الإمام الطيب والقول الطيب (5)
من تراب الطريق (1173)
نشر بجريدة المال الاثنين 6/9/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
الإمام الطيب والقول الطيب (5)
يقف فضيلة الإمام الأكبر ليبدي ملاحظاته التي تشخّص، وتبصّر بكيفيّة التغلب جزئيًّا على هذه المشكلة، مقدمًا لذلك بالآتي:
(1) أن المنهج الوسطى للعقول ـ في دراسة العقيدة ـ هو منهج الأزهر.
(2) أن الأزهر بذل جهودًا كبيرة للمحافظة على هذا المذهب الوسطى، ولكنْ للأسف بدأت هذه الجهود تتآكل بتأثير عاملين:
الأول. الاعتماد في الدراسة على المذكرات مع قلة المعروض من نصوص التراث.
الثاني. رواج المنهج الآخر الأحادي النظرة والاتجاه، في دراسة العقيدة، وتبنيه مقولات بعض المذاهب في دراسة العقيدة وتقديمها على أنها الحق الذي لا حق سواه، ومن ثم رفض كل ما يخالفه.
(3) تبنى بعض الجامعات الإسلامية ذات النفوذ المادي ـ لذلك المذهب الأحادي النظرة والاتجاه، وترويج ثماره المذهبية في العالم العربي والإسلامي.
(4) أدى كل ذلك إلى تراجع في المنهج الوسطى، تزامن معه اطراد للمنهج المتشدد.
لا شك أن الحل هو إحياء ودعم المنهج الوسطى في دراسة العقيدة، وتأصيله، وتطعيم المناهج الأخرى به.
ولذلك يقترح الدكتور الطيب الخطوات الآتية لوصول المطلوب إلى غايته:
الأولى. تكثيف جرعات النصوص الأشعرية والماتريدية والسلفية المعتدلة في جامعة الأزهر أولا، وأيضّا في كليات أصول الدين وأقسام العقيدة بكليات الدراسات الإسلامية، وكليات الدعوة على وجه الخصوص.
والثانية. تدرس موضوعات العقيدة بصورة مختصرة في الكليات العملية بالجامعات الإسلامية، ضمن مادة الثقافة الإسلامية انطلاقًا من القرآن والسنة، مع الابتعاد عن القضايا الخلافية التي تتطلب مستوى خاصًّا من العمق الأكاديمي، وتقتصر مباحث الألوهية التي يجرى تدريسها على فكرة عامة عن الصفات الإلهية وعن القضاء والقدر، مع التركيز على بيان سلبيات التواكل الذي يختلف كل الاختلاف عن التوكل المحمود، ونقد المذهب الجبري انطلاقًا من القرآن.
وفي مباحث النبوة، يتم التركيز على توضيح مفهوم النبوة وصفات الأنبياء، وحاجة الإنسانية للرسالات والنبوات التي ختمت بالإسلام، والفرق بين النبوات وبين النظم الإصلاحية والفلسفية والاجتماعية والقانونية.
وفي مباحث السمعيات، تدرس باختصار: الملائكة ـ الجن، مع التركيز على مقاومة الظواهر السلبية المعاصرة التي تنظر إلى عالم الجن كأنه المدبر لشئون حياتنا، وحتى صار مشجبًا تعلق عليه كل إخفاقاتنا وخيبتنا وفشلنا في القيام بواجبنا، ومن المؤسف أن هذه الظواهر السلبية أخذت تتزايد في السنوات الأخيرة.
والثالثة: لا مفر بالنسبة لكليات أصول الدين والدعوة، من عرض علمي أمين ونزيه لأشهر المذاهب الإسلامية التي ارتبط بها التاريخ الفكري لعلم العقيدة، وهي الأشاعرة، والماتريدية، والمعتزلة، جنبًا إلى جنب مع السلفية المعتدلة، وتدريب الطلاب على أن هذه المذاهب قد تشكلت وصيغت في إطار الإسلام: عقيدة، وشريعة، وأخلاقًا، وأن المدرسة السلفية ليست وحدها المتحدث الرسمي باسم الإسلام.
يأمل الإمام الأكبر الدكتور الطيب أن يساعد تطبيق هذا المنهج على خلق ذهنية متوازنة غير متشنجة ولا رافضة للآخر، ولا تتهم المخالف بالكفر أو الفسق، أو فساد العقيدة، أو تدعو لبطلان الصلاة خلفه.
هذا فيما يرى ـ كفيل بإعادة التوازن الذهني إلى جيل الطلاب الدارسين.