الاصلاح بين سندان الفساد و مطرقة مقاومى التغيير (3)
بقلم أ / صابر شعبان أبو على المحامى
جَال بِنا الحَدِيثُ فِى المَقَالينِ السَّابِقَينِ بَين مَاهِيّةِ الإصْلاحِ وبَينَ مَا يُلاقِيهِ الإصْلاحِيُونَ مِنْ عَنَت مُقَاوِمِى الاصْلاحِ وعَمّا إذَا كَانَ التًّغْييرُ الإصْلاحِى إدَارَة أمْ إرَادَة وتَوقَفْنّا عِنْدَ ضَرُورَةِ أنْ يَكُونَ الاصْلاحُ تَدرِيجِياً وَلَيسَ فُوجَائِياً وَوَصْلاً لِمَا سَبَقَ فَالاصْلاحِيُونَ وَإنْ سَعَوْا إلى غَايَةٍ وَحِيدَةٍ إلا أنَّهم اخْتَلَفُوا فِى الوسِيلَةِ فَالاخْتِلافُ الحَاصِل بَينَ دُعَاةِ الإصْلاحِ هَلْ يَكُونُ جِذْرِي وَفَورِي أَمْ تَدرِيجي
فَهُنَاكَ مَدٌ وَجَذرٌ بَينَ المُدَافِعِين عَنْ الاصْلاحِ التَدرِيجِي وَالرَّاغِبِينَ بِالاصْلاحِ الفَورِي الجِذْرِي
فَالتَّغْييرُ الفَورِى الجِذْرى يأتِى عَلَى عَجَلٍ غَير مَدْرُوسِ العَواقِب وَقَدْ يُصَاحِبَهُ قُوة أو ثَورَة وَيَأتِى قَسْرِى.
فَالتَغْيير الثَوْرِى يَصُبُ اهْتِمَامَهُ عَلى تَغْييرِ المَبَادِىء السيَّاسِية وَالاجْتِمَاعِية فِى آنٍ وَاحِدٍ أى يَتِمُ طَرح الفِكْرة وَمُحَاوَلَة إقْنَاعِ الجَمَاهِير بِها وَإجْبَارِهم عَليها فَهو يَأْتِى مِنْ القِمَّة إلى القَاعِدَةِ كَمَا فِى الأنْظِمَةِ الشُمُولِية فَالتغيير الثَورى يَبْدَأُ سَرِيعاً وَيَنْتَهى صَريعاً لأنَّه غَالِبَاً مَا يَكُونُ تَغْييراً جَبْرياً وَإذا أَرَدتَ أنْ تَحْكُمَ عَلى تَغْييرٍ مَا بِالإعْدَامِ أو بالإجْهَاضِ فَاجْعَلهُ قَسْرياً مِنْ غَيرِ إقْنَاعٍ وَلا اقْتِنَاعٍ .
فَالاتْحَادُ السُوفيتي كَانَ دَولةً وَاحِدةً بل دَولَة مُوحَدَة بُكلِ مَا تَدلُ عَليهِ كَلِمَة مُوَحَدَة كَانَ أكْبَر مِنْ حَجْمِ قَارة وَ حَيثُ إنها شُيُوعِية فَإذنْ لَيسَ هُنَاكَ مَجَالٌ للكَلامِ عَنْ انْفِصَالٍ أو انْقِسَامٍ أي جُزء مِنها ، وَ قُوة صِنَاعِية وَ زِرَاعِية وَ عَسْكَرية هَائلة ، بَلدٌ فِيه التَنَوع فِي كُلِ شَيء و ذَلكَ بِسَبب مِسَاحَتِهِ الشاسِعة فَهُو فِي الحَقِيقَةِ مَجْمُوعَة دُول مُتَحِدَة وَ كُل دَولَة مِنْ هَذهِ الدُول لَهَا وَزْنها وَ مُقَومَات دَولَة لِوحْدِها.
وَعِنْدَمَا تَولّى مِيخَائِيل جُوربَاتشُوف سُدةَ الحُكمِ بين عَامَي 1988 و1991 دَعَا إلى إعَادَة البِنَاءِ أو البريسترويكا وَنَادى وَقَادَ عِدة اصْلاحَات سِياسِية وَاقْتِصَادِية فَرضَهَا فَرضاً عَلى السياسَةِ السُوفيتية دُونَ تَهْيئة المُنَاخ السياسى وَالاقْتِصَادِى بِالبَلدِ الذى ظَلَّ تَحْتَ الحُكْمِ الشُيُوعِى عُقُوداً طَوِيلة فَآتت البريسترويكا ثِمَارَها فِي أواخِر عَام 1991 عِندمَا تَوارى الإتحاد السُوفيتي فِي صَفَحاتِ التارِيخ بَعدَ تَوقِيعِ بوريس يلتسن عَلى إتِفَاقِيةِ حَل إتْحَادِ الجُمْهُوريات السُوفيتية الإشتِراكِية هَذا مِثَالٌ حَىٌّ عَلى التَغْييرِ المُتَسَرع المُتَهور دُونَ تَهْيئة وَلا تَوطِئة.
أمَّا التَغْييرُ والاصْلاحُ التَدرِيجِى فَيَبدأ مِنْ القَاعِدَةِ بِمُنَاقَشَةِ الأفْكَار السَّائِدة عِندَ النَّاسِ وَبَيَان مَا بِها مِنْ نَقْصٍ وَقُصُورٍ وَمُقَارَنَتِها بِمَا هُو مَطْرُوح مِنْ أفْكَارٍ جَدِيدَة وَدَعَواتٍ إصْلاحِية وَهِى وَإنْ كَانَتْ حَرَكَتُها ثَقِيلَة وَخُطُواتها بَطِيئة إلا أنَّ نَتَائِجها أكِيدَة وَهَذِه طَرِيقَة نَظَرية بَحْتَة تَحْتَاجُ إلى أنْ تَتَكِأ عَلى خُطُواتٍ عَمَلية يَقُومُ بِها صَاحِبُ الفِكْرِ الاصْلاحِى كَقُدوة للنَّاس وَهَذا مَنْهَجُ الأنْبِياء فِى الاصْلاحِ وَالدَعْوة فَهُم يُنَادُون وَيَدعُون النَّاس بِالفِكْرِ وَالنظَر وَفِى ذَاتِ الوقْتِ يُطَبِقُون تِلكَ الدَعَوَاتِ عَلى أنْفُسِهِم لِتَقْتَدِى بِهم الجَمَاهِير فَلِسَان الحَال أبْلغُ مِنْ لِسَانِ المَقَالِ وَصَوتُ الفِعلِ أقوى وَأعْذَب مِنْ صَوتِ القَول وَلا يُمْكِن للتَغْيير أنْ يَنْجَح وَيَسْتَمِر بِالكَلامِ وَالخُطَبِ وَلكِن بِالمُمَارسَة وَالتَطْبيق.
وَلكِن يَجِبُ الحَذَرُكُل الحَذَر فَليس كُل مَنْ يَحْمِل لِواء الاصْلاحِ مُخلِصَاً فَبَعضُ دعاة الاصْلاحِ ليسوا مُخلِصِين ولا مُصلحِين فَقد يَرفَعُوا قَمِيصَ عُثمَان وَيُطَالبُوا بِرفعِهِ محاربةً للفَسادِ وَبَعضُهم فَاسِدُون وَبِمُحَاسَبَة الآخرين وَبَعضُهم أحَقُ بِالحِسَابِ فيجِبُ التدقِيق فِى النوايا وَدِرَاسة العَواقِب للتفرقة بين الغَثِ وَالثمِين بَين المُخْلص وَالمُغْرض حَتى لا يَأتى الانْكِسَارُ مِنْ مَظَنةِ الانْتِصَار وَالله ُمِنْ وَرَاءِ القَصدِ وَهُو يَهْدى السبيل.