الإسلام والطاقة الروحية (1)
من تراب الطريق (914)
الإسلام والطاقة الروحية (1)
نشر بجريدة المال الأحد 16/8/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
تحدث أستاذنا محمد عبد الله محمد عن «الطاقة الروحية» في كتابه الضافي «معالم التقريب»، هذه الطاقة الروحية ينتسب إليها أصل وتطور كل علم وفن وفكر.. بمعونتها اكتشف الإنسان معظم هذه القوانين والنواميس وصيغها الرياضية التي تمثل حدس وتصور الإنسان لهذا النظام العاقل المعقول الذي يسود العالم الطبيعي.
فكل الظواهر التي يحفل بها الكون، تمضي في فلكها المرسوم، وتؤدى دورها، دون أن تعي أو تدرك معنى هذا النظام ودورها فيه.. فالرياح تهب في جميع الاتجاهات، والأنهار تجري، والبحار تموج وتذخر بما فيها، والأرض والأفلاك تدور، والشمس تضئ والقمر يعكس ضوءها، والكواكب تطلع وتختفي، والنباتات تنبت، والحيوانات تولد وتموت.. ولا تعرف شيئا من ذلك كله، ولا معناه، ولا النظام التي هي جزء منه.. لا يعرف ذلك إلاّ خالقها سبحانه الذي خلقها وأبدعها ويعرفها أكمل وأدق معرفة.
وذكاء الإنسان يدفعه بروحه العظيمة إلى محاولة إدراك ما يدور حوله.. والاتصال بالحق تبارك وتعالى اتصال العبد بالمعبود، والعويلم بالأعلم، والعويقل بالخبير الحكيم الأعلى، والشرارة الصغيرة بالروح الأكبر.. اتصال المخلوق بالخالق.. بسيده ومليكه ومالك كل شيء.. اتصال حوار توقيفي.. يبادل فيه مَنْ لا حد لقوته ومقدرته وحكمته مَنْ لا حد لضعفه ولا لشوقه إلى الفهم والحرية.. وإلى الود والمحبة.. في هذا الخطاب يقدم العبد المخلوق الصغير إلى ربه عز وجل الخالق الكبير المتعال، يقدم حسابا عن روحه وما خلصت به وانتهت إليه.. حسابا لا بد منه لكي يتسق في روح الإنسان معنى العدل وقيمة الحرية والحق.
يلاحظ محمد عبد الله محمد -أن من أسباب هبوط الطاقة الروحية ومن نتائج هبوطها في ذات الوقت- انشغال الناس بالعرضي الوقتي عن الدائم الباقي.. زاد ذلك أن الحضارة الحالية شغلت الناس بزحام العرضي في يقظتهم وفي أحلامهم.. حتى صار العرضي هو الأصل الشاغل للحياة من حولنا، ومن كل جهة، يملأ النفوس واهتمامات وخيالات الناس ويصرفهم صرفاً عن الدائم الباقي!
صار العرضي هو العملة العالمية الحقيقية الآن.. وشمل ذلك الأشياء والشهوات والرغاب التي تتقاسم عقول وعواطف واهتمامات معظم الناس.. وميزة هذا العرضي في عيونهم أنه ميسور المنال لإرضاء فرديتهم ورغائبهم وخيالهم وحبهم لذواتهم.. ومناسب لإظهار قدرتهم ومهارتهم مع شوقهم إلى استعجال التغير وسرعة الوصول إلى النتائج السهلة البراقة.. وهو مجال يغري بإرضاء الذات وإبراز الشخصية !
ونحن نتوهم في انسياقنا للعرضي أننا نزيد حريتنا وسعادتنا ونعطى حياتنا أبعادًا واتساعًا.. وهذا وهم كأبنية الرمال.. ولا ندرك أن انحصارنا في هذا العرضي الزائل يصير عرضًا وقتياً نسبيا هو الآخر ويفقد مع الوقت قيمته لدينا، ونحن كأفراد لا نتصور أنه في مقدورنا أن نصنع شيئا دائما باقيا.. وهذا وإن كان صحيحا في الأشياء المادية، إلاّ أنه غير صحيح في غير الماديات وفي أمور الروح وفي قضايا الإنسان الكبرى، وأثر الفرد يتجلى فيمن حملوا الرسالات والنبوات وفى العباقرة الأفذاذ وفيمن حققوا البطولات والإنجازات.. هؤلاء كانوا أفرادًا وسيظلون أفرادًا إلى ما شاء الله.