الإطار التشريعي للتجارب السريرية بعد أزمة كورونا

 

 بقلم: أ. محمود أبوزيد

أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي د. خالد عبد الغفار، عن حصول مصر على عينات من دواء ياباني وإخضاعه لتجارب سريرية في إطار تعاون واسع لقياس تأثيره على فيروس كورونا المستجد.

ففي خضم مواجهة العالم لوباء كورونا، أعلن مسئول برنامج الترصد والاستعداد والاستجابة بمنظمة الصحة العالمية د. عمرو أبو العطا، نهاية الشهر الماضي، أن مصر وافقت على المشاركة في إجراء التجارب السريرية لتقييم الأدوية المستخدمة في علاج مرض (COVID 19) في وقت تخوض فيه دول مختلفة سباقاً مع الزمن لسرعة إنتاج علاج أو مصل فعال واختباره على نطاق واسع، العملية التي قد تمتد للعام المقبل، وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية.

وفي مصر لا يوجد تشريع موحد، خاص، بقواعد حاسمة، لإدارة ملف التجارب السريرية، رغم بذل محاولات متعددة منذ عام ٢٠٠٢ لإصدار قانون منظم للنشاط الذي تزاوله –عمليا- شركات عالمية بالتعاون مع معاهد طبية ومستشفيات حكومية في مصر، فهناك العديد من شركات الأدوية العالمية العملاقة والمؤسسات العلمية التي تعلن بشكل مستمر عبر الإنترنت وغيرها من الوسائط عن حاجتها لمتطوعين من المرضى لتجربة الأدوية الجديدة، في محافظات مختلفة، ووفقاً لبيانات معاهد الصحة الوطنية الأمريكية فمصر كانت ثاني دولة في أفريقيا استضافة للتجارب السريرية بين عامي ٢٠١٤ و ٢٠١٦ بإجمالي ١٨١ تجربة.

لكن هذا لا يعني فراغ الإطار التشريعي تماما، رغم غياب القانون الخاص بالتجارب السريرية، فهناك عدد من القوانين الأخرى التي تتطابق بعض موادها مع ما قد تتطلبه التجارب السريرية من إجراءات والتزامات مسبقة وما قد يترتب عليها من مخالفات أو جرائم، فهناك القانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠ بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، والقانون ٧١ لسنة ٢٠٠٩ بشأن رعاية المريض النفسي، والقانون ٥ لسنة ٢٠١٠ بتنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، والمدونة المصرية لتقييم التجارب الإكلينيكية للمستحضرات الحيوية والأمصال واللقاحات الصادرة عام ٢٠٠٦.

وفوق كل ذلك المادة ٦٠ من الدستور المصري الحالي والتي تنص على عدد من الضمانات: “لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون، ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون”.

 

صدور الدستور بهذا النص الذي يحيل التنظيم إلى قانون، دفع لصياغة عدة مسودات لمشروع قانون متخصص، أثارت جدلاً في الأوساط العلمية والطبية وبين النقابات الطبية والمتخصصين، حتى أقر مجلس النواب في مايو ٢٠١٨ مشروعاً كاملاً مكوناً من ٣٥ مادة.

بدا المشروع في طريقه إلى الإصدار حتى فوجئ الرأي العام باستخدام رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي سلطاته بالاعتراض عليه وإعادته للبرلمان، في أكتوبر ٢٠١٨، حيث رفض طريقة تشكيل المجلس الأعلى للبحوث الإكلينيكية، واشتراط موافقته على جميع الأبحاث لضخامة عددها المتوقع، واعتبر أن المواد العقابية متشددة، كما اعتبر أن من غير الواقعي حظر إرسال أي عينات بشرية للخارج بغرض ألا يتم معرفة الجينات المصرية والعبث بها.

تراجعت أولوية القانون، إلى أن أرسل مجلس الوزراء مشروعا جديدا لمجلس النواب، فرفض رئيسه د. علي عبدالعال مطلع فبراير ٢٠٢٠ مناقشته وأعاده للحكومة، وذكر أن نطاق عمل البرلمان حالياً يقتصر على إعادة صياغة المواد التي اعترض عليها الرئيس السيسي.

يمكن أيضاً الإشارة في هذا الصدد إلى ما نصت عليه المادة (١٧) من القانون رقم ١٥١ لسنة ٢٠١٩م بشأن إنشاء هيئة الدواء المصرية -المنشور في ٢٥ أغسطس ٢٠١٩م- من اختصاصها ما يلي: “… ثانياً: الاختصاصات التنفيذية: ١٦- تقييم نتائج المراحل المختلفة للتجارب السريرية للمستحضرات والمستلزمات الطبية الخاضعة لأحكام هذا القانون”.

وجدير بالذكر أن من المفترض أن الهيئة بدأت في مباشرة عملها بشكل رسمي بإصدار السيد رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون -المنشورة بتاريخ ٢٩ مارس ٢٠٢٠م- بالقرار رقم (٧٧٧) لسنة ٢٠٢٠م، ونصت المادة (١٦) منها على ما يلي: “…١٥- تقييم نتائج المراحل المختلفة للتجارب السريرية للمستحضرات والمستلزمات الطبية الخاضعة لأحكام هذا القانون وما يستلزمه ذلك من إجراءات رقابية على جميع المراحل المختلفة والمنشآت ذات الصلة التي تدخل في اختصاص الهيئة، وذلك وفقاً للقواعد التي يحددها مجلس إدارة الهيئة ويصدر بها قرار من رئيس مجلس الإدارة”.

كما صدر القانون رقم (١٥١) لسنة ٢٠١٩م بإنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية.

وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (٧٧٧) لسنة ٢٠٢٠م بإصدار اللائحة التنفيذية.

وقد صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم (١٨) لسنة ٢٠٢٠م في ١٢ يناير ٢٠٢٠م بتشكيل مجلس إدارة هيئة الدواء المصرية.

نجد أن الحاجة ماسة -الآن- لإصدار القانون الموحد والمنظم للتجارب السريرية أكثر من أي وقت مضى، بعد إعلان منظمة الصحة العالمية موافقة مصر على إجراء التجارب السريرية بشأن علاجات كورونا، والتي ستكون الشغل الشاغل لجميع الشركات والمعاهد الكبرى في العالم الفترة القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى