الإعلام القانوني ضرورة وطنية

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر-أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

درجت الصحف اليومية والبوابات الإعلامية المصرية على نشر أخبار القرارات الجمهورية الصادرة بشأن أعضاء الهيئات القضائية، سواء فيما يتعلق بالتعيين أو النقل إلى وظيفة غير قضائية أو الإحالة إلى المعاش. كذلك، ومنذ فترة بعيدة، درجت الصحف اليومية على نشر أخبار الحركة القضائية، مقرونة بصور بعض المستشارين والقضاة ممن شملتهم الحركة. بل إن بعض الأخبار المنشورة في الصحف والبوابات الإعلامية قد تناولت قرارات جمهورية صادرة بتعديل أقدمية بعض السادة القضاة أو المستشارين (يراجع على سبيل المثال: بوابة اليوم السابع، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «قرارات جمهورية بتعديل أقدمية عدد من المستشارين بهيئة قضايا الدولة»؛ بوابة الدستور، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «قرارات رئاسية بتعديل أقدمية 5 مستشارين بـقضايا الدولة»). ولم يقتصر النشر على البوابات الإعلامية المصرية، وإنما قامت بعض وسائل الإعلام الأجنبية الصادرة باللغة العربية بنقل هذه الأخبار عن الوسائل الإعلامية المصرية (يراجع على سبيل المثال: موقع RT، أخبار العالم العربي، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «السيسي يصدر قرارا بمعاقبة 5 قضاة وفصلهم ونقلهم لوظائف أخرى»؛ موقع الإمارات نيوز، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «بعد حُكم تأديب.. الرئيس المصري يُعاقب 5 قضاة بهذه الطريقة»).

ولعل أول ما يسترعي الانتباه هذا الصدد أن الأخبار المنشورة في البوابات الإخبارية المصرية قد تضمنت صورة لعدد الجريدة الرسمية المنشورة به القرارات موضوع هذه الأخبار، وهذا أمر يستحق الإشادة، حيث كنا أثناء سنوات الدراسة بكليات الحقوق نسمع فقط عن الجريدة الرسمية دون أن نرى شكلها أو أن تتاح لنا الفرصة للاطلاع عليها. ولذلك، أرى من الواجب علينا أن نتوقف عند هذه النقطة الإيجابية وأن نشيد بها، آملين الاستمرار في تطبيق هذا النهج في كافة الأخبار ذات الصلة بتشريعات أو قرارات منشورة بالجريدة الرسمية.

وفي المقابل، تجدر الإشارة إلى أن القرارات المشار إليها آنفاً هي – بحسب طبيعتها – قرارات فردية، وليست قرارات تنظيمية عامة مما تستوجب المصلحة العامة نشره وإحاطة علم الكافة به. وغني عن البيان أن القرارات الصادرة بالتعيين في الهيئات القضائية تحظى بقدر كبير من الأهمية، نظراً لشمولها عدد كبير من الأشخاص، فضلاً عن انتظار عدد غير محدود من الأسر المصرية لها ممن يحدوهم الأمل في تعيين أبنائهم بالجهات القضائية. ومن ثم، يبدو مقبولاً ومستساغاً ومفهوماً نشرها في وسائل الإعلام المختلفة. ولكن، التساؤل يثور فيما يتعلق بنشر الأخبار الصادرة بشأن قاض بعينه أو مستشار في إحدى الجهات القضائية بذاته. إذ يثور التساؤل لدي أنا شخصياً عن وجه المصلحة والفائدة المجتمعية المرجوة من نشر مثل هذه الأخبار، لاسيما إذا كان الخبر لا يتضمن بياناً لسبب صدور القرار، الأمر الذي تنتفي معه كل فائدة مجتمعية من وراء النشر.

