الإمام الطيب والقول الطيب (2)

من تراب الطريق (1170)

نشر بجريدة المال الأربعاء 1/9/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الإمام الطيب والقول الطيب (2)

المجلدات الثلاثة للقول الطيب، ليست موضوعًا واحدًا كتبه الإمام الطيب ليكون كتابًا كالكتب التي تدار على موضوع واحد، تجرى دراسته وتحليله وسبر أغواره وإقامة بنيان ترتبط أجزاؤه وتترابط مع غيرها لتغطية الموضوع الواحد.

ولكنها عبارة عن موضوعات شتى كتبت في أزمنة شتى ومناسبات متغايرة، قد تكون تلبية لظروف ما، أو بيانًا لمناسبات معينة.

والذي دعا الإمام الأكبر لجمع هذه المتفرقات، كما يفصح في طليعة أو مقدمة المجلدات، أمران: أولهما أن على تعددها وتنوعها، إنما يجمع بينها في جوهرها محور واحد هو البحث عن « السلام ». وعلاقته الوثيقة بالإسلام الذي يتغياه في كل دوائره بدءًا بالمستوى الفردي والجمعي، وانتهاءً بالسلام العالمي للإنسانية كلها.

ويفصح الدكتور الطيب عن أن الأمر الثاني؛ إنما يكمن في أن هذه الكلمات، كتبت جميعها في زمن متوتر قلق، هو تلك السنوات التي امتد فيها القلق والتوتر نحو سبعين عامًا، شغلتها توترات وتضاعيف العدوان الثلاثي الذي بدأت مشاهده منذ إعلان الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية، وجعلت تتصاعد حتى بداية العدوان الإسرائيلي الفرنسي الإنجليزي في آخر أكتوبر 1956، وقد زامن هذا العدوان السنوات الأولى في عمر صاحبنا، صبيًّا يجول ويرتع في قريته القونة وما حولها في الأقصر ومعابدها ووديانها للملوك والملكات، واختلاف الأجانب من شتى دول العالم للإطلال على تلك الآثار الفرعونية التليدة التي طبعت الأقصر بطابعها الخاص وبالزيارات التي تأتى لارتيادها من جنبات مصر، ومن شتى بقاع المعمورة.

تصادف أن بدأ الصبي دراسته الابتدائية في المعهد الديني الابتدائي بإسنا، في ذات شهر أكتوبر 1956 الذي بدأت في نهاياته العمليات العسكرية البرية والبحرية والقصف الجوي. للعدوان الثلاثي، فأعادهم العدوان من إسنا إلى القرية، ليعانوا من القلق والتوتر واحتياطات الدفاع إزاء الغارات الجوية الليلية، واستمر هذا التوتر والقلق حتى اندحاره في بورسعيد واضطراره إلى الانسحاب في 23 ديسمبر الذي صار عيدًا للنصر.

ولم تكد تمضي عشر سنوات، حتى جاءت حرب الأيام الستة في السادس من يونيو 1967، ووقعت بصورة أمر وأقسى، وخلفت نكستها ندوبًا، ومضت السنوات ثقيلة مليئة بالقلق والتوتر والمعاناة، والمقاومة المتصاعدة بدءًا من معركة رأس العش وإغراق إيلات، ومرورًا بمراحل الصمود ثم الاستنزاف ثم الردع، واستشهد من استشهد، ودمرت مرافق ومنشآت ومدارس في بحر البقر وغيرها، ولم تنج قناطر نجع حمادي في أعماق الصعيد من محاولات العدو الصهيوني تدميرها.

ومن الأعوام الستة المشحونة بالحرب، دخلت مصر أشرف معاركها في رمضان / أكتوبر 1973، ومع النصر العظيم، لم تسفر الأعوام التالية عما يتناسب مع هذا النصر، فظلت السنوات حُبْلى بالقلق والتوتر، وداخلتها عمليات الاغتيال وموجات الإرهاب والقتل العشوائي الذي طال النساء والأطفال، وتدمير المرافق، وإهلاك الزرع والضرع، إذْ تحول الجهاد الذي أعلن من تنظيم « القاعدة » في أغسطس 1996 أنه ضد الولايات المتحدة، تحول ليطول المسلمين في كل مكان، وأحدث فيهم خسائر ربما زادت عن خسائر الحروب الصليبية.

وانتهز الإعلام الصهيوني والغربي هذا العماء، للحملة على المسلمين بعامة، وعلى الإسلام ونبيه، وتصويره بأنه دين العنف والقتل، والسيف والخنجر والمدفع القنبلة، وقدمت أحداث سبتمبر 2001 المادة الخصبة لتكريس هذا الهجوم الظالم على الإسلام وعموم المسلمين، وظلت هذه الموجات تتلاحق تشحن الأيام بالقلق والتوتر، فضلا عن المكابدة والمعاناة.

في تلك السنوات المفعمة بالحروب المتتالية، المهددة بهجمات الإرهاب، وتهجم الغرب على الإسلام، تخرّج صاحبنا في كلية أصول الدين بالقاهرة عام 1969، حيث عين لتفوقه معيدًا بها، وتدرج في الدراسات العليا حتى حصل على العالمية ( الدكتوراه ) عام 1977، ودرَّس في جامعة الأزهر والجامعات العربية والإسلامية بالرياض والدوحة والصين وإسلام أباد. حتى إذا ما حل عام 2002، تقلّد منصب مفتي الديار المصرية.

وشاءت الأقدار لصاحبنا أن يتولى رئاسة جامعة الأزهر ـ أقدم جامعة في التاريخ ـ في سبتمبر عام 2003، حاملاً أعباءً كبيرة في زمن صعب، وظل شاغلاً رئاستها حتى عام 2010 حيث تولى مشيخة الأزهر خلفًا للإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي.

زر الذهاب إلى الأعلى