الانفجار السكاني وتوابعه !
من تراب الطريق (1074)
الانفجار السكاني وتوابعه !
نشر بجريدة المال الأحد 4/4/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
لا تجد عاقلاً يغضى أو يجادل في خطورة الانفجار السكاني على مصير مصر والمصريين، وكيف أن يبتلع كل الجهود التي تُبذل على المستويين العام والخاص لرفع مستوى الدولة والأفراد، والتطور بالمستويين إلى حيث يجب أن يكون الوطن والمواطن!
يضيع أثر كل ما نبنيه من مساكن ونصلحه من أراضي ونقيمه من مستشفيات ومن وسائل النقل، ومن المدارس، ومن كافة الخدمات، ومن رفع الدخل القومي ورفع دخل الفرد ـ يضيع آثار كل هذا وغيره حين يَبْتلعها الانفجار السكاني، فنجد ما كان كافيًا لعشرة أفراد، قد طار أثره في الهواء سدىً حين يقتسمه مائة بدل العشرة !!
أما التربية والتعليم فحدث ولا حرج !!
لازلت أذكر ما تلقيناه من دروس في الاقتصاد السياسي بحقوق القاهرة 1955 على يد الأستاذين الكبيرين الدكتورين سعيد النجار ورفعت المحجوب، وما سمعناه منهما وقرأناه لهما عن النزعة التشاؤمية في إطار النظريات الاقتصادية في السكان، فبعد أن كان الزمن الفائت يرى القوة والمنعة والرخاء في زيادة السكان، حتى كتب هنري الرابع ملك فرنسا في سنة 1599 أن قوة وثروة الملوك والأمراء تتوقف على رخاء وزيادة السكان، وتوسط الاقتصادي « كيزنيه » فقال إن الاعتقاد بأن السكان هم سبب الثروة لا يعدو أن يكون أخذاً للنتيجة على أنها سبب. إذ الثروة هي التي تحدد السكان. بمعنى أنهم نتاج الظروف الاقتصادية.
نعود إلى النزعة التشاؤمية التي ارتبطت بالقس الإنجليزي « توماس مالتس »، الذي عين أستاذا للتاريخ الاقتصادي في الكلية الهندية الشرقية، فقد بحث أهم مشاكل عصره وهى بؤس العمال، وعالج حلولا عديدة لمساعدتهم، ثم خلص في النهاية إلى أن قانونين هامين غير قابلين للتغيير يحكمان طبيعة البشر: القانون الأول: ضرورة الطعام لوجود أو حياة الإنسان. والقانون الثاني ميل كل من الجنسين إلى الآخر. فالقانون الأول يترجم حاجة الإنسان إلى الطعام، بما يعنى أن المواد الغذائية والإمكانيات المتاحة تحدد بالضرورة عدد السكان، بينما يترجم القانون الثاني « تزايد السكان » !
ارتأى مالتس ( 1766/1834 ) أن رغبة وقدرة الإنسان على التناسل أكبر من قدرته وقدرة الأرض وسائر العناصر الإنتاجية على إنتاج ما يلزم لبقاء الإنسان، فإذا تزايد السكان ـ وهم يتزايدون بمتوالية هندسية ( أي يتضاعفون ) كل (25) عامًا، بأكثر من قدرة العناصر الإنتاجية على الإنتاج، اختل التوازن الواجب بين الكتلة السكانية والكتلة الغذائية، فيفقد الإنسان في محيطه ضرورات حياته، ومن هنا نشبت وتنشب المجاعات وقامت وتقوم الحروب التي تفنى البشر حتى تعود المعادلة إلى التوازن !
لم تسد هذه النظرية، وناهضتها نزعات تفاؤلية، ومع ذلك لا تزال هاديا لمجتمعات اختل فيها التوازن، ونحن هنا أحوج إلى الالتفات إلى مخاطر الانفجار السكاني مع تواضع أو تراجع الإنتاج.. ففي الوقت الذي نفسر به حديث: « تزاوجوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة » ـ بأن الزيادة المتغياة هي أي زيادة عددية مهما افتقدت التربية والتأديب والتهذيب والتثقيف، وأن التزايد بالتناسل غاية في ذاته لا تلتفت إلى الكيف، ولا تهتم إلاّ بالكم، الأمر الذي قاد ويقود إلى تفشى الفقر والبؤس والتعاسة، وضياع أي أمل في حصد أسباب القوة والتقدم والرقى.
ومن اللافت الموجع أننا مع استسلامنا بلا عقل للتناسل في حـد ذاته، دون أي التفات لمقتضيات القدرة على التربية والتنشئة الصالحة، فإننا أيضا نعطى ظهورنا للإنتاج، لأننا نعطى ظهورنا للعمل، وآية ذلك أنه لا قيمة لدينا لوقت.
في المجتمعات المتحضرة يقدسون « الراحة »، لأنهـم يقدســون « العمل ».. فالراحة في استخدامها الصحيح تقابل عملاً وجهداً منتجاً مبذولاً، وبغير ذلك تكون الراحة فراغًا ومضيعة للوقت وتغليقًا لكل أبواب الإنتاج، فكيف إذن يكون التناسل والتكاثر، بينما الإنتاج يتراجع بتراجع العمل وقيمة الوقت حتى إن الإجازات تصل لدينا في المرة الواحدة إلى أسبوع، والمحصلة لهذه الحماقة هى تزايد الفقر لا القوة، وشيوع البؤس والتعاسة لا الرضا أو السعادة..
الغريب أننا مع حاجتنا إلى التبصر إزاء الانفجار السكاني الذي لم نكتف بعوادمه وآثاره المدمّرة، فزدنا عليه في قانون الجنسية المصرية أن تمنح لكل مولود لأم مصرية، حتى لو كان الأب إسرائيليا !!.. لنضيف إلى أحمالنا أحمال المولودين لآباء أجانب كان الأجدر أن يحملوا جنسية آبائهم، نفعل ذلك ونحن نئن بما نحمله، ونئن بالانفجار السكاني مع الخمود الإنتاجي ! فهل تبصرنا بما نسوق أنفسنا إليه في عمًى ضرير لا فطنة فيه ولا بصيرة ولا تمييز ؟!