟
يمكن لاختصاصي الأعصاب، أو جراحي الأعصاب أو اختصاصي الطب الباطني أو اختصاصي العناية المركزة أو المخدرين أو اختصاصي طب الأطفال أو أي طبيب اختصاصي يملك الخبرة الكافية لتشخيص موت الدماغ أن يقوم بإجراء التشخيص، ويمنع قطعياً اشتراك أطباء أو جراحي نقل الأعضاء في تشخيص موت الدماغ بأي شكل كان.
2- الجوانب الطبية للوفاة باستخدام المعايير الدماغية:
2-1 تعريف:
الوفاة الدماغية هي التوقف غير العكوس (لا رجعة فيه) لكل وظائف كامل الدماغ بما فيه جذعه.
2-2 الشروط والاستثناءات لتشخيص الوفاة باستخدام المعايير الدماغية.
2-2-1 الشروط المسبقة لتشخيص الوفاة باستخدام المعايير الدماغية:
يجب توفر الشروط التالية قبل بدء عملية تشخيص الوفاة باستخدام المعايير الدماغية:
أ- أن يكون المريض في حالة سبات (غيبوبة) ذات سبب محدد ومعروف.
ب- أن يكون المريض موجودًا تحت المنفسة (جهاز التنفس الاصطناعي) وليس لديه أي تنفس تلقائي.
ت- أن يكون قد انقضى 6 ساعات على الأقل على حصول الحادثة التي أدت إلى موت الدماغ – تحديد سبب الموت بشكل واضح (إصابة بالرأس، نزف دماغي….. إلخ).
ث- ألا يكون المريض بحالة صدمة قلبية وعائية.
ج- أن يكون قد تم تصحيح جميع الاختلالات الاستقلابية والغدية الصماء.
ح- ألا تكون هناك استجابة لأي نوع من أنواع المنبهات.
خ- انعدام المنعكسات التام رغم إمكان بقاء بعض المنعكسات النخاعية البسيطة.
2-2-2 الاستثناءات:
أ- يجب أن لا يكون المريض هابط الحرارة وأن تكون درجة حرارة باطن الجسم أكثر من 34 درجة مئوية قبل تشخيص موت الدماغ، وإن كانت أقل من ذلك فيجب تدفئة المريض لرفعها.
ب- استبعاد أن يكون المريض تحت تأثير المهدئات المنومات والمخدرات أو مثبطات الجهاز العصبي أو مرخيات العضلات ومضادات الاكتئاب ويجب أن تكون المستويات الدموية لهذه المواد أو ملف المريض الطبي لا يشيران لوجود مستويات صريحة من الأدوية المهدئة أو مرخيات العضلات أو أن المريض لم يتلقى علاج مهدئ في الأيام الخمسة السابقة، ويجب إجراء التحليل السمي خاصة في حالات حوادث السير، أو الانسمام الدوائي وحالات السبات مجهولة السبب، وفي كل الحالات التي يظن الطبيب أن هناك استطبابًا لذلك، وفي حال عدم توفر ذلك يجب انتظار خمسة أيام قبل البدء بتشخيص الوفاة.
ت- استبعاد المرضى المصابين باضطرابات استقلابية أو غدية صماء.
ث- عدم وجود أي دلالة على الفعالية الدماغية لدى المرضى كمثل النوب الاختلاجية أو وضعية فصل المخ أو فصل القشر المخي.

وتنفيذاً لهذا القرار، ولضمان تطبيقه، صدر التعميم رقم (21 /2017) بتاريخ 6 يونيو 2017 بشأن القرار الوزاري في شأن معايير تشخيص الوفاة، متضمناً إرفاق نسخة من قرار وزارة الصحة ووقاية المجتمع رقم 550 لسنة 2017 في شأن معايير تشخيص الوفاة مع ملحقه، والذي يتضمن اللوائح والإجراءات المنظمة لتشخيص الوفاة الدماغي، ومؤكداً على أنه في حالة لم يتوفر في المنشأة الصحية الخبراء السريريين المطلوبين لإجراء تشخيص الموت الدماغي، يجب على المنشأة الاتصال بهيئة الصحة – أبو ظبي لاتخاذ الترتيبات اللازمة لزيارة المنشأة من قبل الخبراء المناسبين لذلك.