وفيما يتعلق بقرارات النقل إلى وظيفة غير قضائية أو الإحالة إلى المعاش، فقد يتم النشر دون ذكر أسماء الأشخاص المنقولين أو المحالين إلى المعاش (يراجع على سبيل المثال: بوابة المصري اليوم، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «بالأسماء.. السيسي ينقل 5 قضاة إلى وظائف غير قضائية»)، وقد يتم النشر مع ذكر الأسماء (يراجع على سبيل المثال: بوابة اليوم السابع، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «بالأسماء.. قرارات جمهورية بإحالة قضاة إلى وظائف غير قضائية»). وبغض النظر عن مدى شرعية ومدى ملاءمة نشر الأسماء من عدمه، فالملاحظ أن معظم الأخبار المشار إليها لم تتضمن أدنى إشارة إلى سبب القرار. بل إن صياغة بعضها قد يوحي – على غير الحقيقة – بتدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، كما هو الشأن في صياغة الخبر المنشور في بوابة المصري اليوم، والذي جاءت عباراته كما يلي: «السيسي ينقل 5 قضاة إلى وظائف غير قضائية». وجاءت الصياغة الواردة في بعض البوابات الإخبارية بصورة أكثر فجاجة، كما هو الشأن في موقع بلدنا اليوم، والذي استخدم عنوان «بأمر السيسي.. نقل 5 قضاه إلى وظائف غير قضائية». ووردت العبارة ذاتها في عنوان الخبر المنشور بموقع مصر العربية، يوم الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م. ومن باب الانصاف، فإن بوابة الشروق هي الوحيدة – على حد علمنا – التي قامت بإلقاء ببيان سبب إحالة بعض القضاة إلى وظائف غير قضائية، مؤكدة أن كل قرار جمهوري صادر في هذا الشأن قد جاء استناداً إلى حكم مجلس تأديب القضاة مع بيان تاريخ صدور الحكم ورقم الدعوى التي صدر فيها (راجع: بوابة الشروق، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م، خبر تحت عنوان «بالأسماء.. ننشر تفاصيل إحالة 5 قضاة إلى وظائف غير قضائية»).

وفي ضوء ما سبق، وإزاء ما أثاره البعض على وسائل التواصل الاجتماعي من أقاويل ومزاعم غير صحيحة ومحاولة لإثارة الفتنة، أرى من الملائم دعوة وسائل الإعلام إلى تحري الدقة عند نشر هذه الأخبار، وأن تمتنع قدر الإمكان عن نشرها، طالما أنه لا توجد فائدة مجتمعية من وراء نشرها. وفي حالة النشر، يبدو من الضروري بيان سبب صدور القرار، منعاً للفتنة وإثارة الأقاويل والادعاءات غير الصحيحة. وربما يكون من المناسب أيضاً إلقاء الضوء على السند القانوني لهذه القرارات، وأنها قد صدرت استناداً إلى الأحكام الواردة في قانون السلطة القضائية، مع ذكر رقم المادة وفحواها. ففيما يتعلق بالقرارات سالفة الذكر الصادرة بالنقل إلى وظائف غير قضائية أو الإحالة إلى المعاش، وبالاطلاع على ديباجة كل قرار منها، يتضح جلياً للعيان أنها قد صدرت تنفيذاً لأحكام صادرة من مجلس تأديب وصلاحية القضاة بمناسبة دعوى صلاحية ذات رقم محدد وفي جلسة منعقدة بتاريخ معين.

من ناحية أخرى، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ويوم الجمعة الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر 2020م، بدأ سريان المرسوم بقانون اتحادي رقم (6) لسنة 2020م، متضمناً تعديل المادة الثانية والثلاثين من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 في شأن تنظيم علاقات العمل، وبحيث غدا نصها على النحو التالي: «تُمنح المرأة الأجر المماثل لأجر الرجل إذا كانت تقوم بذات العمل، أو آخر ذي قيمة متساوية، وتصدر بقرار من مجلس الوزراء – بناء على اقتراح من وزير الموارد البشرية والتوطين – الإجراءات والضوابط والمعايير اللازمة لتقييم العمل ذي القيمة المتساوية». كذلك، تضمن المرسوم بقانون اتحادي المشار إليه إضافة مادة جديدة تنص على أن «يُمنح العامل إجازة والدية مدفوعة الأجر لمدة خمسة أيام عمل لرعاية طفله، تستحق من تاريخ ولادة الطفل وحتى إكماله ستة أشهر». والمقصود بإجازة الوالدية هنا هو إجازة الأبوة.