وبدوره، يتبنى المشرع السعودي الاتجاه ذاته القائم على التسوية بنص صريح بين الوفاة الدماغية والوفاة القلبية، حيث تورد المادة الأولى من المرسوم الملكي رقم (م/ 70) وتاريخ 19/ 8/ 1442هـ بالموافقة على نظام التبرع بالأعضاء البشرية، تعريفاً لمصطلح «الوفاة»، بنصها على أن «الوفاة: مفارقة الإنسان حياته بصورة يقينية وفقاً للمعايير الطبية الدقيقة، بحيث يستحيل معها عودته للحياة، نتيجة توقف القلب والرئتين أو جذع الدماغ». وهكذا، يسوي المشرع السعودي في الحكم بين كل من توقف القلب والرئتين وبين توقف جذع الدماغ، وبحيث يعد الإنسان ميتاً متى تحقق أي منهما. واتساقاً مع ذلك، وردت العديد من النصوص المتعلقة بالوفاة الدماغية، وذلك في قرار مجلس الوزراء رقم (38) وتاريخ 26/1/1434هـ بالموافقة على تنظيم المركز السعودي لزراعة الأعضاء. بيان ذلك أن المادة الثالثة من القرار تنص على أن «مهمات المركز واختصاصاته هي: استقبال بلاغات حالات الوفاة الدماغية للأشخاص في وحدات العناية المركزة، ومتابعة هذه الحالات، وتنسيق استئصال الأعضاء – بعد الحصول على الموافقات اللازمة – وتوزيعها على مراكز الزراعة في مختلف المنشآت الصحية بالمملكة».

وفي دولة قطر، تنص المادة الأولى من القانون رقم (15) لسنة 2015 بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية على أن «الوفاة: توقف القلب والتنفس توقفاً نهائياً أو تعطل وظائف الدماغ تعطلاً كاملاً لا رجعة فيه (الموت الدماغي)». وهذا التعريف للوفاة كان موجوداً، وبالعبارات ذاتها، وذلك في المادة الأولى من القانون رقم (21) لسنة 1997 بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، والذي ألغي بموجب المادة السابعة والعشرين من القانون رقم (15) لسنة 2015م المشار إليه.