وتعليقاً على صدور المرسوم بقانون اتحادي المشار إليه، نشرت بوابة البيان الالكتروني الخبر التالي: «تنفيذاً لمرسوم رئيس الدولة، مساواة أجور النساء بالرجال في القطاع الخاص بالإمارات اعتباراً من الغد» (راجع: بوابة البيان الالكتروني، دبي، الخميس الموافق 24 سبتمبر 2020م). وفي اليوم التالي، نشرت الوسيلة الإعلامية ذاتها الخبر التالي: «تنفيذاً لمرسوم رئيس الدولة، مساواة أجور النساء بالرجال في القطاع الخاص بالإمارات اعتباراً من اليوم». والواقع أن صياغة الخبر على هذا النحو توحي – على غير الحقيقة – بأن الحكم القانوني موضوع الخبر هو حكم مستحدث لم يكن موجوداً من قبل. فالمشرع الإماراتي يعتنق منذ عهد بعيد مبدأ المساواة في الأجر بين المرأة والرجل. بيان ذلك أن المادة الثانية والثلاثين من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1980 في شأن تنظيم علاقات العمل كانت تنص – قبل تعديلها – على أن «تمنح المرأة الأجر المماثل لأجر الرجل إذا كانت تقوم بذات العمل». وهكذا، وبالمقارنة بين النص قبل التعديل وبعده، يتضح أن النص الجديد قد أتي ببعض الأحكام التفصيلية التي تتعلق بتطبيق مبدأ المساواة في الأجر بين المرأة والرجل. أما مبدأ المساواة ذاته فقد كان مقرراً من قبل. كذلك، كنت أتمنى أن يقترن هذا الخبر بالإشارة إلى المرسوم بقانون اتحادي رقم (27) لسنة 2018 بشأن المساواة في الرواتب بين الجنسين. وقد صدر هذا المرسوم بقانون في الثالث والعشرين من سبتمبر 2018م، ونشر بالجريدة الرسمية في الثلاثين من سبتمبر 2018م، وبدأ العمل به بعد أربعة عشر يوماً من تاريخ نشره. وتحدد المادة الثانية من المرسوم بقانون المشار إليه نطاق سريانه، بنصها على أن «تسري أحكام هذا المرسوم بقانون على الجهات الحكومية الاتحادية». ومحدداً نطاق تطبيقه على هذا النحو، تنص المادة الثالثة من المرسوم بقانون اتحادي المشار إليه على أن «لا يجوز للجهة الحكومية التفرقة أو التمييز في اللوائح والأنظمة المعمول بها لديها بين العاملين على أساس جنسه ذكراً كان أو أنثى في قيمة الرواتب التي تدفع لأي منهم في نفس الدرجة الوظيفية، ما لم تكن هناك أسباب ومبررات أخرى تقتضي ذلك كاختلاف المؤهل العلمي أو التخصص أو المهارات أو الخبرات أو الكفاءات المهنية». وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الجهة الحكومية – وفقاً للتعريف الوارد بالمادة الأولى من المرسوم بقانون اتحادي ذاته – هي «الوزارات والهيئات والمؤسسات والمراكز والمجالس والمكاتب الحكومية الاتحادية». أما «الرواتب»، والتي يتم المساواة بين المرأة والرجل في شأنها، فالمراد بها هو «الرواتب الأساسية». ورغم أن المرسوم بقانون اتحادي تضمن كذلك النص على إجازة الوالدية، ورغم أن هذا الحكم مستحدث ليس له نظير من قبل في قانون تنظيم علاقات العمل، فإن الأخبار الصحفية لم تتضمن أدنى إشارة إلى هذا الحكم القانوني المهم.

وهكذا، ومن خلال العرض السابق، يبدو جلياً مدى أهمية الخلفية القانونية فيما يتعلق بصياغة الأخبار ذات الصلة بالتشريعات أو أحكام القضاء أو الحوادث والقضايا، وبحيث يغدو من الضروري أن يتولى صياغتها أحد الأشخاص من ذوي التأهيل القانوني أو على الأقل أن تتم مراجعتها قبل النشر بواسطة أحد المستشارين القانونيين أو أحد المحامين. والله من وراء القصد…

زر الذهاب إلى الأعلى