ويمكن إدراج القانون الكويتي في الاتجاه ذاته، وذلك على الرغم من خلو المرسوم بقانون رقم 55 لسنة 1987 بشأن زراعة الأعضاء من أي نص صريح في هذا الشأن، يحدد متى يعد الإنسان ميتاً، وما إذا كان ذلك بتوقف القلب والرئتين فقط أم يشمل ذلك حالة توقف جذع المخ، تاركاً أمر التثبت من حدوت الوفاة للجنة طبية ثلاثية مشكلة على نحو معين. إذ تنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون المشار إليه على أن «يجوز نقل الأعضاء من جثة متوفى بموافقة من وجد حال وفاته من أقرب أقربائه كاملي الأهلية حتى الدرجة الثانية فإذا تعدد الأقارب في مرتبة واحدة وجب موافقة غالبيتهم، وفي جميع الأحوال يجب أن تصدر الموافقة بإقرار كتابي ويكون ذلك بمراعاة ما يلي: (أ) التحقق من الوفاة بصورة قاطعة بواسطة لجنة تشكل من ثلاثة أطباء اختصاصيين من بينهم طبيب اختصاصي في الأمراض العصبية على ألا يكون من بين أعضاء اللجنة الطبيب المنفذ للعملية. (ب) ألا يكون الشخص المتوفى قد اعترض حال حياته على استئصال أي عضو من جسمه وذلك بإقرار كتابي يشهد عليه شاهدان كاملا الأهلية». ويمكن فهم سبب خلو المرسوم بقانون رقم 55 لسنة 1987 بشأن زراعة الأعضاء من نص صريح في هذا الشأن، وذلك بالنظر لقدم تاريخ صدور هذا القانون، والذي يعد – على حسب علمنا – أقدم التشريعات العربية صدوراً في هذا الشأن. وعلى كل حال، ورغم صدور المرسوم بقانون المشار إليه من نص صريح في شأن الوفاة الدماغية، فإن القرار الوزاري رقم 112 لسنة 2002 بتنظيم إجراءات نقل الأعضاء البشرية في حالات الوفاة بالمستشفيات التابعة للوزارة، قد تضمن بعض النصوص الصريحة في هذا الشأن. بيان ذلك أن المادة الثالثة من القرار الوزاري المشار إليه تنص على أنه «في حالة وجود مريض تبدو عليه أعراض الوفاة الدماغية وجب على الطبيب المعالج في العناية المركزة القيام بالآتي: أ‌- الاتصال بمنسق زراعة الأعضاء في نفس المستشفى أو بمركز حامد العيسي لزراعة الأعضاء بالسرعة الممكنة للتبليغ عن حالة الوفاة وتعبئة الملحق (A) Brain Death Repotting المعد لذلك. ب – يقوم المنسق باستدعاء لجنة طبية تشكل على النحو الوارد في الفقرة (أ) من المادة (5) في القانون رقم 55/87 للتحقق من الوفاة». وتضيف المادة الرابعة من القرار ذاته أن «تعتمد إجراءات تشخيص الموت الدماغي المبينة في الملحق رقم (B) Brain Death Diagnosis المرفق لهذا القرار. وتلتزم اللجنة الطبية المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (5) من القانون رقم 55/1987 بهذه الإجراءات عند تشخيص حالات الموت الدماغي(BRAIN DEATH) وعند تقرير اللجنة حالة الموت الدماغي تقوم بإثبات ذلك على النموذج المعد لذلك بالملحق رقم Brain Death Documentation Form (C) المرافق لهذا القرار ويوقع عليه جميع أعضاء اللجنة الطبية المذكورة بإقرار الوفاة وجواز رفع أجهزة الإنعاش عن المتوفى ثم يقوم منسق زراعة الأعضاء بدعوة اللجنة المختصة لمقابلة وإقناع أهل المتوفى وطلب التبرع بالأعضاء». وتنص المادة التاسعة من ذات القرار على أنه «عند الحصول على الموافقة على التبرع بالأعضاء يقوم الطبيب المعالج بإصدار شهادة الوفاة على أن تكون بنفس تاريخ وساعة الوفاة الدماغية في الفقرة (ب) من المادة الثالثة من هذا القرار».

وفي سلطنة عمان، صدرت اللائحة التنظيمية لنقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، وذلك بموجب قرار وزارة الصحة رقم 179 / 2018م، حيث تورد المادة الأولى من اللائحة تعريفاً للفظ «الموت» بأنه «المفارقة التامة للحياة بصورة يقينية، ونهائية، وذلك بتوقف القلب، والتنفس توقفاً تاماً ونهائياً، أو توقف جميع وظائف جذع المخ توقفاً نهائياً وفقاً للمعايير الطبية الدقيقة». ويتم إثبات ذلك بواسطة لجنة طبية ثلاثية مشكلة من تخصصات معينة، حيث تنص المادة الحادية عشرة من اللائحة ذاتها على أن «يتم إثبات الموت – لغرض نقل الأعضاء والأنسجة البشرية من الميت – بموجب تقرير من قبل (3) ثلاثة أطباء استشاريين في تخصص أمراض أو جراحة المخ والأعصاب، وأمراض أو جراحة القلب والأوعية الدموية، والتخدير والعناية المركزة».

زر الذهاب إلى الأعلى